أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم و افضل الصلوات علي افضل النبيين و آله الطيبين الطاهرين ، اليوم نجتمع بمناسبة وفاة الامام التاسع عليه الصلاة و السلام الامام الجواد الذي قدّر الله سبحانه و تعالي ان يكون نفس وجود هذا الامام علي خط حياة اهل البيت دليلا وبرهانا علي صحة العقيدة التي نؤمن بها نحن بالنسبة الي اهل البيت عليهم الصلاة و السلام ، لأن الظاهرة التي وجدت مع هذا الامام و هي ظاهرة تولّي الشخص للامامة و هو بعد في سنّ الطفولة علي أساس أن التاريخ يتفق و يجمع علي ان الامام الجواد توفّي ابوه و عمره لا يزيد عن سبع سنين و معني هذا انه تولّي زعامة الطائفة الشيعية روحيا و دينيا و علميا و فكريا و هو لا يزيد عن سبع سنين.
هذه الظاهرة التي ظهرت لأول مرة في حياة الائمة في الامام الجواد عيله الصلاة و السلام، لو درسناها بحساب الاحتمالات لوجدنا انها وحدها كافية للاقناع بحقانية هذا الخط الذي كان يمثّله الامام الجواد عليه الصلاة و السلام ، إذ كيف يمكن أن نفترض فرضا آخر غير فرض الامامة الواقعية في شخص لا يزيد عمره عن سبع سنين و يتولّي زعامة هذه الطائفة في كل المجالات الروحية و الفكرية و الفقهية و الدينية ؟ في هذا الموضوع لا مجال لافتراض ان الطائفة لم يتكشّف لديها بوضوح هذا الصبي ، لأن زعامة الامام في أهل البيت لم تكن زعامة محوطة بالشرطة ، والجيش ، و ابهّة الملك ، و السلطان الذي يحجب بين الزعيم و رعيته ، و لم تكن زعامة دعوة سرّية من قبيل الدعوات الصوفية او الفاطمية التي تحجب بين رأس الدعوة و بين قواعد هذه الدعوة لكي يفترض أن هذا الرأس كان محجوبا عن رعيته مع ايمان الرعية به.
إمام اهل البيت كان مكشوفا امام الطائفة ، وكانت الطائفة بكل طبقاتها تستفاعل معه مباشرة في مسائلها الدينية ، و في قضاياها الروحية و الاخلاقية ، و الام الجواد عليه الصلاة و السلام نفسه اصرّ علي المأمون حينما استقدمه الي بغداد في ان يسمح له بالرجوع الي المدينة ، و سمح له بالرجوع الي المدينة ، و رجع الي المدينة ، وقضي بقية عمره أو اكثر عمره في المدينة .
اذن فقد قضي الامام الجواد عليه الصلاة و السلام اكثر عمره ، او كل عمره و هو علي المسرح ، و هو مكشوف أمام المسلمين ، أمام مختلف طبقات المسلمين بما فيهم الشيعة المؤمنون بزعامته و امامته ، فافتراض انه لم يكن الامام الجواد مكشوفا أمام المسلمين و أمام طائفته بالخصوص خلاف طبيعة العلاقة التي أنشئت منذ البداية بين أئمة اهل البيت و قواعدهم الشعبية في المسلمين ، خصوصا اذا اضفنا الي ذلك ان الامام الجواد قد سلّطت عليه اضواء خاصة من قبل الخليفة المأمون في القصةالتي تعرفونها .
يبقي افتراض آخر و هو افتراض أن المستوي العلمي و الفكري للطائفة وقتئذ كان يعبر عليه هذا الموضوع ، كان بالامكان علي المستوي الفكري و العقلي و الروحي للطائفة أن تصدّق هذه الطائفة بإمامة طفل و هو ليس بامام ، هذا أيضا ممّا يكذّبه الواقع التاريخي لهذه الطائفة و ما وصلت إليه من مستوي علميّ و فقهي ، فإن هذه الطائفة قد خلّفها الامام الباقرب و الامام الصادق و فيها أكبر مدرسة للفكر الاسلامي في العالم الاسلامي علي الاطلاق ، المدرسة التي كانت تتكون من الجيلين المتعاقبين جيل تلامذة الامام الصادق و الكاظم (عليهما السلام) و جيل تلاميذة الامام الصادق و الكاظم ، هذا الجيلان كانا علي رأس هذه الطائلفة في ميادين الفقه و التفسير و الكلام و الحديث و الاخلاق ، وكل جوانب المعرفة الاسلامية.إذن فليس من الممكن ان نفترض ان المستوي الفكري و العلمي لهذه الطائفة كان يعبُر عليه مثل هذا ، لا يمكن أن يعبر علي طائفة فيها هذه المدرسة التي كانت هي قبلة الفكر الاسلامي في كال ميادين المعرفة ان يعبر عليها مثل هذا التصور و تتصور ان شخصا طفلا هو امام و هو ليس بامام . ان امكن لشخص ان يتصور ان رجلا عالما كبيرا محيطا مطلعا بلغ الخمسين او الستين يستطيع أن يقنع مجموعة من الناس بإمامته و هو ليس بإمام . لأنه يتصف بدرجة كبيرة من العلم و المعرفة و الذكاء و الاطلاع، فليس بالامكان أن نفترض ذلك في شخص لم يبلغ العاشرة من عمره ، و كيف يستطيع ان يقنع بإمامته كذبا طائفة و هو مكشوف امامها؟ و هذه الطائفة تشتمل علي مدرسة فكرية من أضخم المدارس الفكرية التي وجدت في العالم الاسلامي يومئذ، مدرسة كان يوجد بعض قطّاعاتها في الكوفة و بعض قطّاعاتها في قم و بعض قطاعاتها في المدينة ، هذه المدرسة التي كانت موزّعة في حواضر العالم الاسلامي ، و التي كانت كلها علي صلة مباشرة بالامام الجواد تستفتيه و تسأله ، و تنقل إليه الاموال من مختلف الاطراف من شيعته ، مثل هذه المدرسة لا يمكن أن نتصوّر فيها أن تعقل عن حقيقة طفل لا يكون اماما.
يبفي افتراض آخر و هو ان الطائفة لم يكن عندها مفهوم الامام و الامامة، كانت تتصور ان الامامة مجرد تسلسل نسبي و وراثي و لم تكن تعرف ماهو الامام، و ما هي قيمة الامام و ما هي شروط الامام، هذا الافتراض ايضا يكذّبه واقع التراث المتواتر المستفيض من أمير المومنين الي الامام الرضا عليه الصلاة و السلام عن شروط الامام محصول الامام و علامات الامام. التشيع قام بصورة أساسية علي المفهوم الالهي المعمّق للامامة ، هذا هو أوضح و أبده ، و أوّل مفهوم من مفاهيم التشيع ، و هو أن الامام انسان فذّ فريد في معارفه و اخلاقه و قوله و عمله ، هذا هو المفهوم الاساسي للتشيع الذي بشرت به الاف النصوص من عهد امير المومنين عليه الصلاة و السلام الي عهد الامام الرضا عليه الصلاة و السلام ، كل الخصوصيات و كل التفاصيل اصبحت بالتدريج واضحة في ارتكاز الطائفة و ذهنيتها حتي بعض التفاصيل الثانوية . يقول الراوي في مناسبة قصة الامام الجواد عليه الصلاة والسلام: دخلت المدينة بعد وفاة الرضا اسأل عن الخليفة بعد الامام الرضا ، فقيل ان الخليفة في قرية قريبة من المدينة فخرجت الي تلك القرية و دخلت داخل القرية ـ و كأنّ هذه القرية كان فيها بيت للامام موسي بن جعفر انتقل بالوراثة الي اولاده و احفاده ـ يقول فرأيت البيت غاصا بالناس و رأيت أحد إخوة الامام الرضا كان جالسا يتصدر المجلس ، إلّا أن الناس يقولون فيما بينهم : إن هذا ليس هو الامام بعد الرضا ، لاننا سمعنا من الائمة أن الامامة لا تكون في أخوين بعد الحسن و الحسين كل التفاصيل و كل الخصوصيات النسبية و المعنوية كانت واضحة و محددة عندهم ، إذن فهذا الافتراض ايضا يكذبه واقع التراث المتواتر الثابت عن الائمة السابقين عليهم الصلاة و السلام.
و يبقي افتراض اخير و هو افتراض ان يكون هذا تبانيا علي الزور والباطل من قبل هذه الطائفة ، و هذا ايضا مما يكذّبه ايماننا الشخصي فقط بورع هذه الطائفة و قدسيتها ، و إنما يكذّبه اضافة الي ايماننا الشخصي بذلك ، الظرف الموضوعي لهذه الطائفة ، لم يكن التشيّع في يوم من الايام في حياة هذه الطائفة طريقا الي الامجاد ، الي المال ، الي الجاه ، الي السلطان ، الي المقامات العالية.التشيع طيلة هذه المدة كان طريقا الي التعذيب ، الي السجون ، الي الحرمان ،الي الويل ، الي الدمار ، كان طريقا الي أي يعيش الانسان حياة الخوف و الذلّ و التقية في كل حركاته و سكناته ، لم يكن التشيع في يوم من الايام طريقا إلي مال أو جاه أو ثراء حتي يكون هذا التباني من قبل هذه الطائفة علي ذلك في سبيل مطمع ، لماذا يتباني عقلاء هذه الطائفة و وجهاؤها و علماؤها علي امامة باطلة ؟ مع أن تبانيهم علي هذه الإمامة الباطلة يكلّفهم كثيرا من ألوان الحرمان ، و لو أن هؤلاء الوجهاء و العلماء و الأعلام تركوا هذه الطريقة ، و اتبعوا الطريق الرسمي المكشوف وقتئذ المتبع من قبل سائر المسلمين لكانوا في طليفة سائر المسلمين ، فالظروف الموضوعية للطائفة كانت بنفسها تشهد علي أن هذا التباني علي إمامة يكلّفهم الاعتقاد بها ألوان العذاب و ألوان الحرمان لا يمكن أن يكون ناشئا إلّا عن اعتقاد حقّ بهذه الامامة.
إذن فكل هذه الافتراضات الأخری لا يمكن أن تكون مقبولة عند أيّ انسان يطّلع علي تاريخ الطائفة ، و تاريخ الإسلام وقتئذ ، و علي الظروف الموضوعية التي تكتنف امامة الجواد (ع) و لا يبقي إلّا الفرض الوحيد المطابق للواقع ، و هو أن يكون الامام الجواد اماما حقا. نحن اليوم نجتمع بمناسبة هذا الامام عليه الصلاة و السلام. فأردت أن أذكر هذا بمناسبة كون اليوم يوم الامام الجواد عليه الصلاة و السلام.انتهی/125