لإرساء حاكمية دين الله في الأرض لابد من تحقق المجتمع الإسلامي السليم، ومن أجل تحقيقه لابد من ترسيخ المبادئ السامية للإسلام المحمدي الأصيل في الأسرة المسلمة؛ حيث أنّ هذه الأسرة هي النواة التي يتشكل بها المجتمع الإسلامي, ومن هنا جاءت تعاليم الشريعة الغراء لكي ترسم للفرد المسلم الطريق القويم والصراط المستقيم؛ إذ بالأفراد تتكون الأسر التي تشكل المجتمعات البشرية التي حرص الإسلام على غرس القيم الأصيلة فيها، كما أنّه حرص كلّ الحرص على صيانتها وتنزيهها من الخصال الذميمة.ومن هنا تنبثق أهمية البحث حول الغيبة، فالغيبة، من الآفات الاجتماعية الخطيرة التي لو كتبت لها أن تتفشى في المجتمع الإسلامي لقضت عليه ومزقته تمزيقاً وأودعته في قعر الجحيم!! هذا من جهة.ومن جهة أخرى نلحظ أنّ هذه الآفة تعترض مسيرة الإنسان المسلم وخصوصاً المؤمن الرسالي، فهي في الأعم الأغلب مورد ابتلاء الكثير من المؤمنين والعاملين، بل إنها منتشرة بين الناس انتشاراً كبيراً وملحوظاً حتى عبّر عنها بعضهم بأنها فاكهة المجالس.ومن المعلوم أن الغيبة من الذنوب الكبيرة إن صح تقسيم الذنوب إلى صغيرة وكبيرة، وقد عدّها السيد عبد الحسين دستغيب + أول الكبائر غير المنصوص عليها وفقاً لتقسيمه للذنوب الكبيرة في كتابه القيم (الذنوب الكبيرة), حيث أنه قد قسم الكبائر إلى قسمين:القسم الأول: كل ذنب ورد في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة التصريح بأنه ذنب كبير -وهذا القسم يتجاوز أربعين ذنباً- صرّح به في أخبار أهل البيت ^([1])، وأولها وأكبرها الشرك بالله كما روي عن الإمام الصادق × في أصول الكافي قولـه: >أكبر الكبائر الشرك بالله<([2]).القسم الثاني: كل معصية ورد في القرآن الكريم والسنة المعتبرة الوعيد عليها بالنار([3]) إلا أنه لم يصرّح بأنها ذنب كبير، و"يجب أن يُعلم أن مدرك هذا الحكم روايات عديدة صرّحت بهذا الأمر من جملتها صحيحة ابن أبي يعفور عن الإمام الصادق × حيث قال× في معرفة عدالة الشخص: >ويعرف باجتناب الكبائر التي أوعد الله عليها النار< ويظهر بوضوح من هذا النص أنّ كل ذنب وعد عليه بالنار فهو من الكبائر"([4]) و "أول الذنوب التي ثبت أنها من الكبائر بدليل الوعيد عليها بالعذاب في القرآن المجيد والروايات الكثيرة هو (الغيبة)، كما يقول تعالى في سورة النور: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وفي رواية ابن أبي عمير عن الإمام الصادق × أنه قال: > من قال في مؤمن ما رأته عيناه وسمعته أذناه فهو من الذين قال الله عزّ وجلّ {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ}<"([5]).فبالنظر إلى عظم هذا الذنب الكبير مع الالتفات إلى توغله في أوساط مجتمعنا الإسلامي نرى لزاماً علينا البحث فيه ولو بشكل يسير, تمشياً مع حجم هذا الكتيب، حيث أن بعض الموارد تحتاج إلى مزيد من البحث والتنقيب حتى يتسنى للمسلم الوقوف على أبوابها بوعي تام ووعي مستنير، ومن هنا ارتأينا أن نبحث موضوع الغيبة في ستة فصول على النحو التالي:الفصل الأول: تعريف الغيبة وشروط تحققها وأقسامها.الفصل الثاني: دواعي الغيبة وبواعثها.الفصل الثالث: موارد جواز الغيبة.الفصل الرابع: علاج الغيبة وكفارتها وأحكامها.الفصل الخامس: آثار الغيبة على الفرد والمجتمع.الفصل السادس: فيما ورد في الغيبة من الروايات.
--------------------------------------------------------------------------------([1]) الذنوب الكبيرة ج1 ص44.([2]) الذنوب الكبيرة ج1 ص57، وأنظر: الكافي 2: 278.([3]) الذنوب الكبيرة ج2 ص 261.([4]) الذنوب الكبيرة ج2 ص 264، وانظر وسائل الشيعة 27: 391، الحديث1 من الباب 41 من كتاب الشهادات.([5]) الذنوب الكبيرة ج2 ص 264، وأنظر أيضا: سورة النور: 59، وكتاب أصول الكافي 2: 357.--------انتهی/125