وفقا لما أفادته وكالة أنباء أهل البيت (ع) الدولية ــ أبنا ــ رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "لَوِ اسْتَوَتْ قَدَمايَ في هذِهِ الْمَداحِضِ لَغَيَّرْتُ أَشْياءَ".
واستوقفتني هذه الجوهرة العَلَوية الكريمة، فالإمام أمير المؤمنين (ع) وإن كان يتحدث عن شخصه وموقفه من الأحداث التي جرت عليه، والتحديات التي واجهها أيام حكمه، والصعوبات التي حالت بينه وبين إعادة أمور الدين والحكم والناس إلى سياقها الذي يجب أن تكون فيها، من حفظ لصفاء الدين ونقائه بعد أن لعبت به الأيادي، وبدأ الناس كلٌ يأوِّله بالاتجاه الذي يعزِّز رأيه وسلوكه ويصبُّ في خانته، ومن حكم بالعدل بعد أن انحسرت دائرته جرّاء الفساد المالي والإداري والسياسي الذي أخذ يستشري في المجتمع، إلى الخلافات السياسية ونشوب الحروب بينه (ع) وبين الناكثين والمارقين والقاسطين في الجمل وصِفِّين والنَّهروان.
إن الإمام (ع) وإن كان يتحدث عن شخصه الكريم ولكن حديثه يصلح لنا أيضاً، ليكون منهجاً ننهجه في تعاملنا مع الظروف التي تشابه ظروفه، ومعلوم أن الصِّراعات والخلافات بين البشر وإن حصلت مع جماعات وفي أزمنة مختلفة لكن مناشئها واحدة، فما دام الإنسان هو هو من حيث التفكير والتطلعات، والأهواء والشهوات، فإن ما حدث في الماضي لا بد أن يتكرَّر في الحاضر والمستقبل، وبكلمة أخرى: ما دام إنسان اليوم لم تتغيَّر طبيعته ولا تفكيره فلن يتغيَّر سلوكه، وما لم يتغيَّر سلوكه فسيمضي في حياته ومواقفه على منوال من سبقه.
إن قوله (ع) "لَوِ اسْتَوَتْ قَدَمايَ في هذِهِ الْمَداحِضِ لَغَيَّرْتُ أَشْياءَ" تحمل دلالة قوية على التحدِّيات التي واجهها في تحقيق أهدافه الإصلاحية بسبب العراقيل والاضطرابات السياسية، وكي نتمكن من فهم مراده من هذا التصريح -الذي يكشف عن بالغ الألم والتَّحسُّر الذي كان يعتمل في صدره الشريف، كما يشيء بصعوبة الظروف التي كان يعبرها آنذاك- يجب أن نفهم العبارات التالية:
استواء القدمين: يعني الثبات والاستقرار، ما يشير إلى رغبته (ع) في إيجاد أساسٍ مَتين ومستقر للقيام بالإصلاحات التي كان يطمح إليها، ويراها واجبة عليه باعتباره أمام الدين والدنيا، وحامي شريعة الدين، والمُدافع عن حقوق الناس سيَّما المستضعفين منهم الذي لم يكن لهم حول ولا قوة.
المَداحِض: جمع "مدحَض"، وتعني المواضع الزَّلِقة أو غير المستقرة التي يصعب فيها الثبات. استخدمها الإمام كاستعارة للظروف السياسية الصعبة والمواقف المُعَقّدة.
بناءً عليه: إن الإمام يعبر عن أمنيته في وجود بيئة أكثر استقرارًا كي يتمكن من إجراء إصلاحات جذرية في المجتمع الإسلامي، وهي إصلاحات كانت جِدُّ ضرورية لا للمحافظة على حقوق الناس، أو المحافظة على الكيان الإسلامي السياسي والاجتماعي وحسب، بل للمحافظة على الدين ذاته لأن ما حدث كان يمثِّل تهديداً للدين ذاته، ولو نظرنا بعين الإنصاف إلى ما حدث بعد ارتحال رسول الله (ص) إلى يومنا هذا لأدركنا أن الخلافات التي نشبت بعده قد نالَت من الدين بلا شك، وأساءت إليه.
عند تولي الإمام أمير المؤمنين (ع) (الخلافة)، كانت الأمة تمُرُّ بأزمة سياسية واجتماعية عميقة، وكان الإمام يواجه انقسامات واسعة. فقد واجه تحدّيات أبرزها حرب الجمل، وصفين، والنهروان، التي استنزفت طاقاته وموارده وأعاقت مشروعه الإصلاحي.
لقد كان هدفه (ع) فضلاً عن حماية الدين وصيانة شريعته، وما هو مُناط به من واجبات الإمامة الإلهية كان هدفه أيضاً نشر العدل والمساواة، وإزالة المظالم، وتطبيق الشريعة بصرامة دون تمييز، ولكن هذه الرؤية لم يتمكن من تطبيقها كلها بسبب الفتن الداخلية ومقاومة بعض الفئات والأحزاب.
لقد واجه الإمام (ع) كل هذه الأحداث بروح الصبر والثبات، وتمكن أن يجسِّد المُثُل العليا في أنقى صورها عندما كانت تُتاح له الفرصة لذلك، وعندما كانت تواجهه العقبات ويقاوم إصلاحاته المتنفِّذون والنفعيون كان يواجههم بعدله وإنصافه، وشجاعته وأنفَته، وجرأته في إقامة العدل والقسط، وإجراء الحدود، لا تأخذه في الله لومةُ لائم.
فمن المُهِمِّ لنا أن نستلهم العِبَر من الإمام (ع) في الصبر على المصاعب ومواجهة التحديات بثبات ورباطة جأش، فالقيادة الناجحة تتطلب القدرة على التَّحَمُّل والثبات أمام الأزمات، وأن يبقى التغيير الذي ننشده هدفاً لنا، ومتى لاحت الفرصة لذلك اغتنمناها، وليس لنا أن نستسلم للواقع مهما كان معقَّداً، أو صعباً، ولا نستسلم للتحديات مهما كانت قاسية، فالحياة مليئة بالتحديات، وأن نتعلَّم من تجرِبته (ع) قوة الإرادة وعدم التفريط بالمبادئ في سبيل تحقيق التقدم، ويمكننا تطبيق هذا في كافة المجالات، بدءًا من الإدارة لشؤون المجتمع والوطن والأمة، وحتى الشؤون الشخصية البحتة.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
.........
انتهى/ 278
واستوقفتني هذه الجوهرة العَلَوية الكريمة، فالإمام أمير المؤمنين (ع) وإن كان يتحدث عن شخصه وموقفه من الأحداث التي جرت عليه، والتحديات التي واجهها أيام حكمه، والصعوبات التي حالت بينه وبين إعادة أمور الدين والحكم والناس إلى سياقها الذي يجب أن تكون فيها، من حفظ لصفاء الدين ونقائه بعد أن لعبت به الأيادي، وبدأ الناس كلٌ يأوِّله بالاتجاه الذي يعزِّز رأيه وسلوكه ويصبُّ في خانته، ومن حكم بالعدل بعد أن انحسرت دائرته جرّاء الفساد المالي والإداري والسياسي الذي أخذ يستشري في المجتمع، إلى الخلافات السياسية ونشوب الحروب بينه (ع) وبين الناكثين والمارقين والقاسطين في الجمل وصِفِّين والنَّهروان.
إن الإمام (ع) وإن كان يتحدث عن شخصه الكريم ولكن حديثه يصلح لنا أيضاً، ليكون منهجاً ننهجه في تعاملنا مع الظروف التي تشابه ظروفه، ومعلوم أن الصِّراعات والخلافات بين البشر وإن حصلت مع جماعات وفي أزمنة مختلفة لكن مناشئها واحدة، فما دام الإنسان هو هو من حيث التفكير والتطلعات، والأهواء والشهوات، فإن ما حدث في الماضي لا بد أن يتكرَّر في الحاضر والمستقبل، وبكلمة أخرى: ما دام إنسان اليوم لم تتغيَّر طبيعته ولا تفكيره فلن يتغيَّر سلوكه، وما لم يتغيَّر سلوكه فسيمضي في حياته ومواقفه على منوال من سبقه.
إن قوله (ع) "لَوِ اسْتَوَتْ قَدَمايَ في هذِهِ الْمَداحِضِ لَغَيَّرْتُ أَشْياءَ" تحمل دلالة قوية على التحدِّيات التي واجهها في تحقيق أهدافه الإصلاحية بسبب العراقيل والاضطرابات السياسية، وكي نتمكن من فهم مراده من هذا التصريح -الذي يكشف عن بالغ الألم والتَّحسُّر الذي كان يعتمل في صدره الشريف، كما يشيء بصعوبة الظروف التي كان يعبرها آنذاك- يجب أن نفهم العبارات التالية:
استواء القدمين: يعني الثبات والاستقرار، ما يشير إلى رغبته (ع) في إيجاد أساسٍ مَتين ومستقر للقيام بالإصلاحات التي كان يطمح إليها، ويراها واجبة عليه باعتباره أمام الدين والدنيا، وحامي شريعة الدين، والمُدافع عن حقوق الناس سيَّما المستضعفين منهم الذي لم يكن لهم حول ولا قوة.
المَداحِض: جمع "مدحَض"، وتعني المواضع الزَّلِقة أو غير المستقرة التي يصعب فيها الثبات. استخدمها الإمام كاستعارة للظروف السياسية الصعبة والمواقف المُعَقّدة.
بناءً عليه: إن الإمام يعبر عن أمنيته في وجود بيئة أكثر استقرارًا كي يتمكن من إجراء إصلاحات جذرية في المجتمع الإسلامي، وهي إصلاحات كانت جِدُّ ضرورية لا للمحافظة على حقوق الناس، أو المحافظة على الكيان الإسلامي السياسي والاجتماعي وحسب، بل للمحافظة على الدين ذاته لأن ما حدث كان يمثِّل تهديداً للدين ذاته، ولو نظرنا بعين الإنصاف إلى ما حدث بعد ارتحال رسول الله (ص) إلى يومنا هذا لأدركنا أن الخلافات التي نشبت بعده قد نالَت من الدين بلا شك، وأساءت إليه.
عند تولي الإمام أمير المؤمنين (ع) (الخلافة)، كانت الأمة تمُرُّ بأزمة سياسية واجتماعية عميقة، وكان الإمام يواجه انقسامات واسعة. فقد واجه تحدّيات أبرزها حرب الجمل، وصفين، والنهروان، التي استنزفت طاقاته وموارده وأعاقت مشروعه الإصلاحي.
لقد كان هدفه (ع) فضلاً عن حماية الدين وصيانة شريعته، وما هو مُناط به من واجبات الإمامة الإلهية كان هدفه أيضاً نشر العدل والمساواة، وإزالة المظالم، وتطبيق الشريعة بصرامة دون تمييز، ولكن هذه الرؤية لم يتمكن من تطبيقها كلها بسبب الفتن الداخلية ومقاومة بعض الفئات والأحزاب.
لقد واجه الإمام (ع) كل هذه الأحداث بروح الصبر والثبات، وتمكن أن يجسِّد المُثُل العليا في أنقى صورها عندما كانت تُتاح له الفرصة لذلك، وعندما كانت تواجهه العقبات ويقاوم إصلاحاته المتنفِّذون والنفعيون كان يواجههم بعدله وإنصافه، وشجاعته وأنفَته، وجرأته في إقامة العدل والقسط، وإجراء الحدود، لا تأخذه في الله لومةُ لائم.
فمن المُهِمِّ لنا أن نستلهم العِبَر من الإمام (ع) في الصبر على المصاعب ومواجهة التحديات بثبات ورباطة جأش، فالقيادة الناجحة تتطلب القدرة على التَّحَمُّل والثبات أمام الأزمات، وأن يبقى التغيير الذي ننشده هدفاً لنا، ومتى لاحت الفرصة لذلك اغتنمناها، وليس لنا أن نستسلم للواقع مهما كان معقَّداً، أو صعباً، ولا نستسلم للتحديات مهما كانت قاسية، فالحياة مليئة بالتحديات، وأن نتعلَّم من تجرِبته (ع) قوة الإرادة وعدم التفريط بالمبادئ في سبيل تحقيق التقدم، ويمكننا تطبيق هذا في كافة المجالات، بدءًا من الإدارة لشؤون المجتمع والوطن والأمة، وحتى الشؤون الشخصية البحتة.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
.........
انتهى/ 278