وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : خاص ابنا
الخميس

٣ يناير ٢٠١٣

٨:٣٠:٠٠ م
378407

«آية الله عيسی قاسم» في خطبة صلاة الجمعة:

في أول أيام 2013 إستمرت الاحتجاجات السلمية وإستمر القمع

«آية الله الشيخ عيسی أحمد قاسم» في خطبة صلاة الجمعة: "في أوَّل يومٍ من العام الثالث عشر الميلاديّ بعد الألفين تجسَّدت المعادلةُ على أرض الواقع في صورتها الثابتة، إذْ عمَّت الاعتصاماتُ السلميَّة بصورةٍ واسعة، كما عمَّ أسلوب القمع في مواجهتها، ووثَّقت الصور الحيَّةُ عدداً من مشاهد هذا القمع".

وفقاً لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء _ ابنا _ قال «آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم» في خطبة صلاة الجمعة اليوم (04/01/2013) في جامع "الإمام الصادق (ع)" بـ"الدراز" ان "في أوَّل يومٍ من العام الثالث عشر الميلاديّ بعد الألفين تجسَّدت المعادلةُ على أرض الواقع في صورتها الثابتة، إذْ عمَّت الاعتصاماتُ السلميَّة بصورةٍ واسعة، كما عمَّ أسلوب القمع في مواجهتها، ووثَّقت الصور الحيَّةُ عدداً من مشاهد هذا القمع".

وفي ما يلي نص الخطبة الثانية لسماحة آية الله الشيخ عيسی قاسم:

الإمام الحسين (عليه السلام) وقيادةُ الحاضر:

لقيادة الإمام الحسين (عليه السلام) حضورها الفاعل في الحاضر والمستقبل؛ فليس الحسين (عليه السلام) مِمَّن ينتهي دورهم بوفاتهم، وتتعطَّل قيادتهم باستشهادهم. دوره قائم، وقيادته فاعلة، وثورته مستمرَّةٌ ما دامت الأرض والإنسان.

الأمَّة التي تستذكر الإمام الحسين (عليه السلام) نزاهةً وعصمة، وعزَّةً وكرامة، إيماناً وتقوى، إرادةً لا تلين، شجاعةً وثوريَّة، هدىً لا يخالطه ضلال، عدلاً لا يقرب الظلم، قلباً لا يعرف غير الإخلاص، رحمةً في وعيٍ وحكمة، تضحيةً وفداءاً في الحقّ، عبوديَّة خالصةً لله وحده، -الأمَّة التي تستذكر الحسين عليه السلام كذلك- وتعشقه وتنشدُّ في وعيها وشعورها وسلوكها إليه، أمَّةٌ قويَّةٌ رشيدةٌ هاديةٌ رائدة.

الأمَّة التي يحضر في وعيها الحسين (عليه السلام) كما هو، وعيها لاهب، وفي شعورها، شعورها نابه، وفي عزمها، عزمها شامخ، وفي ضميرها، ضميرها حيّ، وفي إرداتها، إرادتها صلبة.

ما وفت شخصيَّة الإمام الحسين (عليه السلام) بشيءٍ من إشعاعاتها النيِّرةِ قلبَ شخصٍ أو جماعةٍ أو أمَّة إلَّا وكان معشوقاً يذوبُ فيه عارفه، وما نَفَذَت تلك الشخصيَّة الثرَّة بهدايات السماء وعطاءات الدين ومعالم العظمة في قلبٍ إلَّا وَسَمَت به، وأكسبته قوَّة الإيمان وقوَّة الإرادة، ودقَّة النظر، ونور الإيمان، ونور البصيرة، وطهر النفس، وسلامة القصد، وصدق النيَّة، وصفاء السريرة، والصبر على الصعاب، وروح التضحية والفداء، وإيثار الحريَّة على الحياة، والتسليم لأمر الله، والتعالي على عبادة الطاغوت، والشوق والانشداد إلى الكمال والسعي الجادَّ على طريقه، والرحمة بالإنسان وبكلِّ ذي روح، والنصيحة للخلقِ والإخلاص للخالق [1].

الإمام الحسين (عليه السلام) مدرسةٌ للحياة الحرَّة الكريمة المسؤولة بكلِّ أبعادها مهما تمَّ للحياةِ أنْ تقطع على طريق كمالها من أشواط، وتحقِّق من نجاحات ؛ فلتتلمذ الأجيال كلُّها على يد الحسين -عليه السلام، ولتتعلَّم في رحاب مدرسته، وتستضىء بنور هداهُ وسيرته.

فمع الحسين، مع الحسين، مع الحسين [2].

توديعُ عامٍ واستقبالُ عام:

ليس من المهمِّ في واقع الحياة والإنسان أنْ تنقضيَ سنةٌ من تاريخ الأرض وتدخل أخرى، أنْ يُوَدَّعَ عامٌ ويُسْتَقْبَل عام. لا جديد ولا مهمَّ في ذلك إذا كان الظلم هو الظلم، والاستخفافُ بالقيَم الخلقيَّة والمبادىء الحقَّة وإنسانيَّة الإنسان وحقوقه وكرامته على ما هُوَ عليه وربَّما ازداد سوءاً ؛ ليزيد الاضطراب والفوضى، ويعمَّ التيه والضياع.

عالَمٌ أُشْبِعَ ظلماً على يد الطغاة من بني الإنسان في كلِّ مكان، ولا يُنْتَظَرُ له إلَّا الانفجار العامُّ الذي يدمِّر ما يدمِّرُ عسى ولعلَّ يفيق هذا الإنسان. تغيُّر الأعوام، وتجدُّد السنين، لا يجدِّدُ الحياة ولا يغيِّر الأوضاع.

ما يعطي الحياة جدَّةً وما يهبها واقعاً إنسانيَّاً متقدِّما، وما يصحِّح أوضاعها، ويقوِّم علاقاتها، أنْ يتغيَّر الإنسان، أنْ ينتصر على نفسه، أنْ تتغيَّر نظرته للكون والحياة ونظرته لنفسه وقيمته وهدفه وما يضمن له سعادته، أنْ يغادر نظرته الماديَّة ورؤيته الأرضيَّة الهابطة ويلتحم فكره وشعوره بالرؤية السماويَّة النابعة من الفطرة، المُبَرْهَنَة من العقل، فهي القادرة على إطلاق هذا المخلوق من زنزانته الماديَّة المغلقة المظلمة، وتحرير رؤيته ومشاعره، والخروج به من أفقه الخانق المسدود، وجعله ينظر إلى نفسه باحترمٍ فلا يقف بمستواه عند حدِّ المادَّة ويسجد لها ولا يرضى لها أنْ تعبد الطاغوت، وينظر إلى أخيه الإنسان بالنظرة المحترمة نفسها فلا يضحِّي بإنسانيَّته وحياته من أجل لذَّةٍ ماديَّةٍ عابرة ومشتهىً رخيصٍ من المشتهيات الدونيَّة في هذه الحياة.

يحتاج هذا العالَم لكي يخرج من نفقه المظلم ودجى ليله المقيم إلى حيويَّة عقل، وحيويَّة وجدان، وانبعاثة ضمير، إلى أنْ يتخلَّى عن نظرته المكبَّة على الأرض، أنْ تتخفَّف مشاعره من أَوْضَارِهَا، أنْ يمتدَّ بنظره إلى السماء، أنْ ينشدَّ بفكره وضميره وشعوره إلى الله سبحانه ويطلب هداه ويعيش على موائد وحيه ورسالته.

من دون ذلك سيبقى العالَم نهب المحن، وأسير الشقاء، ورهن الفتن.

من عامٍ إلى عام والمعادلةُ واحدة:

انقضى العامُ الحادي عشر بالميلادي بعد الألفين والعام الثاني عشر، وعشنا بداية هذا العام الجديد والبحرين تعيشُ مشكلتها السياسيَّة التي أطلقت شرارة الحراك الشعبي في دورته الجديدة للتخلُّص من المشاكل.

وقد انطلق الحراك سلميَّاً بهدف الإصلاح، وبقي في مجمله -وبغضِّ النظر عن بعض التفاصيل- محافظاً على سلميَّته مطالباً بالإصلاح.

وجاءت مواجهة الحراك ومطلبه الإصلاحيّ وأساليبه السلميَّة بعنف السُّلطة الذي تصاعد مع الأيَّام وخلَّف خسائر شعبيَّةً بكمٍّ هائلٍ على مستوى الأرواحِ والأعضاءِ والأموالِ النقديَّةِ وسائرِ الممتلكاتِ، وتمثَّل في كثيرٍ من الانتهاكاتِ التي مسَّت شرف المرأة وحرمة المسجد والحُسَيْنِيَّة وحرمة الكتاب الكريمِ والصلاة، وكلُّ ذلك مشمولٌ للرصد والتوثيق المُعْلَنِ من أكثر من جهة.

وفي أوَّل يومٍ من العام الثالث عشر الميلاديّ بعد الألفين –وهو عامُنا هذا- تجسَّدت المعادلةُ على أرض الواقع في صورتها الثابتة، إذْ عمَّت الاعتصاماتُ السلميَّة بصورةٍ واسعة، كما عمَّ أسلوب القمع في مواجهتها، ووثَّقت الصور الحيَّةُ عدداً من مشاهد هذا القمع.

• المعادلة الثابتة بوضوح:

أوَّلاً: مطالَبةٌ بالإصلاحِ يقابلها رفضٌ قاطع.

ثانياً: أسلوبٌ سلميٌّ يُواجَهُ بالعنف والقمع.

ثالثاً: نفسٌ طويلٌ في المطالبة، وفي الطرف الآخر تصاعدٌ في التنكيل.

لا يملك منصفٌ أنْ ينكر على مطالبٍ بالإصلاح، ملتزمٍ بالسمليَّة، ولا يملك أنْ يلتمس عذراً لمن يضادُّ المطلب الإصلاحيّ ويواجهه بالعنف والارهاب والتنكيل والقسوة، ولكن قلَّ المنصفون في العالَم وحتَّى في هذه الأمَّة.

وإنْ طال المدى فالحقُّ أولى بأنْ ينتصر، ومن توكَّل على الله فهو حسبه، واللهُ مع المظلوم على الظالم وكفى بالله نصيرا.

مع التزام الشعب بالمطالبة بالإصلاح، وتمسُّك المعارضة بالأسلوب السلميّ، وإصدار الجمعيَّات السياسيَّة لوثيقة اللا عنف، لم يبقَ على السُّلطة الرافضة للإصلاح وعلى الدائرة الإقليميَّة والعربيَّة وعلى العالَم الصامت على محنة هذا الشعب إلَّا أنْ يخاطب شعبنا بالكلمة الصريحة بأنْ عليكم أنْ تقولوا مرحباً بالظلم، بالإذلال، بالتهميش والإقصاء والتمييز، بالعبوديَّة والرقيَّة، بامتهان الدين والكرامة وسلب الحقوق، أنْ تتنازلوا عن حريَّتكم وإنسانيَّتكم واحترامكم لذاتكم وعن حقوقكم، أنْ تعترفوا بأنَّكم عبيد وأنَّ السُّلطة مالكةٌ لأنفسكم ودمائكم وأموالكم وحاضركم ومستقبلكم [3]. لكن لو قال العالَم كلُّه هذه الكلمة لهذا الشعب لوجده أكبر من أنْ يتنازل عن شيءٍ من دينه وإنسانيَّته وحريَّته وحقوقه.

هذا الشعب يحرِّم على نفسه أنْ يسفك دماً حراما، أنْ يتسلف فلساً واحداً من ثروة هذا الوطن، أنْ يُضِرَّ ظلماً بأيِّ إنسان. هذا الشعبُ آخذٌ على نفسه أنْ يحترم الإنسان، ألَّا يعتدي على أحدٍ مِمَّن يضمُّه هذا الوطن من مواطنٍ ومقيمٍ وعابر، أنْ يحافظ على الأخوَّة الإسلاميَّة والوطنيَّة، أنْ يتجنَّب العنف والارهاب، ألَّا ينزل إلى اللغة الهابطة وغير المُؤَدَّبَة، ألَّا يتجاوز الحقيقة.

وآخذٌ على نفسه كذلك أنْ يصبر على الأذى، وأنْ يواصل طريق المطالبة بالحقوق -وإنْ شقَّ الطريق وصعبت الكلفة-، وأنْ يموت مظلوماً دون حقِّه وأمَّا الآخرونَ فَهُمْ وما يذهبون إليه من المشاركة في جريمة الظلم لهذا الشعب، والإنكار على من يظلمهُ، ونصحهِ بالكفِّ عن ظلمه له.

-------------[1] هتاف جُموع المصلِّين: " لبَيك يَا حُسَيْن ".[2] هتاف جُموع المصلِّين: " لبَيك يَا حُسَيْن ".[3] هتاف جُموع المصلِّين: " هَيْهَات مِنَّا الذِلَّة ".

...............

انتهی/212