ولادة الإمام الجواد:كان قد مرّ من عمر الإمام الثّامن عليّ بن موسى الرّضا (عليه السلام) اكثر من اربعين عاماً لكنّه لم يُرزق بولد، فكان هذا الامر محزنا ومقلقاً للشّيعة ، حيث كانوا يعتقدون (حسب الرّوايات الواردة عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)والأئمة المعصومين(عليهم السلام)) بأنّ الإمام التّاسع سيكون ابن الإمام الثّامن، ولهذا كانوا ينتظرون بفارغ الصّبر ان يمّن الله تعالى على الإمام الرّضا (عليه السلام) بولد، حتّى انّهم في بعض الاحيان كانوا يذهبون الى الإمام (عليه السلام)ويطلبون منه ان يدعوا الله سبحانه بان يرزقه ولداً، والإمام (عليه السلام)يسلّيهم في الجواب ويقول لهم: « انّ الله سوف يرزقني ولداً يكون الوارث لي والإمام من بعدي ». واخيراً ولد الإمام محمّد الجواد (عليه السلام) في اليوم العاشر من شهر رجب عام «195» هجريّة قمريّة. وقد سُمّي بـ«محمّد»، وكنيته «أبو جعفر»، وأشهر ألقابه « التقيّ » و« الجواد ». وأشاعت ولادته الفرح والسّرور في المجتمع الشّيعيّ، وأدّت الى تقوية الايمان والاعتقاد، وذلك لانّ التّرديد الّذي كان من الممكن ان يطرأ على قلوب بعض الشّيعة بسبب تأخّر ولادة هذا الإمام الكريم قد زال تماماً. و قد روى الكليني عن يحيى الصنعاني، قال: دخلت على أبي الحسن الرضا (ع) وهو بمكة, وهو يقشّر موزاً ويطعمه أبا جعفر (ع)، فقلت له: جعلت فداك, هذا المولود المبارك؟ قال: (نعم، يا يحيى, هذا المولود الذي لم يُولد في الإسلام مثله مولودٌ أعظم بركةً على شيعتنا منه). (الكافي6/361) تقول «حكيمة» أخت الإمام الرّضا (عليه السلام): عند ولادة الإمام محمّد الجواد (عليه السلام) طلب منّي اخي أن أكون الى جانب «خيزران»، وفي اليوم الثّالث من ولادة هذا الطّفل فقد فتح عينيه ونظر الى السّماء ثمّ التفت يميناً وشمالاً وقال: «اشهد ان لا اله اِلا الله وأشهد ان محمّداً رسول الله»، ولمّا لا حظت هذا الامر العجيب نهضتُ خائفة مضطربة وذهبت الى اخي ونقلت له ما شاهدته، فقال الإمام: إنّ ما سوف ترونه منه بعد ذلك اكثر مما رأيتموه لحدّ الان. زوجاته وأولاده (ع):تزوج (ع) أم الفضل بنت المأمون، واتخذ (ع) أمهات أولاد فأنجب منهن علي الهادي(ع)، وموسى، وفاطمة وامامة، أما أم الفضل فلم ينجب منها.أمُّه (ع) أم ولدٍ يقال لها (سبيكة) نُوبيّة، وقيل ايضا: إن اسمها كان (خيرزان)، وروي أنّها كانت من أهل بيت مارية أمّ إبراهيم بن رسول الله (صلّى الله عليه وآله). (الكافي1/492). كنيته ولقبه (ع) كنيته (أبو جعفر). وأما ألقابه فهي: (المرتضى) و(القانع) و(الجواد)، وهو أشهرها.
أبناؤهابنه الأكبر الإمام عليّ الهادي عليه السّلام ، ومِن بعده موسى المعروف بـ « المُبرقَع » ويكنّى بأبي أحمد. ويقال إنّ له أبناء آخرين ، هم : الحسن ، وأبو أحمد الحسين ، وأبو موسى عمران.أمّا من البنات فذكروا للإمام الجواد عليه السّلام عدداً منهنّ : فاطمة ، وأُمامة ، وحكيمة ، وخديجة ، وأمّ كلثوم ، وبريهة ، وزينب ، وميمونة ، واُمّ محمّد. وقيل : لم يخلّف من البنات إلاّ فاطمة وأُمامة ، ولكنّ حكيمة عمّة الإمام الحسن العسكريّ عليه السّلام كانت معروفة ، وهي التي حضرت مولد الإمام الحجّة المهديّ عجلّ الله تعالى فرجّه الشريف.أصحابه وخواصّه مِن ثقاته : أيّوب بن نوح بن دَرّاج الكوفيّ ، وجعفر بن محمّد بن يونس الأحول ، والحسين بن مسلم بن الحسن ، والمختار بن زياد العبديّ البصريّ ، ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب الكوفي.أمّا أصحابه فقد عدّ بعضهم قرابة مئتين وسبعين شخصاً ، أشهرهم : أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطيّ ، الفضل بن شاذان ، أبو تمّام حبيب الطائيّ ، أبو الحسن عليّ بن مهزيار الأهوازيّ ، محمّد بن أبي عُمَير ، محمّد بن سِنان ، عليّ بن الإمام جعفر الصادق عليه السّلام ، إسماعيل بن الإمام الكاظم عليه السّلام ، زكريّا بن آدم ، يونس بن عبدالرحمن ، عبدالجبّار النهاونديّ ، خَيران الخادم ، هشام بن الحكم.. وآخرون.روى بعضهم عنه عليه السّلام ، كما روى عنه العشرات ، منهم : إبراهيم بن أبي البلاد ، إبراهيم بن أبي محمود ، إبراهيم بن هاشم القمّي ، أحمد بن أبي عبدالله البرقيّ ، أحمد بن محمّد بن عيسى القمّي ، الحسين بن عليّ الوشّاء ، الحسين بن الإمام موسى الكاظم عليه السّلام ، حكيمة ابنته ، حكيمة اُخته ، أبو هاشم داود بن القاسم الجعفريّ ، دِعبِل بن عليّ الخزاعيّ ، الريّان بن شَبيب ، الريّان بن الصَّلت ، زكريّا بنه آدم القمّي ، الصقر بن أبي دُلَف ، السيّد عبد العظيم بن عبدالله الحسَنيّ ، ابنه الإمام عليّ الهادي سلام الله عليه ، عليّ بن مهزيار ، محمّد بن إسماعيل بن بزيغ ، محمّد بن الحارث النوفليّ ، محمّد بن الفضيل الصيرفيّ ، مُعمَّر بن خلاّد ، الموفّق ، ياسر الخادم.. وآخرون كُثر.إمامة الجواد (ع):تولّى الإمام الجواد (ع) الإمامة الفعلية في سن مبكرة من عمره الشريف، فقد كان عند شهادة أبيه الرضا (ع) ابن سبع سنين الأمر الذي أثار استغراب الناس عموماً.وقد رُوي عن صفوان بن يحيى أنه سأل الرضا (ع) عن الخليفة بعده، فأشار الإمام إلى ابنه الجواد (ع) وكان في الثالثة في عمره فقال صفوان: جعلت فداك! هذا ابن ثلاث سنين؟! فقال (ع): وما يضر ذلك؟ لقد قام عيسى (ع) بالحجة وهو ابن ثلاث سنين. وكان الرضا (ع) يخاطب ابنه الجواد (ع) بالتعظيم وما كان يذكره إلاّ بكنيته فيقول "كتب إليّ أبو جعفر" و"كنت أكتب إلى أبي جعفر" وكان يكرر هذا الكلام في حق ابنه رغم صغر سنه دفعاً لتعجب الناس من انتقال الخلافة إليه وهو صغير السن، كما كان يستشهد على أن البلوغ لا قيمة له في موضوع الإمامة بقوله تعالى في شأن يحيى (ع): "واتيناه الحكم صبيا". وقد أثبت الإمام الجواد (ع) سعة علمه وقوّة حجته وعظمة اياته منذ صغره، فكان الناس في المدينة يسألونه ويستفتونه وهو ابن تسع سنين.. والمتتبع للروايات والأخبار يجد أن الإمام الرضا (ع) عمل على إزالة اللبس والاشتباه في موضوع إمامة الجواد (ع) بالأدلة والبراهين ومهّد له بكافّة الطرق والأساليب فكان يأمر أصحابه بالسلام على ابنه بالإمامة والإذعان بالطاعة كما في قوله لسنان ابن نافع: "يا بن نافع سلّم وأذعن له بالطاعة، فروحه روحي، وروحي روح رسول الله (ص)".ويقول«محمّد بن أبي عباد» أيضاً: سمعت الإمام الرّضا (عليه السلام)يقول: أبو جعفر وصيّي من بعدي وخليفتي من أهل بيتي. ينقل «الخيراني» عن ابيه أنّه قال: كنت عند الإمام الرضّا (عليه السلام)في خراسان فسأله شخص: لو حدث لك أمر فلمن نرجع؟ قال: ارجعوا لولدي أبي جعفر. وكأنّ السائل لم يكن يرى عمر الإمام الجواد كافيا (وهو يفكّر كيف يمكن ان يتولّى الإمامة طفل صغير) فقال الإمام الرضا (عليه السلام): « لقد بعث الله تعالى عيسى بالنبوّة والرسالة بينما كان عمره أقلّ من العمر الحاليّ لابي جعفر ». يقول «عبد الله بن جعفر»: ذهبت مع «صفوان بن يحيى» الى الإمام الرضا (عليه السلام)، وكان الإمام الجواد حاضراً وعمره ثلاث سنين ، فسألنا الإمام: لو جرى لك حادث فمن هو خليفتك؟ فأشار الإمام الى أبي جعفر وقال: ولدي هذا. قلنا: وهو بهذا العمر؟ قال: اجل بهذا العمر وهذا السنّ، والله تعالى جعل عيسى (عليه السلام)حجّته بينما لم يصل حتّى الى ثلاث سنين.
الإمام (ع) والمأمون:كان الإمام الجواد (ع) في السادسة من عمره حينما خرج والده الرضا (ع) من المدينة إلى خراسان، وبعد اغتيال الإمام الرضا (ع) انتقل المأمون إلى بغداد واستدعى الإمام الجواد إليه، في محاولة احتوائه والحد من نشاطه في المدينة التي كان يرقى إلى منبرها ويخاطب الناس بقوله: "ولولا تظاهر أهل الباطل، ودولة أهل الضلال ووثوب أهل الجهل لقلتُ قولاً تعجّب منه الأولون والاخرون!! يضع يده الشريفة على فمه ويقول: "يا محمد أصمت كما صمت اباؤك من قبل".
وفي بغداد تظاهر المأمون بإكرام الإمام وبرّه فأنزله بالقرب من داره وأسكنه في قصره وعزم على تزويجه من ابنته أم الفضل. ليدفع عنه التهمة بتصفية الرضا (ع) التي زعزعت من ولاء أهل خرسان له. وعرّضته لانتفاضاتهم التي كانت تظهر بين حين واخر، وليتركه قريباً منه وتحت المراقبة الأمنية خوفاً وحذراً من تحريك العلويين ضده.ولكن تزويجه من ابنته أم الفضل أثار مخاوف العباسيين من أن ينتهي الأمر معه إلى ما انتهى إليه مع أبيه الرضا من ولاية العهد، فاجتمع أقطابهم إلى المأمون قائلين له: "إن هذا الفتى صبي لا معرفة له ولا فقه، فأمهله حتى يتأدب ويتفقّه في الدين.." في محاولة منهم لمنع حصول هذا الأمر إذ كان يؤرقهم دائماً فكرة انتقال الخلافة إلى منافسيهم العلويين. فأجابهم المأمون: "ويحكم إني أعرف بهذا الفتى منكم! وإن أهل هذا البيت علمهم ومواهبهم من الله تعالى ومن إلهامه، وإن شئتم فامتحنوه" فأجمعوا أمرهم على إحضار قاضي القضاة يحيى بن أكثم ليمتحن الإمام (ع). واختيارهم لقاضي القضاة وهو أعلى منصب ديني في الدولة انذاك يدل على مدى خوفهم من الإمام واعترافهم بعظمته رغم صغر سنه. وفي مجلس حاشد واجه القاضي يحيى الإمام (ع) بالمسألة التالية: ما تقول في محرم قتل صيداً؟ وبكل بساطة واطمئنان أجاب الإمام (ع): قتله في حِلٍ أو حرم؟ عالماً كان المحرم أو جاهلاً؟ قتله عمداً أو خطأ؟ حراً كان المحرم أو عبداً؟ صغيراً كان أو كبيراً؟ مبتدئاً بالقتل أو معيداً؟ من ذوات الطير كان الصيد أم غيرها؟ من صغار الصيد أم من كبارها؟ مصراً على ما فعل أم نادماً؟ ليلاً كان قتله للصيد أم نهاراً؟ محرماً كان بالعمرة إذ قتله أو بالحج كان محرماً؟ واشرأبت الأعناق إلى القاضي يحيى الذي كان أعجز من أن يتابع مسألة الإمام (ع) فبان عليه الارتباك وظهر فشله وعجزه، فقال المأمون لهم: أعرفتم ما كنتم تجهلون؟ وتوّج المأمون انتصاره بعقد قران ابنته من الإمام (ع) في نفس المجلس.
الإمام (ع) في المدينة:لم تخفَ على الإمام (ع) أهداف المأمون التي كانت تخضع للحسابات الانية الضيقة والمصلحة الشخصية. بينما جاءت تصرفات الإمام مبنية على أساس المصلحة الإسلامية العامة ومنسجمة مع الحسابات الواسعة الت