إن حقيقة وقيمة الارتباط بشخص من الأشخاص منوط بأمور مختلفة؛ من جملتها نوع المُعتًقد بالشخص الذي يودّ الارتباط به. فحقيقة المعتقد الذي يربط الشخص بالآخر قد تكون من القيمة ما تمنح الارتباط حسناً مميزاً، وقد لا تمتاز هذه العُلقة بقيمة ما؛ كما في العلاقات والروابط التي تنعقد بين أشخاص مختلفين وشخص لا يملكون عنه معرفة صحيحة. فهذه العلاقة لا تعدّ علاقة قيّمة.
فما نبحثه في هذا الفصل وتحت عنوان الارتباط مع المعصومين (عليهم السلام)، هو الارتباط مع العترة الطاهرة (عليهم السلام) الذي يستند إلى الإيمان والاعتقاد بعصمتهم وولايتهم؛ وبعبارة أخرى: فإن الارتباط بأهل هذا البيت قد يكون ارتباطاً بأناس يتمتعون بخصال حسنة بدون الاعتقاد بمراتبهم وولايتهم وعصمتهم. وقد يكون الارتباط بهم ناتجا عن الالتفات إلى منزلتهم عند الله تعالى ... هذا رغم عدم إمكانية معرفة حقيقة مراتبهم.
فلا يمكن أن يكون للارتباط بالمعصومين (عليهم السلام) قيمة إلّا إذا كان هذا الارتباط نابع من الاعتقاد بمقام ولايتهم الأمر الذي يمكن تسميته حقاً بالارتباط بالمعصومين (عليهم السلام)؛ وأمّا الارتباط من غير هذا السنخ فالأجدى أن لا يطلق عليه عنوان الارتباط بالمعصوم (عليه السلام)؛ وإن كان المرتبط به معصوماً؛ لأنّ الارتباط بالمعصوم لو كان ارتباطاً دون أن يكون إيماناً بالعصمة والولاية، فيعني ذلك أنّ العصمة والولاية لا أثر لها في نشوء هذا الارتباط. لأن العلاقة مع المعصوم هنا لم تكن من جهة كون المعصوم معصوما وولياًَ؛ فهذا الارتباط في الحقيقة لا يعدّ ارتباطاً بالمعصوم.
نعم من الطبيعي أن تكون هناك ثمرات للارتباط مع المعصومين حتى وإن كان المرتبط لا يعتقد بعصمتهم وولايتهم. فقد تثمر هذه العلاقة عن إيمان الفرد وفلاحه؛ ففي كثير من الحالات لاحظنا أن هكذا ارتباط ساهم في أن يسلك شخص غير مسلم أو غير شيعي سبيل الهداية ويلتحق بخطّ أهل البيت (عليهم السلام) رغم كون الارتباط بهم (عليهم السلام) وجيزا وقصيرا.(1) وهذا ناتج بالذات عن الأخلاقية الحسنة لأهل البيت وخصالهم الحميدة التي لاحظها الشخص المرتبط، وتأثر بها.
كما ينبغي أن يُلتفت إلى أن ما سنسميه في هذا الفصل ارتباطا بالمعصوم (عليه السلام) وفي الفصول الأخرى ارتباطا بالآخرين، هو بعض السلوك الإرادي الذي يتحوّل إلى خصلة إنسانية من خلال تكراره، لا إلى ارتباط قلبي كالحبّ والإيمان الذي تعود جذوره إلى السلوك الإرادي؛ فيما يمتاز الارتباط القلبي بالمعصومين (عليهم السلام) بأهمية وقيمة عالية سنتناولها بالبحث في هذا الفصل بشكل تفصيلي. كما أن من الطبيعي أن يكون البحث فيها من خلال ملاحظة السلوك المسبب لظهورها.
أقسام الارتباط بالمعصومين (عليهم السلام)
ينقسم الارتباط إلى عدّة أقسام تختلف باختلاف الجهات وهي:
أ – الأقسام باعتبار الواسطة في الارتباط
نظراً لوجود الواسطة وعدمها في الارتباط بالمعصومين فإنّ الارتباط بهم ينقسم إلى قسمين:
1- الارتباط المباشر
قد تكون عملية الارتباط بالمعصومين دون وجود وساطة وهي ما يطلق عليها الارتباط المباشر بهم (عليهم السلام). فزيارتهم في أيّام حياتهم وزيارة مثواهم بعد وفاتهم يمثل الارتباط المباشر بهم (عليهم السلام)
2ـ الارتباط غير المباشر
قد يتحقق الارتباط بالمعصومين (عليهم السلام) من خلال الارتباط مع الآخرين. فالارتباط مع الآخرين، إذا كان ناتجاً عن ارتباطهم مع المعصومين (عليهم السلام) فسيكون سبباً لإيجاد رابطة غير مباشرة مع المعصومين (عليهم السلام). فبعض الأشخاص تكون لهم عُلقة مع المعصومين بشكل تجعلهم واسطة لإيجاد الارتباط بين الناس والمعصومين ويمكن تصنيفهم كالتالي:
أولا: الوكلاء الخاصين والعامين للمعصوم (عليه السلام): يكون الارتباط بالمعصومين (عليهم السلام) من خلال الارتباط بالنواب والنائب عن المعصوم ( عليه السلام) إما أن يكون نائبا خاصّاً ؛ وهو الشخص الذي ينصبه المعصوم ويسميه بالاسم ، أو يكون نائباً عاماً؛ وهو الشخص الذي يذكره المعصوم بالصفات والشرائط دون ذكر اسمه، وعلى كلا الحالين فإنّ الارتباط بهذا النمط من الشخصيّات سيكون ارتباطاً بالمعصومين (عليهم السلام)؛ كما ذكر الإمام الحجة (عليه السلام) ذلك في توقيعه الشريف:
" وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا بها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله"(2).
ثانياً- ذوي المعصومين (عليهم السلام) (السادة): فقد يكون الارتباط ببعض الأشخاص بسبب ارتباطهم بالمعصومين نسبياً. وفي مثل هذه الصورة يكونوا واسطة للارتباط بالمعصومين (عليهم السلام) أيضاً؛ ذلك لأن هذا الارتباط لا ينعقد إلّا نتيجة النسب المذكور فقط ومع عدم وجود وصف السيادة لا ينعقد هذا الارتباط.
ثالثاً. أصحاب ومحبي المعصومين (عليهم السلام): قد يرتبط الإنسان بآخرين بسبب حبهم واحترامهم للمعصومين (عليهم السلام). فالإحسان للمعزّين وزائري قبور المعصومين وتكريمهم وتوقيرهم، تعتبر بأجمعها من قبيل هذا الارتباط.
ب _ الأقسام باعتبار الارتباط بما ینسب إلیهم
1ـ رعاية الحق
إنّ الحقوق التي تتوجب على الأمة بالنسبة للمعصومين (عليهم السلام) تمثل الأرضية لإيجاد الارتباط بهم. فمن راعى هذه الحقوق، فقد أقام ارتباطا صحيحاً وراسخاً معهم (عليهم السلام).
2- أعمال اللطف
إن تكريم ذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والإحسان إلى زائري قبور المعصومين (عليهم السلام) والإحسان لمحبي أهل البيت (عليهم السلام) رغم كونه لا يمثل فرضاً على الآخرين، إلّا أنّه لطفٌ يتحقق من خلاله ارتباط حسن.
ج _ الأقسام باعتبار شكل الارتباط:
1ـ الارتباط بالجسم والنفس
إن الارتباط الحاصل بلقاء الإمام (عليه السلام) وتقبيل يده المباركة في زمان حياته وزيارة قبره، يسمى الارتباط بالجسم والنفس؛ وكذلك الأمر بالنسبة لزيارة الأطهار المنتسبين إلى الأئمة المعصومين (عليهم السلام) يعدّ من جملة هذا الارتباط.
2ـ الارتباط السلوكي
يحصل الارتباط السلوكي مع المعصومين (عليهم السلام) بأشكال مختلفة كدفع الضرر عنهم عند حدوث الخطر، والإنفاق المادي، ورعاية الآداب. فمن جملة مصاديق الارتباط السلوكي مبيت أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في فراش النبي