مسیرة العمل الإسلامي إلی أین؟
السؤال الذي یطرح نفسه الآن این ستسیر قافلة الحرکة الإسلامیة؟ خاصة وأنها منذ اللحظة الأولی للإعلان عن هویتها تعرضت لمحن وویلات جمة ولم یتمکن الرسول (ص) من خلق قاعدة إرتکاز لنشاط الحرکة.
لقد عاد الرسول (ص) بعد الطائف إلی مکة یتأمل تجربتها الملیئة بالعبر وکان الموضوع الذي یشغل باله هو إیجاد قاعدة إرتکاز لنشاط الحرکة و فاعلیتها و تجمع قواها.
لعل الإستراتیجیة التي یمکن إستخلاصها من طبیعة تحرک الرسول (ص) بعد الطائف تتلخص في ترکیزالعمل علی إستقطاب المزید من المتفاعلین لفترة یستطیع من خلالها إعادة بناء البیت الداخلي للحرکة بشکل أفضل بعد حالات التعذیب و الإضطهاد التي طالت أکثر طلائع الحرکة و روادها .
لتتوفر بذلک الارضیة المناسبة التي تمکن الرسول (ص) من فتح آفاق جدیدة للعمل الرسالي، و کانت الفکرة في ان یتم استثمار موسم الحج الألتقاء بالوفود المختلفة التي تفد علی مکة لأغراض مختلفة في هذا الموسم.
و بالفعل فقد کانت ثمرة الجهود التي بذلها الرسالیون في موسم الحج من أزمة الطائف، أن تمکن الرسول (ص) من الإلتقاء بشکل سري مع ستة نفر من أهل یثرب «المدینة» فاستجابوا عند عودتهم إلی یثرب بعد إنتهاء موسم الحج هذا.
لقد رکز رسول الله (ص) في نشاطاته لموسم الحج المذکورعلی الإلتقاء بالوفود القادمة من یثرب وربما کان سبب ترکیزه هذا رغبته في أن تکون یثرب قاعدة ارتکاز لإنطلاق العمل الرسالي بعد أن تعثر المشروع في کل من مکة و الطائف. خاصة ولأن البحث عن منطقة جدیدة لابد ان یلاحظ فیه: کون المنطقة بعیدة جغرافیا عن مکة لتکون بمأمن عن أي رد فعل ربما تقوم به قریش لضرب المسلمین، إضافة إلی صلاحیة ساحتها لتقبل مثل هذا المشروع، و هو إنتقال قاعدة إرتکاز العمل الرسالي إلیها.
وکانت یثرب آنذاک ساحة تضم الخصائص التي تجعلها أرضا صالحة لنقل قواعد الحرکة هناک، ومن جملة هذه الخصائص بعدها الجغرافي عن مکة حیث تبعد بمسافة تقدر ب250 میلا، وکذلک صلاحیتها لتقبل وجود المسلمین علی أرضها نظرا الحالة التفکک الاجتماعي التي کانت تعیشه یثرب بسبب الصراعات الدمویة الدائمة بین سکانها من الأوس و الخزرج و الیهود.
و فضلا عن ذلک فقد کان لنشاط السته في یثرب الذین إنتموا مؤخّرا لقنوات العمل الرسالي، أثرا مهما في تهیئة الأرضیة لإستقبال الرسول (ص) وحرکته الرسالیة، حیث استمرت نشاطات هؤلاء لأکثر من عام، حتی أنهم عادوا في موسم الحج التالي ومعهم ستة آخرون من یثرب ممن تم کسبهم خلال السنة الماضیة إلی صفوف الحرکة حیث إجتمع بهم رسول الله (ص) سرا في العقبة 1.
و کان اجتماع العقبة مهما للغایة حیث أن التطورات التي استعرضت فیه حددت مستقبل مسیرة العمل الإسلامي و بالتالي مسیرة الإسلام، و في هذا الإجتماع استمع رسول الله (ص) إلی آخر نشاطاتهم في تبلیغ الرسالة هناک والتطورات التي ترتبت علی أثر هذه النشاطات، وکذلک تطورات الصراع بین القبائل الیثربیة من الأوس و الخزرج و الیهود. فیما قام الرسول (ص) بتوجیههم لخطط الفترة المقبلة بعد أن أعلنوا تمام إستعدادهم لذلک.
و کانت الخطة التي إتبعها الرسول الأعظم (ص) لإنجاح تجربة یثرب من أجل تکوین الموقع الأساسي لتمرکز قوی الحرکة الإسلامیة تعتمد أساسا علی:
1/ التریث لدراسة التجربة و الوصول إلی نتائج دقیقة تمکن الرسول من إعتماد خططا أکثر حکمة و سلامة للنجاح.
2/ تجنب التصدي المباشر لتفادي ما یمکن حدوثه من نتائج سلبیة، ولذلک نجد أن رسول الله (ص) قد أرسل مع وفد یثرب المکون من اثنی عشر شخصا ممن التحقوا مؤخرا بقوافل المسلمین، أحد الطلائع الرسالیین وهو مصعب بن عمیر2 .
لقد ذهب مصعب علی رأس الوفود إلی یثرب وابتدأ عمله و جهاده في بث الفکر الرسالي إلی کافة الناس، إضافة إلی مهمته الأساسیة وهي توجیه إرشاد المجموعة التي عاهدت الرسول (ص) علی الثبات والمضي في تحقیق أهداف رسالة الإسلام هناک.
و تأتي أهمیة وجود أحد طلائع و کوادر الحرکة الرسالیة علی رأس هذه المجموعة للأسباب الآتیة:
1/ الإشراف والتصدي المباشر میدانیا من قبل أحد العناصر الذین وعوا بشکل کاف رسالة الإسلام، بالذات لأن المجموعة التي ابتدأت العمل في یثرب کانت حدیثة العهد بالإنتماء إلی الإسلام و لذلک لم تکن لدیها حصیلة کافیة من الوعي والمعرفة بالفکر الرسالي، فهم بحاجة الی المزید من العلم و المعرفة بالإسلام الجدید حینذاک.
2/ المحافظة علی الإندفاعة والعزیمة التي تحلت بها المجموعة عند اجتماعها بقائد الحرکة- الرسول الأعظم (ص)- کما أنه ضمانة للمحافظة علی تلک الروح، بل ضمانة لرفع مستوی الفاعلیة و التفاعل عند تلک المجموعة.
و هکذا استمر مصعب مع مجموعته الرسالیة یواصلون العمل في یثرب بشکل لایعرف فیه الکلل و الفتور لمدة عام واحد، إستطاعت المجموعة تحقیق نتائج مرضیة عدیدة منها:
1-انها استطاعت ان تضم طاقات جدیدة تخدم العمل الإسلامي.
2- و انها تمکنت من خلق أجواء مناسبة في یثرب لإستقبال الرسول الأکرم (ص).
العمل الرسالي ینتقل إلی یثرب:
بعد عام حافل بالنشاط الرسالي في یثرب و نظرا للأزمة الحادة التي تعیشها الحرکة في مکة تمکنت الحرکة بحنکة الرسول الأعظم (ص) و جهد الطلائع الرسالیین من أن یمهدوا الأرضیة المناسبة في یثرب لإستقبال الرسول (ص) ومجامیع المؤمنین الذین تفاعلوا وتجاوبوا مع نداءه.
و قبل أن یعزم الرسول (ص) علی اتخاذ قراره بانتقال کافة الرسالیین إلی یثرب حسب ما وصله من معلومات حول أوضاع یثرب بعد إجتماعه في موسم الحج التالي مع مصعب بن عمیر، فضل الإجتماع بعناصرالحرکة من یثرب لیری عن قرب إستعدادهم لذلک ومقدار وعیهم بالمسؤولیة الرسالیة التي یعتزم الرسول (ص) تحمیلهم إیاها، و لما بایعوه علی الطاعة و إلتزام أمره وعاهدوه علی تحمل تبعات نصرته، أطلق قراره التاریخي بالانتقال إلی یثرب3 في الوقت الذي وصلت فیه الأزمة مع قریش ذروتها إذ قرروا اغتیال الرسول (ص) .
و کانت استراتیجیة الحرکة بعد وصولها إلی یثرب تقتضي تحقیق أهداف عدیدة أهمها:
1-إعادة ترتیب البیت الداخلي للحرکة بعد مدة طویلة من مقاومتها القمع و الإضطهاد اللذان مارستهما قریش لضعضعة الحرکة و اضعاف قدرتها علی النمو و الحد من توسع رقعة إنتشارها.
2- بناء مجتمع فاضل تسود فیه القیم الإسلامیة . عبرغرس القیم و المفاهیم الرسالیة السلمیة.