وفقا لما أفادته وكالة أنباء أهل البيت (ع) الدولية ــ أبنا ــ رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "لَوْ جَرَتِ الْأَرْزاقُ بِالأْلبابِ وَالْعُقُولِ لَمْ تَعِشِ الْبَهائِمُ وَالْحَمْقى".
تحمل هذه الجوهرة الكريمة في طياتها مفهوماً عميقاً عن عدل الله تعالى وحكمته في توزيع الأرزاق على خلقه في الحياة الدنيا.
وتبرهن على أن الله سبحانه وتعالى قد قسّم الأرزاق بين خلقه بحكمة بالغة، ولم يجعل حصول الرزق مرتبطاً فقط بذكاء أو حكمة الشخص وسعيه، فهذا وإن كانت أسباباً وجيهة للتوفيق والرزق، ولكنها ليست عِلَّة تامة له، ومعنى العلة التامة أنها إذا حدثت فمن المؤكد أن يحدث معلولها، ومن المعلوم وجداناً أن الكثير الكثير من العلماء والفلاسفة والعباقرة والمبدعين والكادحين والمُجِدِّين والسّاعين نجدهم فقراء، أومُضيَّقاً عليهم في الرِّزق المادي المالي.
وفي المقابل نجد بعض الناس مُوَسَّعاً عليه بالمال رغم أنهم أميِّون، وبعضهم قد لا يجيد إلا القليل من الأعمال، أو التواصل مع الناس، نجد في بعض الأحيان أشخاصاً يكدحون طوال حياتهم، بينما يظل رزقهم محدوداً، في حين يحصل آخرون على رزق وفير بأقل جهد، مِمّا يؤكد أن الرزق يُمنح من الله وفق مشيئته وحكمته.
الرزق ليس حِكراً على أصحاب العقول، بل هو بيد الله يُعطيه لمن يشاء، الحيوانات على سبيل المثال، ليست لها قدرات عقلية كبيرة، ومع ذلك تجد طعامها ومأواها، هذا يؤكد أن الله قد ضمن الرزق لكل مخلوقاته.
يقول تعالى: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴿6/ هود﴾ هذه الدواب -وكل ما تحرك على الأرض فهو دابة من إنسان وحيوان وزاحفة وهامّة- ما من دابة من هذه الدواب التي تملأ وجه البسيطة، و تكمن في باطنها، وتخفى في دروبها ومساربها، ما من دابة من هذه الدواب التي لا يحيط بها حصر ولا يكاد يلم بها إحصاء، إلا وعلى الله رزقها، وهو يعلم أين تستقر وأين تكمن، ومن أين تجيء وأين تذهب، وكل فرد من أفرادها أوجب الله الرحيم على نفسه مختاراً أن يرزقه.
فأودع هذه الأرض القدرة على تلبية حاجات هذه المخلوقات جميعاً، وأودع هذه المخلوقات القدرة على الحصول على رزقها من هذا المودَع في الأرض في صورة من صوره، و هذه هي الصورة اللائقة بحكمة الله و رحمته في خلق الكون على الصورة التي خلقه بها، و خلق هذه المخلوقات بالاستعدادات والمقدَّرات التي أوتيتها، وبخاصة الإنسان الذي استُخْلِفَ في الأرض، وأوتِيَ القدرة على التحليل والتركيب، وعلى الإنتاج والإنماء، وعلى تعديل وجه الأرض، وعلى تطوير أوضاع الحياة، فهو يسعى لتحصيل الرزق الذي لا يخلقه هو خلقاً، وإنما ينشئه مما هو مذخور في هذا الكون من قوى وطاقات أودعها الله، بمساعدة النواميس الكونية الإلهية التي تجعل هذا الكون يعطي مدخراته وأقواته لكافة الأحياء.
يبقى أن نسأل عن الحكمة الإلهية في توزيع الرزق كما جاء في كلام الإمام أمير المؤمنين (ع)، ولم يجعل الأرزاق موزَّعة حسب العقل والفكر والكفاءة؟
والجواب بسيط: إن الله بحكمته البالِغة، لم يجعل الأرزاق تُعطى لأصحاب العقول والألباب وحدهم، لأن ذلك لو حدث لن يتمكن الضُّعفاء أو الحَمقى أو حتى الحيوانات من العيش، ولأنه تعالى شاء أن يجعل الحياة متوازنة، وأن يعطي كل كائن رزقًا يكفيه.
إن طبيعة الحياة البشرية قائمة على أساس التفاوت بين الناس، فلو حصل كل فرد على ما يحصل عليه بقية الأفراد بالتمام والكمال لما أمكن أن تستقيم الحياة الإنسانية، ولبقيت أعمال كثيرة جداً لا تجد لها مقابلا من الكفايات، ولا تجد من يقوم بها، والله سبحانه وهو الرحمان الرحيم الذي خلق الحياة و أراد لها البقاء و النمو، خلق الكفايات والاستعدادات متفاوتة تفاوت الأدوار المطلوب أداؤها، وعلى أساس هذا التفاوت في الأدوار يتفاوت الرزق، وعلى أساسه تُمنَح الفُرَصُ لعدد من الناس، لتغلَق عنهم فُرَصٌ أخرى، وتُمنَعُ فُرَصٌ عن عدد منهم لِتُمنَحَ لهم فُرَصٌ أخرى.
والله تعالى كما ينوع القابليات والعطاءات والأرزاق، كذلك يخفض بعض الناس ويرفع بعضهم الآخر، ويوَسِّع على بعضهم، ويُضَيِّق على بعضهم الآخر، والحكمة في هذا التفاوت الملحوظ في جميع العصور، و جميع البيئات، وجميع المجتمعات هي: "لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا" أي ليكون بعضهم مُسَخّراً لخدمة بعضهم الآخر، والحياة دولاب يدور فتارة يكون هذا مُسَخَّراً لخدمة ذاك، وأخرى يكون ذاك مسخراً لخدمة هذا، فالمهندس يُسَخَّر لخدمة الطبيب يبني له منزله وعيادته، والطبيب يُسَخَّر لخدمة المهندس يعالجه ويداويه، وكلاهما يُسَخَّر الخبَّاز ليصنع لهما الخبز الذي يأكلانه، وهما يُسَخَّران له، والتسخير لا يعني الاستعلاء، استعلاء شخص على شخص، أو فئة على فئة، وكيف يستعلون وكل يحتاج إلى الكل، والكل مسخَّر لخدمة الكل، فالأيام تتُداوَل بينهم.
هذه هي القاعدة. وهي عين الرحمة الربانية بالإنسانية، لأن رحمة الله بها تقتضي أن يهيئ الله لها جميع الأسباب التي تتمكن بها من بلوغ كمالها المنشود. ولذلك توجَّه الله بهذا السؤال الاستنكاري التعجُّبي قائلاً: "أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ"، فالرِّزق مُوَزَّع بحكمة إلهية تراعي مصلحة كل مخلوق، وتجعل الحياة متوازنة ومليئة بالاختبارات.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
............
انتهى/ 278
تحمل هذه الجوهرة الكريمة في طياتها مفهوماً عميقاً عن عدل الله تعالى وحكمته في توزيع الأرزاق على خلقه في الحياة الدنيا.
وتبرهن على أن الله سبحانه وتعالى قد قسّم الأرزاق بين خلقه بحكمة بالغة، ولم يجعل حصول الرزق مرتبطاً فقط بذكاء أو حكمة الشخص وسعيه، فهذا وإن كانت أسباباً وجيهة للتوفيق والرزق، ولكنها ليست عِلَّة تامة له، ومعنى العلة التامة أنها إذا حدثت فمن المؤكد أن يحدث معلولها، ومن المعلوم وجداناً أن الكثير الكثير من العلماء والفلاسفة والعباقرة والمبدعين والكادحين والمُجِدِّين والسّاعين نجدهم فقراء، أومُضيَّقاً عليهم في الرِّزق المادي المالي.
وفي المقابل نجد بعض الناس مُوَسَّعاً عليه بالمال رغم أنهم أميِّون، وبعضهم قد لا يجيد إلا القليل من الأعمال، أو التواصل مع الناس، نجد في بعض الأحيان أشخاصاً يكدحون طوال حياتهم، بينما يظل رزقهم محدوداً، في حين يحصل آخرون على رزق وفير بأقل جهد، مِمّا يؤكد أن الرزق يُمنح من الله وفق مشيئته وحكمته.
الرزق ليس حِكراً على أصحاب العقول، بل هو بيد الله يُعطيه لمن يشاء، الحيوانات على سبيل المثال، ليست لها قدرات عقلية كبيرة، ومع ذلك تجد طعامها ومأواها، هذا يؤكد أن الله قد ضمن الرزق لكل مخلوقاته.
يقول تعالى: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴿6/ هود﴾ هذه الدواب -وكل ما تحرك على الأرض فهو دابة من إنسان وحيوان وزاحفة وهامّة- ما من دابة من هذه الدواب التي تملأ وجه البسيطة، و تكمن في باطنها، وتخفى في دروبها ومساربها، ما من دابة من هذه الدواب التي لا يحيط بها حصر ولا يكاد يلم بها إحصاء، إلا وعلى الله رزقها، وهو يعلم أين تستقر وأين تكمن، ومن أين تجيء وأين تذهب، وكل فرد من أفرادها أوجب الله الرحيم على نفسه مختاراً أن يرزقه.
فأودع هذه الأرض القدرة على تلبية حاجات هذه المخلوقات جميعاً، وأودع هذه المخلوقات القدرة على الحصول على رزقها من هذا المودَع في الأرض في صورة من صوره، و هذه هي الصورة اللائقة بحكمة الله و رحمته في خلق الكون على الصورة التي خلقه بها، و خلق هذه المخلوقات بالاستعدادات والمقدَّرات التي أوتيتها، وبخاصة الإنسان الذي استُخْلِفَ في الأرض، وأوتِيَ القدرة على التحليل والتركيب، وعلى الإنتاج والإنماء، وعلى تعديل وجه الأرض، وعلى تطوير أوضاع الحياة، فهو يسعى لتحصيل الرزق الذي لا يخلقه هو خلقاً، وإنما ينشئه مما هو مذخور في هذا الكون من قوى وطاقات أودعها الله، بمساعدة النواميس الكونية الإلهية التي تجعل هذا الكون يعطي مدخراته وأقواته لكافة الأحياء.
يبقى أن نسأل عن الحكمة الإلهية في توزيع الرزق كما جاء في كلام الإمام أمير المؤمنين (ع)، ولم يجعل الأرزاق موزَّعة حسب العقل والفكر والكفاءة؟
والجواب بسيط: إن الله بحكمته البالِغة، لم يجعل الأرزاق تُعطى لأصحاب العقول والألباب وحدهم، لأن ذلك لو حدث لن يتمكن الضُّعفاء أو الحَمقى أو حتى الحيوانات من العيش، ولأنه تعالى شاء أن يجعل الحياة متوازنة، وأن يعطي كل كائن رزقًا يكفيه.
إن طبيعة الحياة البشرية قائمة على أساس التفاوت بين الناس، فلو حصل كل فرد على ما يحصل عليه بقية الأفراد بالتمام والكمال لما أمكن أن تستقيم الحياة الإنسانية، ولبقيت أعمال كثيرة جداً لا تجد لها مقابلا من الكفايات، ولا تجد من يقوم بها، والله سبحانه وهو الرحمان الرحيم الذي خلق الحياة و أراد لها البقاء و النمو، خلق الكفايات والاستعدادات متفاوتة تفاوت الأدوار المطلوب أداؤها، وعلى أساس هذا التفاوت في الأدوار يتفاوت الرزق، وعلى أساسه تُمنَح الفُرَصُ لعدد من الناس، لتغلَق عنهم فُرَصٌ أخرى، وتُمنَعُ فُرَصٌ عن عدد منهم لِتُمنَحَ لهم فُرَصٌ أخرى.
والله تعالى كما ينوع القابليات والعطاءات والأرزاق، كذلك يخفض بعض الناس ويرفع بعضهم الآخر، ويوَسِّع على بعضهم، ويُضَيِّق على بعضهم الآخر، والحكمة في هذا التفاوت الملحوظ في جميع العصور، و جميع البيئات، وجميع المجتمعات هي: "لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا" أي ليكون بعضهم مُسَخّراً لخدمة بعضهم الآخر، والحياة دولاب يدور فتارة يكون هذا مُسَخَّراً لخدمة ذاك، وأخرى يكون ذاك مسخراً لخدمة هذا، فالمهندس يُسَخَّر لخدمة الطبيب يبني له منزله وعيادته، والطبيب يُسَخَّر لخدمة المهندس يعالجه ويداويه، وكلاهما يُسَخَّر الخبَّاز ليصنع لهما الخبز الذي يأكلانه، وهما يُسَخَّران له، والتسخير لا يعني الاستعلاء، استعلاء شخص على شخص، أو فئة على فئة، وكيف يستعلون وكل يحتاج إلى الكل، والكل مسخَّر لخدمة الكل، فالأيام تتُداوَل بينهم.
هذه هي القاعدة. وهي عين الرحمة الربانية بالإنسانية، لأن رحمة الله بها تقتضي أن يهيئ الله لها جميع الأسباب التي تتمكن بها من بلوغ كمالها المنشود. ولذلك توجَّه الله بهذا السؤال الاستنكاري التعجُّبي قائلاً: "أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ"، فالرِّزق مُوَزَّع بحكمة إلهية تراعي مصلحة كل مخلوق، وتجعل الحياة متوازنة ومليئة بالاختبارات.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
............
انتهى/ 278