الوحدة الإسلامية ضرورة شرعية وعقلية، وهي من أهم مقومات البناء الحضاري للأمة الإسلامية، وقد أثبت التاريخ ضرورتها في تتبعه لسير الحضارات التي نمت وترعرعت وإزدهرت بالوحدة، وتدهورت واضمحلت حينما أصبحت فريسة التمزق والتفرق.
والوحدة الإسلامية سر إنتصار الإسلام وإستمرار وجوده ودوره في قيادة البشرية، ولهذا أكدت الإرشادات والتوجيهات القرآنية والنبوية وتوجيهات أئمة أهل البيت (ع) على جعلها حاكمة على العلاقات في جميع مجالاتها، وقد هيّأ الله تعالى للأمة الإسلامية قادة مصلحين يرشدونها ويوجهونها نحو تحقيق الوحدة، ومن أبرزهم في القرون المتأخرة «الإمام الخميني (قده)» الذي وجه الأمة في إيران وخارجها لتتطلع الى آفاق عليا وإهتمامات أرفع متعالية على الروابط المذهبية والطائفية، ومتوجهة نحو تحقيق الأهداف الكبرى التي تقع الوحدة في المقدمات الموصلة لها، فكان تصديه للقيادة فرصة لتوجيهها الى المضي في الطريق الذي حدّده الله تعالى لها، والارتفاع الى مستوى الامانة الكبرى التي ناطها بها.
وكان الامام الخميني (ع) دقيقاً في الإرشاد والتوجيه، وفي التحليل العميق الشامل لأسباب وعوامل الفرقة، وفي خطوات إصلاح الواقع الإجتماعي والسياسي الممزق، وكان يتابع الأحداث والمواقف ليجعلها مؤثرات موحية ومطارق موقظة للقلوب والعقول، وينقذ الواقع من معارك وصراعات الجدل والتشكيك والبلبلة، بعد التحذير الواعي من الكيد والدس والتربص ، فيتعامل مع الواقع ذاته لا مع فروض ذهنية تترك الواقع وتصبح غرضاً في ذاتها.
وكان (قده) حكيماً في تجاوز الأزمات والقضاء عليها في مهدها قبل أن تستشري وتتأصل في العقول والقلوب وفي أرض الواقع، فلا يتركها لتعصف بعلاقات التآزر والتعاون والتآخي والإتحاد، بل يقف في بداية حدوثها ليحذر منها ويمنع من تأثيرها أو توسعها، ويوجه الأنظار الى السبب الواقعي لها، فلو اثيرت فتنة يراد منها الوقيعة بين مكونات الأمة المذهبية والطائفية، لم يحمل أحداً من أبناء أو مذاهب الأمة المسؤولية بل يحمل أعداء الامة مسؤولية إثارتها، فيقطع الطريق أمام المتآمرين لكي لا تتوسع دائرة الفتنة والفرقة.
ولا نبالغ اذا قلنا: إن أتباع إرشادات وتوجيهات ومواقف الإمام (قده) كفيل بتحصين الأمة من الإنسياق وراء التآمر الإستكباري الرامي الى تمزيقها، وكفيل بالتعالي على الأطر الضيقة والمنافع الذاتية، لتتوجه نحو الأواصر والمحاور المشتركة، وتعمل من أجل تحقيق المصلحة الإسلامية الكبرى، وفي هذا الموضوع سنتطرق باختصار الى إرشادات وتوجيهات ومواقف الإمام الخميني (قده) الوحدوية لكي تكون نبراساً لأبناء وتيارات الأمة العاملة من أجل تحقيق الوحدة الشاملة.
فببرکاته والتفاتاته خصصت الجمهورية اسبوعاً للوحدة وهو اسبوع جمع بين ولادة رسول الله صلى الله عليه واله على رواية السنة ورواية الشيعة.
وفي ذلك قال «الامام الخامنئي» موضحا محورية رسول الله لجمع المسلمين ودور الامام الخميني (من الصدقات الجارية للثورة، والتي جاءت ببركة الذهن الواعي للإمام الراحل رضوان الله تعالى عليه هو إعلان أيام ولادة النبي الأكرم عليه وعلى آله الصلاة والسلام أياماً للوحدة الإسلامية. هذه القضية لافتة من زاوية أن الوحدة الإسلامية تمثل أحد المطامح والآمال. البعض يحملون هذا الأمل حقاً، والبعض يذكرونه كلقلقة لسان لا أكثر. على كل حال، لابد لهذا الطموح من سبيل عملي. ما من طموح يمكن أن يتحقق بدون مساعٍ وجهود. وحينما نفكر بالسبل العملية لهذا الهدف والطموح نجد أن من أفضلها وأكبرها هو الشخصية العظيمة في عالم الخلقة، أي الكيان المبارك للرسول الكريم واستقطابه لعواطف عامة المسلمين وعقائدهم. قد لا يكون لنا بين الحقائق والمعارف الإسلامية شيء تُجمع عليه آراء كافة المسلمين وعقائدهم وعواطفهم لهذه الدرجة، أو أن مثل هذه الحقائق نادرة جداً؛ فالعواطف أيضاً لها دور كبير. ما عدا بعض الأقليات والجمعيات المنفصلة عن عامة المسلمين والتي لا تعير أهمية للعواطف ولا تكترث للمحبّة والإقبال والتوسل، يُقبل عامة المسلمين بعواطفهم على النبي الأكرم عليه وعلى آله الصلاة والسلام. إذن، يمكن لشخصية هذا الإنسان العظيم أن تكون محوراً للوحدة).
واكدّ على دور الامام الخميني (قده) في ايجاد بوادر الوحدة ومما جاء في قوله: "بدأت بوادر الوحدة بين المذاهب الإسلامية بجهود الإمام في بياناته وخطاباته وفي مواقفه العملية؛ حيث كان حريصا على كشف المؤامرات والأحابيل السياسية وإرشاد وتوجيه المسلمين للحذر منها، وعدم الانسياق وراءها فكان يحذر من أية ممارسة وموقف ومشروع يتبناه الأعداء والعملاء لإثارة الفتنة الطائفية بين الشيعة والسنة"، وسار الامام الخامنئي على نهجه في التقريب بين المسلمين وتوحيدهم وازالة الحواجز التي وضعها الاستكبار بينهم،موجها المسلمين الى الاجتماع والالتقاء بالمحاور الواحدة التی تجمع الأمة الإسلامية بجميع مذاهبها وطوائفها ؛ حيث تجتمع حول عقيدة واحدة، ومنهج واحد، ومصالح واحدة، ومصير واحد، وتواجه عدوّاً وحّد صفوفه وإمكاناته المادية للقضاء على الأمة الإسلامية وعرقلة حركتها التاريخية، فهو لا يفرّق بين مذهب وآخر وبين طائفة وأخرى.
وفي هذه السطور نتطرق الى منهج الامام الخميني (قده) الوحدوي في نقاط نذكر أقواله في بعضها ونكتفي بذكر بعضها على هيئة عناوين.
وفي مقام اسباب الفرقة قسم الامام هذه الاسباب قسمين:
أولاً: الأسباب والعوامل الداخلية، وهي ناشئة من داخل النفس الإنسانية وممارساتها العملية، ومن إضطراب العلاقات بين أفراد المجتمع، سواء كانت بين الأفراد والجماعات، أو بين الحاكم والمجتمع، أو بين الحكّام أنفسهم.
ثانياً: الأسباب والعوامل الخارجية، وهي ناشئة من مخططات ومؤامرات أعداء الإسلام، بتصّديهم للهفوات والثغرات، والدخول من خلالها الى داخل الصف الإسلامي، لتشتيته وتمزيقه.
وفيما يلي نستعرض هذه الأسباب والعوامل
الأول: الأسباب والعوامل الداخلية.
القسم الاول: الأسباب والعوامل النفسية والسلوكية
أولا: الأهواء النفسية:
حذر الامام (قده) منها فقال: "لماذا تصدكم ـ في خضم هذه النهضة الاسلاميةـ الاهواء النفسانية عن الائتلاف، فتعجزون بسببها عن الاتحاد".
وقال الامام (قده): "ان صبغة الايمان والاسلام التي هي اساس القوة والنصر تزول بالتنازع والتكتلات النابعة من الاهواء النفسية والمخالفة لاوامر الله تعالى".
وقال: "كما ان الاهواء النفسية اذا تحولت لاسمح الله الى عتاب ثم شكوى ثم معارضة، فحينئذ يجب ان نقيم مأتم عزاء للبلاد، وكل المسؤولية تقع في اعناقا نحن الذين لم نسحق اهواءنا".
ثانيا : حب الدنيا
قال (قده): "إن جذوركل الاختلافات التي تفتقر الى الهدف المحدد و المقدس، تعود إلى حب الدنيا، وإذا ماوجدت الاختلافات في أوساطكم فهو لأنكم لم تخرجوا حب الدنيا من قلوبكم".
ثالثاً: الجهل وقلة الوعي
قال (قده): "إن كل مالدنيا اليوم هو عرضة لأخطار صنفين: الأصدقاء الجاهلون الباثون للتفرقة، والأعداء والمتآمرون المخططون ضدنا".
وقال أيضاً: "نحن نتصارع ثانية حول أشياء تافهة ! وليس سبب هذا الاجهلنا وقلة نضجنا و عدم تحديدنا الوقت المناسب لكل كلام". رابعاً: الممارسات المنحرفة
کالغيبة والبهتان والنميمة
خامساّ: الإنشغال بالمماراة و المناقشات
قال (قده): "أن اليوم ليس يوم نقاش عمّن هو السيئ و من هو الجيد ! إن هذه المقولات ضدّ الاسلام والمصالح الاسلامية، و هذا جزء من مخطط أجنبي للحؤول دون إستقرار هذه البلاد... فلا تقضوا أوقاتكم في النقاش أزيد حسن أم سيئ! ويجب اليوم ألا يكون هناك جدال حتى حول ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)! فعلينا اليوم أن نتحد جميعاّ لنبلغ بالجمهورية الاسلامية الى منتهاها).
القسم الثاني: الأسباب والعوامل السياسية
الصراع السياسي بين الحاكم والأمة
قال (قده): "وهناك مشكلة أخرى وهي انعدام التفاهم بين الحكومات والشعوب؛ ان افتراق الشعب عن الحكومة بل ومواجهة كل منهما الاخر ادى الى ضعفهما وسبب لهما المشاكل".
أساليب الحاكم في إثارة الفرقة
الأول: خلق أو تأسيس الأحزاب
الثاني: وضع الحواجز النفسية بين علماء الدين والآخرين
الثالث: إشغال الساحة بالنقاشات الجانبية
الرابع: استثمار القرآن الكريم لصالح الحاكم
الأسباب والعوامل الخارجية للفرقة
دور الاستكبار العالمي في تفريق المسلمين
قال (قده): ".... أنهم -المستعمرين- يجلسون جانباً ويخلقون الصراعات بينكم ويجرون الدول إلى الحرب ليستفيدوا في النهاية".
وقال (قده): "تسعى إسرائيل اليوم بكل ما أوتيت من وسائل شيطانية لخلق التفرقة بيننا".
الأساليب والوسائل الاستعمارية في تفريق المسلمين
الأول: عزل العلماء وتحجيم دروهم
قال (قده): "إن الأجانب فرقوا بين فئات الشعب وحاولوا الوقيعة بين الفئات المثقفة والمتخصصة من أبناء الشعب والتي تستطيع التصدي للأجانب وإزاحتهم والحؤول دون اجتماع هذه الفئات والتقائها! لقد صوروا لكم انتم أيها الكتّاب والمفكّرون علماء الدين بشكل جعلكم تتجاهلونهم، كما صوروكم لعلماء الدين على حالة جعلتهم أيضاً يتجاهلونكم ،ثم إن هذه الفرقة يسرت لهم تحقيق مأربهم". الثاني: تشكيل الأحزاب
قال (قده): "ويبدو إن فتح باب ظهور الأحزاب المتناحرة كان منذ البداية على أيدي الأجانب بهدف إثارة الفرقة، فهم يخشون الشعب المتحد لذلك قاموا بتأسيس هذه الأحزاب لتمزيق الشعب".
الثالث: تفرقة القوى الفاعلة والمؤثرة.منها:
1- تجزئة الدولة الإسلامية
2- بث ال