وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر :
السبت

١٩ مارس ٢٠١١

٨:٣٠:٠٠ م
232544

النص الكامل لكلمة السيد نصر الله في مهرجان التضامن مع الشعوب العربية

القى الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله كلمة بمهرجان التضامن مع الشعوب العربية في مجمع سيد الشهداء (ع) في الضاحية الجنوبية لبيروت وفيما يلي النص الكامل .

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا شفيع ذنوبنا وحبيب قلوبنا ابي القاسم محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه الأخيار المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.

السادة العلماء، السادة النواب، الإخوة والأخوات السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.

اجتماعنا اليوم هو للتعبير عن تضامننا ووقوفنا إلى جانب شعوبنا العربية وثوراتها وانتفاضاتها وتضحياتها، بالخصوص في كل من تونس، وبدأنا زمنيا ومصر والبحرين وليبيا واليمن.

هذا التضامن قيمته بالدرجة الأولى قيمة معنوية وسياسية وأخلاقية، وتأثيراته بالدرجة الأولى هي تأثيرات معنوية، لأن الأصل فيما يجري اليوم وما يمكن أن يؤدي إلى حسم مصير انتفاضة هنا وثورة هناك، مواجهة هنا ومقاومة هناك، الأصل هو ثبات الشعوب وصمودها ومقاومتها، وهذا يرتبط بالدرجة الأولى بإيمانها وبمعنوياتها وبروحيتها العالية.

أنا وانتم نذكر جيّداً في حرب تموز، في الأيام القاسية التي نشتمّ فضائحها في هذه الأيام في ويكيليكس، في تلك الأيام تذكرون جيّداً أن أي كلام في أي مكان في العالم، أي احتفال، أي تظاهرة، أي اعتصام، أي تجمّع، أي خطاب، أي بيان، أي تصريح كانت له آثار طيبة وجيّدة على معنويات المقاومة والصامدين والمهجّرين والمقاتلين. وهكذا الحال بالنسبة للشعوب الثائرة في مثل هذا اليوم.

نحن هنا اليوم لنقول لهم: نحن معكم، ندعمكم، نؤيدكم، نشد على أيديكم، نفرح لفرحكم ونحزن لحزنكم، ندعو لكم بالنصر، ونعرض أنفسنا لنقول: نحن حاضرون لنمدّ يد العون والمساعدة في كل ما قد تقتضيه مصلحتكم ومصلحتنا وقدراتنا وإمكاناتنا أن نكون إلى جانبكم.

سأتحدث أيها الإخوة في الوقت المتاح عن عناوين متعددة وعن مجموعة عناوين مشتركة بين هذه الشعوب، كلمة حول كل دولة بإيجاز شديد وسأتوقف قليلاً عند موضوع البحرين نتيجة الإشكالية الطائفية بالموضوع الخاص والتعقيد الخاص القائم هناك، المسؤوليات والمبادرات المطلوبة، ثم أترك بعض الوقت للحديث عن مستجدات الوضع اللبناني الأخيرة التي لابد من أن أتطرق إليها.

أولاً: يجب التأكيد على أن هذه الثورات هي إرادة ذاتية للشعوب.

أي اتهام يحاول أن يقول إن أميركا هي التي تصنع هذه الثورات، هي التي تديرها وهي التي حركتها وأطلقتها هذا اتهام ظالم لهذه الشعوب وكلام غير صحيح.خصوصاً وإذا تحدثنا عن هذه الأنظمة الخمسة ونحن نتحدث عن أنظمة حليفة لأميركا، أنظمة تابعة لأميركا، أنظمة منسجمة مع أميركا، أنظمة قدمت وتقدم خدمات للمشروع الأميركي، أنظمة لا تشكل أي تهديد للسياسة الأميركية التي هي إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط، فهل يعقل أن الإدارة الأميركية تأتي إلى أنظمة تابعة حليفة مطيعة منسجمة خاضعة وتنقدها وتطلق في مواجهتها ثورات شعبية؟

هذا أمر غير منطقي وخصوصاً أن أميركا تعلم علم اليقين من خلال استطلاعات الرأي والدراسات والمعلومات العلنية والإستخبارية أن وعي هذه الشعوب وبصيرة هذه الشعوب باتت على درجة عالية من الوضوح وموقف هذه الشعوب من الإدارة الأميركية والسياسة الأميركية ومن وجود إسرائيل في أعلى درجات الالتزام والوعي والثبات، فكيف يمكن للإدارة الأميركية أن تطلق ثورات شعوب واعية وذات بصيرة ووضوح في الرؤية وذات عزم من هذا النوع وهي لا تعرف ما هي النتائج التي ستتمخض عنها هذه الثورات والبدائل التي ستنتجها هذه الشعوب على مستوى الحكومات وعلى مستوى الأنظمة. إذاً هذا اتهام ظالم لا أساس له من الصحة.

نعم لو كنا نتحدث عن نظام ممانع، نظام مقاوم، نظام خارج إرادة الولايات المتحدة الأميركية والمشروع الأميركي، نظام يقف في وجه إسرائيل ويتحدى إسرائيل، ثم تحصل حركات احتجاج في وجه هذا النظام يمكن لنا ويحق لنا أن نتساءل ـ ولا نريد أن نحكم مسبقاً ـ أنه إذا قيل بأن هناك من يريد يحرض أو يعمل لإسقاط النظام يكون الكلام قابلاً للنقاش، أما أنظمة تابعة للولايات المتحدة الأميركية ثم يأتي البعض ليقول لنا هذه ثورات أميركية؟ هذا غير مقبول، وكذلك سخافة اتهام القاعدة بالثورة الليبية وسخافة اتهام إيران بقيام الشعب في البحرين.

ثانياً: أنا سأختصر بالعناوين والكلام كثير. هذه ثورات شعبية حقيقية منطلقة من الناس، من الشباب بالدرجة الأولى، من الرجال، من النساء، الصغار، الكبار، لحقت بها النخب، لحقت بها القوى السياسية، وهي تعتبر وتنطلق من إيمان ووعي وغضب وحماسة والأهم من ذلك من استعداد عالٍ للتضحية والفداء وهذا ما لا يجوز أن تغفل عنه هذه الأنظمة التي تواجه هذه الشعوب.

شاهدنا بأم العين في التلفزيونات شباباً يفتحون صدورهم أمام البنادق ويقولون لهم أطلقوا علينا النار، وتطلق عليهم النار. شاهدنا هذا في تونس، في مصر، في اليمن والبحرين، في ليبيا. ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل يأتي بعد ذلك شباب آخرون ويفتحون صدورهم أمام الرصاص وأمام البنادق.

هذا ماذا يعني؟ هذا مؤشر كبير جداً وعظيم جداً. هذا يعني أن القتل والترهيب والمجازر عجزت عن إخراج الناس من الساحات ومن ميادين المواجهة وهناك سنّة إلهية، سنّة تاريخية، سنة طبيعية حاكمة في التاريخ والمجتمع وهي:

عندما يحضر شعب بهذا المستوى من العزم، بهذا المستوى من الإيمان والوعي، بهذا المستوى من الاستعداد للتضحية وبهذا المستوى من الاستعداد للصبر على الدماء، على الشهداء، على الجراح، على دمار المنازل، هذا شعب لا يمكن أن تلحق به الهزيمة ولا يمكن أن يهزمه أحد، لا أميركا ولا إسرائيل ولا أنظمة الطغاة في أي مكان من العالم.

هذه سنة إلَهية، هذا قانون إلهي طبيعي، ولذلك قد تكثر التضحيات، لكن مع الثبات والصمود والإصرار والعزم يكون الانتصار في نهاية المطاف. هذا ما تؤكد عليه تاريخ الثورات والانتفاضات الشعبية وحركات المقاومة في الحاضر وفي الماضي، وهنا عنصر القوة الأساسي التي نجده اليوم في هذه الشعوب الثائرة.

وبالتالي نداؤنا من لبنان المقاومة المحررة عام 2000 والمنتصرة في تموز 2006 لهذه الشعوب أن الخيار الوحيد والمتاح أمامكم والمطلوب منكم هو أن تثبتوا وأن تصمدوا وأن تصبروا وأن تصابروا وأن تكونوا على ثقة من نصر الله سبحانه وتعالى وعونه لكم إن صبرتم وثبتم وبقيتم في ساحات المواجهة والجهاد.

ثالثا: في رد فعل هذه الأنظمة.. ماذا كان رد فعل هذه الأنظمة على ثورات شعبية محقة، مطالبها محقة وذاتية الانطلاقة والإرادة؟

بدل أن تبادر هذه الأنظمة إلى حوار صادق، إلى إجراء إصلاحات حقيقية جدية بدون مناورات ونفاق وبدل أن تبادر إلى الدخول في حوار صادق مع ممثلين عن هذه الثورات والانتفاضات، بادرت إلى القمع، إلى القتل، إلى الاضطهاد، إلى الاتهام، إلى الإهانة والإذلال. قيل عن هؤلاء الشرفاء في كل الساحات والميادين، كيلت لهم الشتائم، قيل عنهم فئران وجرذان وحبوب هلوسة وطائفيين واتهموا في مكان ما بالقاعدة وفي مكان ما بالعمالة لأميركا وما شاكل.

هذا عقّد الأمور في كل هذه البلدان، عطّل أي إمكانية للحوار وبالتالي رفع من سقف مطالبات هذه الشعوب ومن توقعات هذه الشعوب. عندما تعظم التضحيات، يكثر عدد الشهداء والجرحى تصبح الأمور أصعب ويصبح القبول بأسقف معينة صعباً ومتعذراً على هذه الشعوب وعلى قياداتها التي أفرزتها الميادين. لكن في كل الأحوال تحقق انتصار كبير في كل من مصر وتونس، فيما دفع النظام الليبي ليبيا إلى حرب داخلية قاسية ووضع كل من النظام اليمني والنظام في البحرين شعبيهما على حافة الحرب الأهلية. ولولا إصرار كلا الشعبين البحريني واليمني على سلمية التحرك في اليمن وفي البحرين لكنا اليوم أمام حرب أهلية دامية وبائسة في هذين البلدين بسبب أداء هذه الأنظمة.

رابعا: من ما يجب التوقف عنده هو الأداء الأميركي والغربي المكشوف والمنافق في كل هذه الأحداث الجارية منذ أشهر في منطقتنا العربية، حيث يمكن ببساطة أن نكتشف أو أن نفهم السياسات المتبعة حالياً من قبل الأميركيين فيما يتعلق بهذه التحركات والثورات على الشكل التالي:

حيث يمكن الحفاظ على النظام التابع لهم مع إجراء بعض الإصلاحات الشكلية فليكن.

ثانياً: حيث يمكن إعطاء الفرصة للنظام التابع لهم ليحسم المعركة مع شعبه ولكن ضمن مهلة زمنية قصيرة ودون تداعيات خطيرة في الداخل فليفعل.

ثالثاً: حيث يبدو أن المعركة ستكون مكلفة وخسارتها كبيرة على مصالح الأميركيين تأتي الإدارة الأميركية لتضع الحكام جانباً وتطلب منهم الرحيل وتعمل على تخفيف الخسائر ما أمكن على أمل إرضاء الشعوب أو خداع الشعوب وإعادتها إلى المنازل دون تحقيق الأهداف المعلنة للثورة.

مع كل هذه السيناريوهات تحاول الإدارة الأميركية أن تظهر بمظهر المدافع عن الشعوب، عن الحقوق المدنية، عن الحريات، عن التغيير، عن الإصلاح.

المطلوب اليوم، نداؤنا في هذا اليوم ألا ينطلي هذا الخداع على أحد في عالمنا العربي والإسلامي، وهو لم ينطلِ (على أحد) بالتأكيد، لأن الشعوب باتت تمتلك وعياً وبصيرة راقية وعالية تجاه السياسات الأميركية، وشعوبنا تعرف أولاً أن هذه الأنظمة بالذات هي صنيعة أميركا وهي بحماية أميركا منذ عشرات السنين وتم تسليحها وتقويتها وصنع جبروتها على شعوبها من قبل أميركا، وبالتالي فالإدارة الأميركية شريكة في جرائم هذه الأنظمة وفي كل ما ارتكبته بحق شعوبها خلال كل السنوات الماضية.

وثانياً لأن أي كلام أميركي عن حماية شعوب منطقتنا واحترام الحقوق المشروعة والحقوق المدنية وإدانة القمع والترهيب يبقى ساقطاً وبلا مصداقية نتيجة السياسة الأميركية الدائمة والمعلنة تجاه الشعب الفلسطيني المظلوم. قبل أيام قليلة وضعت الإدارة الأميركية "فيتو" على قرار منع الاستيطان في مجلس الأمن الدولي. في فلسطين شعب يقتل، يقصف، تدمر منازله وأشجاره وحقوله، يهجر ولديه11 ألف معتقل، القدس تتعرض فيها المقدسات الإسلامية والمسيحية للتهديد والخطر، والأميركيون يدافعون عن القاتل وعن المجرم وعن المعتدي وعن ساحق العظام وعن الذي يقصف بيوت المدنيين في غزة بسلاح الجو. طالما أن السياسة الأميركية تجاه فلسطين وشعب فلسطين هي هكذا فكل كلام أميركي عن خلفية صادقة ومخلصة في الدفاع عن حقوق شعب مصر أو تونس أو ليبيا أو اليمن أو البحرين أو غيرهم هو كلام منافق. هناك خلفيات أخرى للتدخل الأميركي من أجل تحسين الصورة، من أجل إدارة الأزمة، من أجل ضمان مجيء بدائل مناسبة للمشروع الأميركي حيث تسقط الأنظمة التابعة أو طمعاً في حقول النفط من أن تذهب إلى أيدي وطنية وصادقة ومخلصة. هذه هي خلفية التدخل الأميركي وليس لأن الخلفية أن إدارة أوباما هي إدارة مختلفة وأنها تريد أن تدافع عن الشعوب، لا، أنا أقول للشعوب العربية فلتبقَ عيونكم باتجاه فلسطين، طالما أن هذه الإدارة الأميركية تدعم إسرائيل في سحقها لشعب فلسطين واعتدائها على شعوب المنطقة فهي كاذبة في كل ادعاءاتها حول حقوق الإنسان والديمقراطية.

يمكن أن نعيد النظر في الإدارة الأميركية عندما نجد تحولاً جذرياً في سيا