لعل محور (الوحدة الاسلامیة ) یشكل أحد أهم المحاور التي دار علیها الصراع المحتدم بین الثورة الاسلامیة في ایران و أعدائها الذین یشكلون مجمل الكفر العالمي بكل أوجهه الشرقیة و الغربیة و عملائه الدولیین و المحلیین.
و ان دلّ ذلك علی شيء فانما یدلّ علی ادراك طرفي الصراع بكل وضوح لأهمیة هذا المحور. فالثورة الاسلامیة تدرك تماما ان إسلامها یركز علی هذه الخصیصة و یعتبرها منحة إلهیة لا تقدّر بثمن ، و لا تقدر ثروات الأرض علی تحقیقها بشكل قهري و إنما هي من ألطاف الله جلّ و علا : « لو أنفقت ما في الأرض جمیعا ما ألفت بین قلوبهم و لكنّ الله ألّف بینهم» .
و تدرك أیضا أن الوحدة هي السلاح المواجه لاتحاد الكفر علی الباطل فاذا لم یتحقق هذا الأمر في وجود الامة انجرّت بشكل طبیعي الی الفتنة و الفساد الكبیر: « و الذین كفروا بعضهم أولیاء بعض إلّا تفعلوه تكن فتنة في الأرض و فساد كبیر»
و هي تؤمن أشد الایمان ، من جهة اخری، بأن امتنا الاسلامیة لم تسترجع خصائصها الحضاریة ما لم تتمتع بهذه الصفة بكل عمق ، و انها ما لم تحقق تلك الخصائص تبقی علی تخلفها المقیت و بعدها عن تحقیق الأهداف العلیا.
و هذه الامور یدركها العدو الكافر للثورة ، و لكن من زاویة مصالحه الجشعة. فهو یلحظ ان الثورة الاسلامیة إذا نجحت في تأصیل هذه الحقیقة الكبری ، فإن آماله ستذهب ادراج الریاح، بل سیواجه قدرة عظمی لا قبل له بها ، قدرة تملك عشرات الموانیء الأستراتیجیة ، مئات الملایین من العقول الفاعلة ، و الأیدي العاملة النشطة ، و الشطر الأكبر من الثروات الارضیة. و فوق كل ذلك امة تمتلك أطروحة حیاتیة واسعة الأبعاد ، قویة التخطیط ، شاملة لكل جوانب الحیاة ، مؤهلة تماما لكون البدیل الأروع لحضارته المهزوزةو الملأی بالرعب ، و التحلل ، و القلق ، و الجشع ، و الحیوانیة المقیتة ، و كلها أمور تجافي الطبع قبل أن تجافي العقل السلیم.
و یشتد قلقه تماما عندما یتصوّر الامة الاسلامیة حاملة تلك الرسالة و قد تأصلت فیها المفاهیم الرسالیة ، فراحت تنظر للحیاة نظرة مرحلیة ، و للشهادة نظرة تقدیس ، و للجنة نظرة أمل ، و للتاریخ مسرحاً حضاریاً لخط الأنبیاء. و أي انحراف عن هذا الخط یعني الانحراف عن خط الفطرة الصاعد.
إن هذا كله لیرعب الكفر و یدعوه للتأمل مرات و مرات في أساسه و مقوّمه، و هو : الواحد الاسلامیة.
و من هنا قلنا إنه یدرك خطورة هذا الأساس ، فیلجأ لطرح كل وسائله الشیطانیة لتقویضه بشتی الأسالیب . و هنا بالضبط ، تحتدم الصراع بین الثورة باعتبارها رائدة الوحدة الاسلامیة، و أعدائها باعتبارهم المتضرر الأكبر بذلك.
إن العدو الكافر لاحظ الاصرار الثوري المجاهد علی دعم خط الوحدة الاسلامیة في كل خطوات الثورة بشتی الأسالیب الممكنة فراح یعمل علی احباط كل الخطط.
و نستطیع أن ندرك سعة الخطوات الثوریة علی طریق الوحدة إذا لاحظنا الأمور التالیة:
أولا: طرحت الجمهوریة الاسلامیة شعار: الوحدة الاسلامیة بكل قوة، و أعلنت أنه شعار استراتیجي نابع من صمیم العقیدة ، وهي أساس البناء الاجتماعي لدیها. و تطبیقا لذلك أعلنت عن اسبوع الوحدة لتؤكد ذلك من خلال الاجتماعات و اللقاءات ، و البرامج المتنوعة لایجاد الجو المناسب الذي تتلاقی فیه الأفئدة ، و یتعرف فیه الاخوة علی الحقیقة الوحدویة التي تضمهم جمیعا.
ثانیا: عملت علی الصعید العملي علی تنفیذ هذا الشعار في قوانینها و سلوكها العملي ، فنظرت للمواطنین بعین واحدة ، و أعلنت ان لكل مذهب اسلامي الحریة الكاملة في تطبیق آرائه علی أتباعه ، لهؤلاء الأتباع الحق في التحاكم الی محاكم تعتمد تلك المذاهب . و منحت الجمیع فرض التعاون و التكافل لبناء الدولة الاسلامیة و أعلنت حریة الثقافة الاسلامیة غیر المخلة بالوحدة و بالخلق العفیف.
ثالثا: جاءت فكرة قیادة الفقیه العادل كاحدی أروع الأفكار الوحدویة ، ذلك أن القیادة و الامامة هي عماد الحیاة الاجتماعیة ، و هي السلك الذي ینتظم كل شعب تلك الحیاة. و لما كان المجتمع الاسلامي مجتمعا ایدیولوجیا فان من الطبیعي أن تسلّم قیادته للفقیه المتضلع في الشؤون الاسلامیة، و العادل العامل بتعالیمه كملكة متأصلة في النفس.
و مسألة اشتراط الفقیه في القائد مسألة یقود إلیها الطبع الفطري السلیم، و تؤكدها فتاوی علماء المسلمین من جمیع الفرق علی اختلاف في المستوی الفقهي ، و في نوع الاشتراط ، و لكنها علی أي حال مسلمة اجمالا لدی الجمیع ، بها تصان القیادة من الانحراف.
إن فكرة ولایة الفقیه أوجدت حسّاً وحدویاً رائعاً ، و دفعت الكثیر من العلماء المسلمین للرجوع الی مبدأ الدولة الاسلامیة العالمیة الواحدة ، و اعلان بیعتهم للامام القائد الراحل و للولي الفقیه القائد آیة الله الخامنئي باعتباره ولیاً لأمر المسلمین ، و لذلك بلا ریب مردود وحدوي عظیم.
رابعاً: و لقد كان للثورة الاسلامیة أثرها العظیم في ایجاد صحوة اسلامیة شاملة في كل أرجاء العالم الاسلامي ، انبعاث ظواهر هذه الصحوة ، مما یقلق بال المستكبرین و یقضّ مضاجعهم.
فهذا الأمل الكبیر بالمستقبل الاسلامي المشرق الذي یحكم فیه القرآن ، و هذا الاصرار الدائب علی اعلان الشخصیة المسلمة و الاعتزاز بها، و هذه الدعوات المتتالیة هنا و هناك لتطبیق الشریعة الاسلامیة علی كل مرافق الحیاة ، و هذه المظاهر الأخلاقیة الاسلامیة المعروفة كالتزام الحجاب ، و رفض التحلل ، و نبذ المحرمات ، و تطبیق الشعائر الاسلامیة ، تعود الی عالمنا الاسلامي هنا و هناك و تشكل في بعض الأماكن معالم لتحریر الاسلامي الصارخ لنمط الحیاة الغربیة المنحرفة.
و هذه العودة القویة التي دعت لها الثورة الاسلامیة لدور العلماء في قیادة المجتمع و تسلّم دور الوریث للأنبیاء ـ كما جاء في الحدیث المعروف ـ هذه العودة كان لها أثرها الكبیر في تكوین حس اسلامي عام مشترك بوحدة هذه الامة و تلاحمها.
خامسا: و كان نجاح الثورة الاسلامیة في تحطیم أحد النظام الطاغوتیة المتجبرة ، و تحدّیها لكل القوی الكبری المتجمعة ضدها، و وقوفها الی جانب قضایا المستضعفین و المحرومین، و دعوتها للعودة للأصالة الاسلامیة، الدور الكبیر في دحر كل الطروحات المادیة الممزقة لشخصیة هذه الامة ، كالطروحات الغربیة ، و تهافت تلك الشعارات البراقة التي كانت ترفعها هذه الطروحات ، مما لا یعود علی الامة إلّا بالوبال.
إن تمزق هذه الطروحات و خذلانها عززّا مسیرة الوحدة الاسلامیة و أكدا أن الخلاص الحقیقي من وضعنا المأساوي لا یتم إلّا بالاسلام وحده ، و هي من أروع الأفكار الوحدویة.
سادساً: طرحت الثورة الاسلامیة شعار الحل الاسلامي الوحید ، رافضة الحلول الشرقیة و الغربیة للمشكلات الاجتماعیة ، و عملت بكلّ قوة علی تأصیل سیاسة تخرج عن دوّامة التبعیة الذیلیة للمعسكرین العملاقین، الأمر الذي جعل المفكرین العالمیین من جهة ، و كل المخلصین الاسلامیین من جهة اخری، یؤمنون بامكان هذا السبیل بشكل واقعي ، لا بشكل مخادع كاذب كما حصل في قضیة دول عدم الانحیاز التي یعیث فیها الانحیاز فسادا.
إن تقدیم هذا النموذج الحي الواقعي ساهم أكبر المساهمة في ایجاد أجواد الوحدة الاسلامیة علی طریق الله تعالی و هو الصراط المستقیم و سنن الحق دون جواد المضلة.
سابعا: أصرت الثورة الاسلامیة علی لزوم اعادة الدور الحقیقي للشعائر الاسلامیة، كصلاة الجمعة ، و الحج ، باعتبارهما من أكبر المجالات المحققة للاحساس المجموعي بوحدة هذه الامة في توجهاتها الحضاریة ، و سلوكاتها العملیة ، و حتی في ما تتكلم به و تتزین به في سلوكها الفردي.