صدرت العديد من النصوص القرآنية والحديثية في إبراز أفضلية الإمام عليّ بن أبيطالب (عليه السلام) علي سائر الصحابة، واتّسعت معاني تلك النصوص إلي أبعد من عقد المقارنة في أفضليته علي الصحابة، وشملت بمقصودها أنّ عليّاً بمؤهلاته القدسية وغيرها هو الإنسان المُعد لتولّي الإمامة بعد رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) لا سواه. وبغض النظر عن العصمة والعلم الحضوري الذي أوتي الإمام أو المعاجز ـ الكرامات ـ التي كانت تظهر علي يديه، دون غيره؛ يبقي عليّ (عليه السلام) بقدراته وعلومه وصفاته الأفضل من بين الصحابة، حتي علي مقياس مدرسة الخلفاء التي تنظر للإمام عليّ (عليه السلام) كصحابي ليس إلاّ .
آسس المفاضلة عند المسلمين
إنّ التفضيل يكون علي أساس الصفات الحميدة والأفعال الحسنة مثل: الإيمان، العمل الصالح، العلم، العدالة، الشجاعة، القضاء، الزهد، الفصاحة، السياسة والتدبير، الكرم والسخاء، السماحة والحلم وغيرها.
وقد تجمّعت تلك الصفات بأرفع معانيها عند الإمام عليّ (عليه السلام) وكان حظّه الأوفر منها.
قال المسعودي: والأشياء التي استحقّ بها أصحاب رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) الفضل هي: السبق الي الإيمان، والهجرة، والنصرة لرسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله)، والقربي منه، والقناعة، وبذل النفس له، والعلم بالكتاب والتنزيل ، والجهاد في سبيل اللّه، والورع، والزهد، والقضاء، والحكم، والفقه والعلم، وكلّ ذلك لعليّ (عليه السلام) منه النصيب الأوفر والحظّ الأكبر1.
وسوف نشرع ـ إن شاء اللّه ـ ببيان أهم اُسس المفاضلة من الآيات القرآنية، والأخبار النبوية، وأقوال الصحابة وأهل بيته (عليهم السلام) :
بيان أعلمیته
إنّ العلم من أبرز الفضائل التي تعطي السيادة لصاحبها لما يتفرّع عن العلم من ثمرات جمّة علي أنّ الفضائل بأجمعها تتوقّف علي العلم، فلا قضاء بلا علم، ولا سياسة بلا علم، ولا زهد إلاّ به، فلابدّ لطالب كلّ فضيلة أن يطلب العلم به وبحقيقته. ومن الثابت أنّ الإمام عليّاً (عليه السلام) كان أعلم الصحابة ويرجعون إليه فيما أُعضل عليهم، وينتهي علمهم إليه؛ ومن ذلك ما روي عن مسروق قال: شاممت أصحاب محمّد (صلّي اللّه عليه و آله) فوجدت علمهم انتهي . . . الي عليّ وعبداللّه2 ومن المعلوم رجوع عبداللّه بن عبّاس وغيره الي عليّ (عليه السلام).
لقد بلغ الكمال العلمي عند عليّ (عليه السلام) اليدرجة قال فيه الرسول (صلّي اللّه عليه و آله) : «أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها»3 . أخرجه الطبراني عن ابن عبّاس، وأخرجه الحاكم في مناقب عليّ، ص126 و127 من الجزء الثالث من المستدرك بسندين صحيحين، أحدهم عن ابن عبّاس من طريقين صحيحين، والثاني عن جابر بن عبداللّه الأنصاري، وأقام الحاكم علي صحة طرقه أدلة قاطعة. وأفرد الإمام أحمد بن محمّد بن الصدّيق المغربي المتوفي (1380 ه ) لتصحيح هذا الحديث كتاباً حافلاً سمّاه: «فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم عليّ»4 وهذا دائر علي ألسنة الناس كالمثل السائر، وقد نظرنا في طعن النواصب فيه فوجدناه تحكماً محضاً لم يدلوا فيه بحجّة ما غير الوقاحة في التعصّب كما صرح به الحافظ صلاح الدين العلائي حيث نقل القول ببطلانه عن الذهبي وغيره فقال: ولم يأتوا في ذلك بعلّة قادحة سوي دعوي الوضع دفعاً بالصدر5.
لقد أخذ الإمام عليّ (عليه السلام) علمه من رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) ويؤكد ذلك قوله (عليه السلام) :«علّمني رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) ألف باب من العلم يفتح لي من كلّ باب ألف باب»6 .
وكان الإمام عليّ (عليه السلام) قد أُوتي سؤله، وزاده الرسول بسطة في العلم، فتارة يبادر الي الرسول الأكرم في طلب العلم، وتارة يبتدأه الرسول الأعظم في افراغ العلم عليه: «كنت إذا سألت النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) أعطاني، وإذا سكت ابتدأني...»7 وكان الإمام (عليه السلام) يتوقّد ذكاءً «إنّ اللّه وهب لي لساناً سؤولاً، وقلباً عقولاً...»8 ثم تراه يموج بالمعارف ففي حديث طويل تحدّث الإمام عليّ (عليهالسلام) عن ما تلقاه قائلاً: «ما نزلت علي رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) آية إلاّ أقرأنيها وأملاها عليّ فكتبتها بخطّي، وعلّمني تأويلها وتفسيرها، وناسخها ومنسوخها، ومحكمها ومتشابهها، وخاصّها وعامّها ودعا اللّه لي أن يعطيني فهمها وحفظها فما نسيت آية من كتاب اللّه تعالي، وعلماً أملاه عليّ وكتبته منذ دعا اللّه لي بما دعا، وما ترك رسول اللّه علماً علّمه اللّه من حلال ولا حرام، ولا أمر ولا نهي كان أو يكون إلاّ علّمنيه وحفظته، ولم أنس حرفاً واحداً منه...»9.
وعن أبي الطفيل قال: شهدت عليّاً يقول: «وسلوني، واللّه لا تسألوني عن شيء إلاّ أخبرتكم وسلوني عن كتاب اللّه فواللّه ما من آية إلاّ وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار، في سهل أم في جبل»10 .
وعن سعيد بن المسيب أنه قال: «لم يكن أحد من صحابة رسول اللّه يقول سلوني إلاّ عليّاً»11 .
نعم لقد أُوتي الإمام (عليه السلام) مالم يؤت أحداً من الصحابة فقد جاء عن ابن عبّاس أنّه قال: «واللّه لقد أُعطي عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) تسعة أعشار العلم وأيم اللّه لقد شاركهم في العُشر الباقي»12 .
وصرّح (عليه السلام) بأنّ العلم الذي يحمله كبير لا يقوي علي حمله أحد من الصحابة: «إنّ هاهنا لعلماً جمّاً لو أصبت له حملة» وأشار الي صدره13 . فهذه الأقوال وغيرها تدل بكلّ وضوح علي أنّ علياً بلغ من العلم مرتبة لا يمكن لأحدٍ من الخلق أن يبلغها سوي رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) .
وإلي هذا أشار (عليه السلام) بقوله: «بل اندمجتُ علي مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوي14 البعيدة»15 .
وقد شهد رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) وفي أكثر من مرّة بأفضلية «عليّ» وتفوّقه العلمي علي كلّ الصحابة.
قال رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) لفاطمة الزهراء (عليها السلام) : «أما ترضين أن أُزوّجكِ أقدم أُمّتي سلماً، وأكثرهم علماً، وأعظمهم حلماً»16 . وقال (صلّي اللّه عليه و آله): «أعلم أُمتي من بعدي عليّ بن أبي طالب»17.
وقال عبداللّه بن حجل مخاطباً إيّاه: «أنت أعلمنا بربّنا وأقربنا بنبيّنا وخيرنا في ديننا»18 . وقد ذكر ابن عبدالبرّ أعلمية الإمام (عليه السلام)، وقال: عليّ أعلم الأصحاب19 .
روي ابن عبدالبرّ عن ابن مسعود أنّه قال: «إنّ أقضي أهل المدينة عليّ بن أبي طالب».
وعن سعيد بن وهب قال: قال عبداللّه : «أعلم أهلالمدينة بالفرائض عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)»20 .
وروي ابن الأثير في أُسد الغابة قال: وروي يحيي بن معين عن عبدة بن سليمان، عن عبدالملك بن سليمان، قال: قلت لعطاء: أكان في أصحاب محمّد (صلّي اللّه عليه و آله) أعلم من عليّ (عليه السلام)؟ قال: لا واللّه لا أعلم21 .
أسبقیته إلی الإسلام و الإیمان
هذه الصفحة من حياة الإمام عليّ (عليه السلام) قد سجّل فيها الأسبقية علي الصحابة قاطبة فقال بهذا الصدد: «صلّيت مع رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) قبل الناس سبع سنين وأنا أوّل من صلّي معه»22 .
وقال (عليه السلام) : «ما أعرف أحداً من هذه الاُمّة عَبَدَ اللّه بعد نبيّنا غيري...»23.
وقد وردت روايات عديدة في أنّ عليّ (عليه السلام) سبق غيره الي الإسلام، وقد جاءت تلك الرو