فكان (عليه السلام) يرى أن خلق الله جميعهم متساوون في حق العيش بحرية وكرامة، وقوله لمالك الأشتر: “يا مالك إن الناس صنفان، إما أخ لك في الدّين أو نظير لك في الخلق”، ولعمري أن هذا أدق ميزان للسّلوك البشريّ ما حدا بـ(كوفي عنان) الأمين العام للأمم المتحدة الأسبق باقتراح أن تكون هناك مداولة قانونية حول (كتاب الإمام علي إلى مالك الأشتر)، وبعد مداولات مطولة، صوتت عليه الدول بأنه أحد مصادر التشريع الدوليّ.
في التالي يأتيكم نص الحوار مع سماحته:
من فضلكم قدموا نفسكم ونشاط المؤسسة التي تتحملون مسؤوليتها ومسؤوليتكم في الفاتيكان.
بالنسبة لمؤسستنا في لبنان، هي مؤسسة تتحرك من خلال الوعي الثقافي ونشر القيم
المشتركة بين الإسلام والمسيحية. اسمها "مركز حوار الأديان والثقافات".
هذا المركز الذي أطلقنا انطلاقته الأولى في طهران عام 2019 أثناء حضورنا بمؤتمر
الوحدة الإسلامية في الجمهورية الإسلامية المباركة في إيران، ووجدنا إن من جمال
الله وفيضه في خلقه ومن خلال مؤتمر الوحدة الإسلامي الذي ينعقد سنوياً في طهران
كان من اللازم علينا ان نعمل في لبنان على نقل هذه التجربة المباركة من إيران إلى أرض
واقعنا في لبنان خاصة أن لبنان هو بلد الفسيفساء الجميلة، بلد التعددية على مستوى
الأديان والمذاهب والملل. من هنا أطلقنا اسم مركزنا "مركز حوار الأديان
والثقافات"؛ ليضم كوكبتاً من أهل الفكر والقلم ورجال الدين من كل الطوائف والمذاهب
همهم الوحيد هو بالعمل الدؤوب على تكريس القيم المشتركة بين الإسلام والمسيحية
وبين المسلمين أنفسهم والعمل على تعزيز المشتركات انطلاقا من قول الله سبحانه
وتعالى: " قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا
إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ".
وفي هذا الصدد، كان للمركز تجربة أخرى إنه في الفاتيكان تم
اختيار مجموعة من أعضاء المسلمين؛ ليكونوا نواة تأسيسية للعمل المشترك على مستوى الحوار
من خلال اسم القديسة العذراء مريم التي هي العنوان الجامع بين الإسلام والمسيحية،
وقد خصها القرآن الكريم بسورةٍ كاملةٍ في الكتاب العزيز اسمها سورة مريم؛ فلهذا
كان لنا شرف أن ننتسب من خلال اختيارنا مع مجموعة أخرى من علماء المسلمين من سنة
وشيعة ودروز وأيضا من كل التيارات والاتجاهات المسيحية؛ لنكون أعضاء في هيئة
العالمية الإسلامية – المسيحية في الفاتيكان التي عنوانها القديسة العذراء مريم
والعمل الدؤوب على القواسم المشتركة والقیم التي توّحد الأديان والرسالات
السماوية.
حسب المكانة والصلات التي لديكم، بأي طريقة وإلى أي مدى مستوى المعرفة والألفة والاهتمام لدى أتباع الديانات المختلفة مع حضرات الأئمة المعصومين عليهم السلام؟
إنّ أئمة أهل البيت
مصابيح الدجى ومختلف الملائكة الذين بهم فتح الله، وبهم يختم. أولهم محمد، وأوسطهم
محمد، وآخرهم محمد، وكلهم محمد اللهم صلى على محمد وآل محمد. هم الاسم الجامع على
مستوى بناء القيم في أرجاء المعمورة وعالم الوجود، لهذا عندما نتأمل في حضرات أهل
البيت عليهم السلام، وعندما نتأمل في أسمائهم وأدوارهم ومشروعهم وأهدافهم، وعندما
نتطلع إلى الآخر الذي يفتش عن سيرتهم ويفتش عن علومهم المعرفية نجد إن من أسماء
أهل البيت بأجمعهم من هم متلألؤون في أرجاء الديانات والملل المتعددة. ها هو
الحسين الشهيد الذي كان جامعاً في ثورته للقيم الإنسانية جمعاء، ها هو الحسين
الشهيد في ثورته التي ضمت مجموعتا من الموالين والمحبين والذين كانوا مناوئين وفي
اللحظات الأخيرة عادوا إلى معسكر الحسين عندما سمعوا "ألا هَلْ مِنْ ناصِرٍ یَنْصُرُنا، ألا هَلْ مِنْ ذَابٍّ يَذُبُّ عَنْ حَرَمِ الرسالة" فلكل التحق
بالحسين. فكما يذكر المؤرخون أن حوالي سبعة عشر
رجلاً كان نصرانياً، فالتحق بمعسكر الحسين في كربلاء. عندما نستقرئ سيرة أهل البيت، سيرة
أئمة الهدى ومصابيح الدجى، ومنهم مولانا الإمام عالم آل محمد أبا الحسن الرضا سلام
الله تعالى عليه، فهذا الإمام الذي شكّل بحضور فسيفساء جميلة على مستوى حوار الأديان
وحوار الملل والمذاهب المتعددة التي انطلق من خلالها في تكريس القيم المشتركة بين
جميع الأديان الذين حاورهم وناقشهم من الصابئة وغيرهم من أصحاب الديانات المتعددة
الذين كان هدفه أن يلمّ شملهم، ويكرس منظومة القيم ويثير دفائن العقول عندهم. بهذا
من يقراء أهل البيت سلام الله تعالى عليهم ومن يقراء شخصياتهم يجدهم إنهم الجامعون، وإنهم الخط الإسلامي والمنهج
المعتدل في أرجاء المعمورة؛ ولهذا تجد من المسيحيين ومن غيرهم من يفتشون عن أهل
البيت في كنوزهم المعرفية وفي أخلاقهم وآدابهم وقيمهم الجامعة.
باعتبار أننا على أعتاب أيام الغدير ، ما هو مستوى معرفة أتباع المذاهب والأديان بشخصية أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وتعاليمه؟
ينطلقون في فهم علي عليه السلام من خلال كلامات الإمام أمير المؤمنين: "الناس صنفان: إما
أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق". شكلت هذه المقولة الشريفة لأمير
المؤمنين منظومة كاملة على مساحة الأديان والملل. ها هم اليوم في أرجاء العالم
يفتشون عن علي في فكره، عن علي في قيمه، عن علي نهج بلاغته الذي شكل على مساحة
الكرة الأرضية حضوراً وجاذبية وفي أقصى البلاد والعباد.
حتى أن أمير المؤمنين في عهده لمالك الأشتر شكل منظومة كاملة في الأمم المتحدة
الذين دونوا كلمات أمير المؤمنين في عهده لمالك في مركز الأمم المتحدة في هذا
العالم. عندما نفتش في علي عليه السلام نجده حاضراً في شخصياتهم، نجده حاضراً في
كلماتهم وفي مقولاتهم وفي تعابيرهم؛ لأن علياً سلام الله تعالى عليه كما يعبر
مولانا الإمام الرضا سلام الله تعالى عليه في حديث السلسلة الذهبية: "كلمة
لا إله إلا الله حصني فمن دخل حصني أمِنَ من عذابي ولكن بشرطها وشروطها وأنا
شروطها". عندما يشير مولانا أبوالحسن الرضا سلام الله عليه إلى الشرط
والشروط في شخصية أمير المؤمنين وآل البيت عليهم السلام يعني إنهم يشكلون بمجموعهم
هذه السلسلة الكاملة المتكاملة بأهدافها وأدوارها وسننها وقيمها، وشكل علي الولاية
هو المحور على مستوى قطب عالم الوجود؛ لهذا تجدون وتتأملون وتشاهدون في هذا العالم
الكل يتحدث عن علي وشخصيته في العالم، عن علي عليه السلام الشخصية الاستثنائية في
هذا العالم، عن علي الذي لم يوفق للحكم إلى خمس سنوات وبل أقل بأشهر. هذا الحكم
الذي تجسد في شخصية علي شكل منظومة كاملة متكاملة على مساحة الأديان والملل والنحل
والمذاهب المتعددة؛ لأنه صدر من موقع الحاكم الإسلامي والقائد الاستثنائي، هذا هو
عليٌ نجده كما يأتي أخوه عقيل يطلب شيء من بيت مال المسلمين وهو المستحق لهذا
المال، فكان يقول له حيث يحمي حديدة ويقدمها من جسد أخيه لعله يعتبر بها، يقول له
: "أَتَئِنُّ مِنَ الأذَى وَلاَ أَئِنُّ مِنْ لَظًى؟!".
هكذا شكل علي المحورية على مساحة عالم الوجود من خلال القيادة
الاستثنائية والقيادة الفريدة، أيضاً نجده شكل المحور الفريد على مستوى ثقافة
الخلاف مع الآخر، عندما سمع بعض أصحابه يشتمون ويسبون جيش معاوية بن أبي سفيان،
وكلنا يعلم من هو معاوية، هو أول من سن سنة السب على منابر المسلمين لأمير
المؤمنين، على منابر خطب الجمعة. الكل كان يشتم علي ويسب علي أمير المؤمنين عندما
سمع بعض أصحابه يسبون جيش معاوية بن أبي سفيان، كيف كرس في نفوسهم
منهجية المحاورة بمن نختلف معهم، قال لهم: إني أكره لكم أن تكونوا
سبابين، ولكنكم لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم كان أصوب في القول وأبلغ في العذر،
وقلتم مكان سبكم إياهم . اللهم أحقن دماءنا ودماءهم،
وأصلح ذات بيننا وبينهم، وكأني بأمير المؤمنين علي
عليه السلام يكرسُ أصلاً قرآنياً قاله تعالى في قرآنه المجيد: "وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا
اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ"، وكأني بأميرالمؤمنين يكرس قاعدة الاختلاف مع الآخر على المباني والمناهج
التي ينطلق من خلالها المختلَف مع المختلِف من خلال الموضوعية واحترام المختلَف
والنقد البناء لا النقد اللاذع ولا النقد البيزنطي الذي منهجه السفسطائية من أجل الشك ومن
أجل تكريس وزرع الفتن في الأمة .
نعلم جميعاً أنه في السنوات الماضية كان هناك الكثير من الدعاية السيئة ضد أتباع الديانة الشيعية ، مع كل هذا برأيكم ووفقاً لمعرفتكم بالدوائر الدولية والدينية في العالم والمنطقة ، كيف تقيمون مکانة وموقع الشيعة في العالم؟
لا شك ولاريب، إن الدعاية الإعلامية التي لعبت دوراً سلبياً من خلال سياسات الحرب
الناعمة التي كرست في وجه مذهب أهل البيت عليهم السلام وخاصة إن بعض الدراسات التي
نشرت مؤخراً من خلال الاستخبارات العالمية التي فتشت عن مواقع القوة عند المسلمين
عموماً وعند الشيعة خصوصاً نجدهم وصلوا في دراساتهم إلى ثلاث عوامل أساسية هي موجودة
عند الشيعة على مستوى القوة والبيان والحضور العالمي . النقطة الأولى في نظرهم
وبحسب دراساتهم القضية الحسينية سنة 61 للهجرة، فإنّها شكلت المحور الأساس للقوة
عند مذهب أهل البيت، النقطة الثانية القضية المهدوية بما تشكل بأدبياتنا ثقافة الانتظار
للإمام الموعود المهدي الثاني عشر عجل الله تعالى فرجه الشريف، الأمر الثالث
المرجعية الدينية الرشيدة، ولاية الفقية نموذجاً . لهذا دأبت الاستخبارات العالمية
على العمل الدؤوب من خلال بذل أموال باهظة بالميليارات الدولارات من أجل العمل على
مواجهة الشيعة في مواقع قوتهم؛ ولهذا تجدون حاولوا أن يثيروا بعض أضاليل والأكاذيب
وصنعوا بعض العمائم للأسف التي تفرق ولا تجمع العمائم التي أطلق عليها الإمام
الخامنئي "التشيع اللندني" أو البريطاني في مقابل التسنن الأمريكي . هذه
المحاولات الدؤوبة التي حاولت أن تصنع أكاذيب وأضاليل حول الثورة الحسينية وحاول
البعض أن يحرف مسار الثورة الحسينية عن مبادئها القويمة والأصيلة، كل هذا بفضل
الأموال الباهظة التي دفعت في هذا العالم مقابل تضعيف مذهب أهل البيت.
انظروا وتأملوا في بعض الدعايات تجاه القضية المهدوية تجدون
فلان يدعي اليماني، وفلان يدعي إنه المنتظر، أو فلان يدعي كذا وكذا، كل هذا بدعمٍ
خارجي من أجل إيجاد شخصيات جاذبة موهومة تضلل وتضعف المذهب الشيعي، فضلا عن
الدعايات المتعددة لإثارة الفتنة بين المرجعيات الدينية الرشيدة والعمل الدؤوب من
خلال إسقاط هوية ولاية الفقيه هذه النظرية الإلهية المباركة، النظرية التاريخية
الفقهية الاستثنائية في الأمة التي حفظت الجمهورية الإسلامية الإيرانية وقدمت
نموذجا رائعا على مستوى العالم الإسلامي، لهذا وجدوها قوة وإحدى مواقع القوة عند
الشيعة وبذلوا جهدهم من أجل تضعيف إيران وتضعيف المشروع الإسلامي في إيران من خلال
الإعلام الكاذب والإعلام المضلل وحاولوأ مراراً وتكراراً لكنهم فشلوا؛ لهذا نقول
الشيعة اليوم ببركة مذهب أهل البيت سلام الله تعالى عليهم، والفكر المعتدل، والفكر
القويم الذي يشكل حلقة وصل بين الشرق والغرب، هذا اليوم والذي نجده متمثلا في دولة
إيران الإسلامية، هذه الجمهورية الفريدة في نوعها التي تقدم في السياسة والإجتماع
والإقتصاد والعلم أروع البطولات وهذا دال وهو يدل على أن هذا المذهب الشيعي
الموجود على رأس السلطة الإيرانية إنما يشكل عنواناً رئيسياً من عناوين الحضارة
ومن عناوين المواجهة للمشروع الإستكباري في هذا العالم على حد تعبير الإمام
الخميني رضوان الله تعالى عليه؛ لهذا نقول
إن الشيعة اليوم يشكلون الحلقة الوسطية في هذا العالم وينطلقون من خلال مبدأ أهل
البيت المعتدل، المبدأ الذي يعمل على تكريس الإيجابية بين جميع المكونات، المبدأ
الذي لا يكفر ولايضللوا آخر، بل يدعوا دائماً إلى لغة الحوار وإلى لغة التواصل
وإلى لغة الإنفتاح على الآخر.
ما هي برأيكم أهم الإستراتيجيات لنشر وترويج تعاليم أهل البيت (ع) وخاصة التعاليم العلوية وتعاليم الكتب مثل نهج البلاغة بين الأديان والطوائف المختلفة
هذا يعود إلى دور المؤسسات التخصصية من قبيل المجمع
العالمي لأهل البيت عليهم السلام ومن قبيل غيره من المجاميع العالمية التي هي
موجودة اليوم في الجمهورية الإسلامية وفي العراق وفي لبنان وفي أكثر من بلد إسلامي
. هذه المجاميع التي تعمل على تعزيز الكتابات المتواصلة للقيم المشتركة من خلال
تأصيلها في الكتب السماوية والرسالات الإلهية ومحاولة العمل على إسقاط المفاهيم
والقيم العامة الشاملة على واقعنا المعاصر من قبيل مثلا أن نسقط مفردة يزيد على
المشروع الاستكباري والمشروع الصهيوني، وأن نسقط مشروع أولئك الذين التحقوا بمعسكر
الحسين أنهم المناصرون للحق والمناصرون للمشروع المقاوم . بهذا أعتقد في نظري أن
العمل الدؤوب من خلال هذه المؤسسات ينطلق في ثلاثة اتجاهات، الاتجاه الأول هو
تعزيز الجانب المعرفي من خلال البنائات العقلية، وما أحوجنا اليوم إلي لغة العقل
على مستوى الكتابة والتأليف، وعلى مستوى الجمع بين المؤلفات التي تكتب بين المذاهب
والفرق والأديان والرسالات والثقافات المتعددة . فالعنوان الأول هو العنوان
المعرفي القائم على أساس العقل حيث ورد في الخبر الشريف والحديث القدسي عن الله
تبارك وتعالى: " لَمَّا خَلَقَ اَللَّهُ
اَلْعَقْلَ اِسْتَنْطَقَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ أَقْبِلْ فَأَقْبَلَ ثُمَّ قَالَ لَهُ
أَدْبِرْ فَأَدْبَرَ ثُمَّ قَالَ وَ عِزَّتِي وَ جَلاَلِي مَا خَلَقْتُ خَلْقاً هُوَ
أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْكَ وَ لاَ أَكْمَلْتُكَ إِلاَّ فِيمَنْ أُحِبُّ أَمَا إِنِّي إِيَّاكَ
آمُرُ وَ إِيَّاكَ أَنْهَى وَ إِيَّاكَ أُعَاقِبُ وَ إِيَّاكَ أُثِيبُ". ربنا تعالى يقول في قرآنه: وما خلقت الجن والإنس إلا
ليعبدون، إمامنا الصادق سلام الله عليه
يقول إلى ليعرفون إلى ليعقلون، فالبناء الأول الذي ينبغي أن تقوم عليه هذه
المؤسسات هو البناء المعرفي الذي يدور مدار العقل؛ ليحاكي الاتجاهات
الأخرى من خلال محاكاة العقل خاصة أننا اليوم في ظل سياسات حرب ناعمة تنتشر من
خلال بث الأضاليل والأكاذيب والعمل على إسقاط القدوة وإسقاط المشروع وتفكيك الأسرة
وتفكيك الجوانب التعليمية، فالمنهج المعرفي الذي يقوم على أساس العقل يعمل على قرض
كل هذه الأوهام والأضاليل ويصنع ثقافة متجددةً على مستوى بناء القيم وعلى مستوى
تكريس المنظومة التي تحاكي العقول الإنسانية، أيضاً اليوم في واقعنا المعاصر
محاولة تأييد عنصر الإلحاد في المجتمعات الإسلامية والعربية، عندما نتأمل مثلا
الإلحاد الذي ينتشر هنا وهناك كيف نواجه؟ لا بد أن يواجه من خلال الثقافة المعرفية
القائمة على ميزان العقل، عندما تحاكي العقل بالعقل سوف تنتصر وتحقق الإنجازات
الكبرى مستوى بناء القيم في مواجهة ثقافة الإلحاد وطفرة الإلحاد التي تنتشر اليوم في
أرجاء الواقع المعاصر . الأمر الثاني هو الجانب العاطفي، تكريس الجانب الوجداني
والعاطفي من خلال البناء المعرفي لمنظومة ما يكتب وما يؤلف وما يحقق وما يدرس في
عالمنا وواقعنا؛ لأننا كما نحتاج إلى العقل نحتاج إلى الوجدان نحتاج إلى العاطفة، فالعاطفة
التي توجه بشكل صحيح لا العاطفة الجياشة التي تخرجنا عن إطار العقل وإطار الفهم
والوعي، بل العاطفة التي نتحرك من خلالها لإيصال الفكرة، وهذا ما يمكن أن يكون من
خلال إبرازنا لمظلومية أهل البيت سلام الله عليهم عندما نشحن الجانب العاطفي
والوجداني، ونكرس أن هذا الوجدان الصحيح الذي جرى مع مظلومية آل محمد والذي يتجدد،
والتاريخ يعيد نفسه بنفسه كما يحصل الآن في فلسطين وفي جنين وفي غزة وفي الأقصى
الشريف، وما حصل في اليمن الجريح، وما يحصل في البحرين. عندما نكرس هذا الجانب
الوجداني ونجعله ثقافة مستدامة في واقعنا المعاصر إنما نكرس ثقافة معرفية بنائية
للمنظومة القيمية الشاملة . الأمر الثالث هو الجانب السلوكي وهذا الجانب السلوكي
على مستوى البناء المعرفي لا يكون من خلال العقل والعاطفة والوجدان، عندما ندمج
بين العقل والوجدان نصنع سلوكاً حياً، سلوكاً حاضراً في المجتمع الإنساني وهذا ما
ينبغي أن نبرزه من خلال ثقافة وتعاليم أهل البيت سلام الله تعالى عليهم، ثقافة
وتعاليم أمير المؤمنين الذي أدبنا بأدب الاختلاف مع الآخر، وأدبنا بأدب الحوار مع
الآخر، وأدبنا بأدب التواصل مع المختلَف الذي نختلف معه، عندما تجتمع هذه العناوين
الثلاثة، العقل والوجدان والسلوك تنتصر المنظومة القيمية التي ننطلق من خلالها
مدرسة أهل البيت عليهم السلام.
عند المفكرين المسيحيين نعرف الكاتب والباحث مثل جورج جرداق. في عصر الحديث ، من بين الأساتذة والمفكرين غير الإسلاميين ، هل هناك من يهتم بشخصية وتعاليم أمير المؤمنين أو حضرات المعصومين عليهم السلام مثل جورج جرداق؟
هناك شخصيات كثيرة في عالمنا العربي والإسلامي، من لبنان نموذجاً. نعم، جورج جرداق
شكل مفصلا مهماً على مستوى ما قدمه في حق أمير المؤمنين وحضرة المعصومين سلام الله
عليهم أجمعين، أيضاً عندما نتأمل في بولس سلامة وما كتبه بولس سلامة في حق مولانا
أمير المؤمنين سلام الله تعالى عليه، اليوم من المعاصرين عندما نقرأ شخصية جورج
خضر المطران المقاوم، المطران الشجاع الذي يشكل حلقة فاصلة على مستوى القيم
المشتركة في لبنان، هذا الذي كان إلى جانب إمام الوطن والمقاومة السيد موسى الصدر،
وحضرا سوياً على مستوى الفكر والقيم، وحاضرا في الكنائس والأماكن الدينية المتعددة،
وشكلا واقعاً قيمياً مشتركاً على مستوى الأديان والمذاهب والملل متعددة . نعم، من
الشخصيات المسيحية هناك الكثير اليوم، وموجودون في عالمنا المعاصر، ويشكلون حلقة
وصلٍ على مستوى الفكر وعلى مستوى القيم، ونحن بشكلٍ دائم نجتمع معهم، ونتحدث إليهم،
ونتحاور معهم في شؤون شتى. وأعتقد من الضروري العمل على تكريس دور أمثال هكذا
شخصيات موجودة في عالمنا العربي والإسلامي ولبنان نموذجاً، ولا يكون ذلك إلى من
خلال التواصل الدائم والانفتاح المتواصل مع هذه الشخصيات التي تجمع ولا تفرق.
برأيكم ، من أجل تقوية أتباع دين أهل البيت في العالم ، ما هي الإجراءات التي يجب أن تتخذها المراكز والمؤسسات الإسلامية التابعة للمدرسة الشيعية ، مثل المجمع العالمي لأهل البيت و تضعها على جدول أعمالها؟
نصيحتنا التي نقدمها لهذه المنظمات والجمعيات والمجامع الشيعية في واقعنا المعاصر
هو العمل الدؤوب للخروج من النظرية إلى التطبيق، بمعنى أنه دائما نتحدث وكأن
الحديث فقط في لغة الصالونات. بنظري أعتقد أنه لا بد لنا من الخروج إلى الواقع من
خلال المؤتمرات التي تجمع هذه الشخصيات ومن خلال ورش العمل المستدامة التي تجمع هذه
الشخصيات والتي تعرف هذه الشخصيات بالقيم التي انطلق من خلالها أهل البيت سلام
الله تعالى عليهم، وأعتقد إن الجمهورية الإسلامية قدمت سابقا عدة نماذج من خلال
عدة رحلات من مجموعة من الشخصيات السنية ومجموعة من الشخصيات مسيحية ومن مذاهب
وملل متعددة زاروا الجمهورية الإسلامية المباركة.
ما نؤكده على هذه المجامع العالمية كمجمع أهل البيت عليهم السلام أن يكرس ثقافة الحوار والتواصل مع هذه الشخصيات، وأن يعملوا على جعل مؤتمر سنوي من قبيل المؤتمر الوحدة الإسلامية؛ ليكون هناك مؤتمر سنوي لحوار الأديان وهذا المؤتمر للأديان ينبغي أن يتنقل في البلدان لا أن يكون محصوراً في بلدٍ محدد. ومن الضروري أيضاً العمل الدؤوب على اختيار مجمع تخصصي للحوار بين الأديان خاصة أننا اليوم نعيش إشكالية كبرى فيما يسمى الحوار بين الأديان؛ لأن هذا المصطلح يحمل أوجه، من أهمية هذا المصطلح كالسكين إما نستفيده في خدمة البشرية وبناء المنظومة القيمية أو أن نستفيد منه في تدمير المجتمع، اليوم مثلا ما يروج إلى ما يسمى الديانة الإبراهيمية، هذا الترويج لهذه الديانة الإبراهيمية التي يعملون على ما يسمى بجمع الرسالات السماوية في مجمعٍ واحد كله من أجل قضية التطبيع مع الكيان الإسرائيلي الغاصب للأرض والمقدسات، هذا شكلاً من أشكال الحوار بين الأديان الذي يفرق ولا يجمع، عندما يعملون على جمع مجمعٍ متخصصٍ بهم يكون فيه المسجد والكنيسة ومكان المخصوص بعبادة اليهود والكل يجتمع في ذلك المكان كل هذا من أجل تمهيد الدول العربية والدول الإسلامية للتطبيع الثقافي والتطبيع الفكري مع الكيان الإسرائيلي المؤقت الذي احتل أرضنا ومقدساتنا وإنساننا، وكأن أصحاب هذه الدعوة الإبراهيمة أو الإبراهيمية أنهم ينطلقون بهذه الدعوة ونسوا إن فلسطين تجزر اليوم، ونسوا إن فلسطين يقتل أطفالها، ونساءها يشردن على الطرقات والعدو الإسرائيلي كما حصل في هجمته الاخيرة على جنين، وقبلها على غزة هاشم، حيث اعتدوا على البيوت كل البيوت، اعتدوا على الآمنين في فلسطين، ونسوا إن القضية الفلسطينية يحتلها دنس ذلك العدو الإسرائيلي المتغطرس الذي جيء به من أصقاع العالم من خلال مؤامرات عالمية جعلت الوطن القومية في فلسطين، لهذا أقول أن من أهم أولويات للمجامع العالمية الشيعية اليوم يجب الفصل الحقيقي لمعنى الحوار بين الأديان ويجب البيان الحقيقي والتطبيق الحقيقي للحوار بين الأديان، وأن نخرجه من الطاولات من الصالونات ومن الطاولات النظرية إلى الواقع العملي. قبل أيام تحدثت في مؤتمرٍ في موزابتاميا شمال شرق سوريا وقدمت رسالة مركز حوار الأديان والثقافات، واليوم أُكررها من وعلى منبركم لأقول كما دعوت هنالك المسلمين والمسيحين والزردشتية والإيزدية في منطقة موزابتاميا، قلت لهم أنا أدعوا باسم مركزنا في لبنان وباسم بيروت عاصمة الثقافة وعاصمة المقاومة إلى المقاومة المستدامة من أجل عودة الأقصى ومن أجل بقاء الأقصى بأيدي هؤلاء المسلمين والمسيحين والعرب والأتراك، وكل المكونات العالمية التي ينبغي أن تجتمع تحت المحور الممانع من أجل عودة فلسطين إلى أهلها وأرضها وناسها، لهذا أقول في رسالتي الأخيرة إلى مجمع أهل البيت عليهم السلام، أنتم المجمع الذي يعول عليه في تكرس ثقافة الإنفتاح التي أرادها أهل البيت وفي تكريس ثقافة المختلَف التي أرادها أهل البيت، نعول على دوركم، نعول على الجمهورية الإسلامية المظفرة في إيران التي تشكل اليوم قطب الرحى في عالمنا العربي والإسلامي وتشكل بسياساتها الداخلية والخارجية العنوان الفصل لبناء منظومة القيم ولبناء الإنسانية جمعاء تمهيداً لدولة الحق دولة الإمام صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى الشريف .
أخيراً أقول، من لبنان عاصمة الثقافة، من بيروت عاصمة المقاومة والجهاد، من لبنان عاصمة الإمام القائد السيد موسى الصدر، من لبنان السيد حسن نصرالله، من لبنان المقاومة، من لبنان الوعي والبصيرةـ أقول لكم: هولاء الشيعة في لبنان كانوا ثلة قليلة ببركة التوكل على الله وببركة الانتماء إلى خط أهل البيت المعتدل عليهم السلام شكلت هذه الثلة القليلة التي ابتدأت مقاومتها في سبعينيات القرن الماضي، وتواصلت عملها الجهادي حتى أصبحت اليوم المقاومة في لبنان هي نبراس الحقيقة الصادعة، وشكلت المقاومة توازن رُعب في وجه المحتل الإسرائيلي، وباتت تشكل اليوم منظومة المقاومة في لبنان هو الخط الدفاعي الأول عن المحور الممانع في هذا العالم . هذا كله بعد بركة الله يكون ببركة الدعم الدؤوب من الجمهورية الإسلامية المباركة التي شكلت عنواناً جامعاً للمقاومة وتحرير فلسطين وبناء القيم المشتركة بين الأديان والمذاهب.