وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : ابنا
الأحد

٢٥ يونيو ٢٠٢٣

٥:١٤:٥٨ ص
1375168

إن الصداقة حاجة إنسانية ضرورية، إذ يحتاج الإنسان إلى مَن يشاركه الحياة في همومه وشجونه، وفي أفراحه وأتراحه، ويحتاج إلى من يبثُّ إليه همومه، ويأنس به، ويسامره، ويقدم له النُّصح والمشورة.

وفقا لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء ــ ابنا ــ رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "تَمَسَّكْ بِكُلِّ صَديقٍ أَفادَكَ فِي الشِّدَّةِ".

ولا يستغني عن الصداقة والأصدقاء إلا شخصٌ عاش في عُزلَة عن الناس منذ نشأته الأولى حتى ارتحاله عن دار الدنيا، وذلك لا يكون، وإن كان فهو نادر الوجود، فعلاقة الإنسان بالناس ضرورة إنسانية وحياتية، من يَعِشْ في مجتمع لا يمكنه أن يقطع علاقاته بأفراده أو ببعض أفراده، فينشأ من ذلك صداقات بين الأفراد، الذين تتشاكل نفوسُهم وأرواحُهم وتتوافق أفكارهم وأهواؤهم، ولو ألقينا نظرة سريعة إلى المجتمعات الإنسانية لوجدناها قائمة على روابط الرحم والدم والأخُوَّة والصداقة.

فالصداقة حاجة إنسانية ضرورية، إذ يحتاج الإنسان إلى مَن يشاركه الحياة في همومه وشجونه، وفي أفراحه وأتراحه، ويحتاج إلى من يبثُّ إليه همومه، ويأنس به، ويسامره، ويقدم له النُّصح والمشورة، وبكلمة أخرى: كل إنسان يحتاج إلى من يستكمل به إنسانيته ويعيش بمساعدته حياة سعيدة آمنة مطمئنة.

وحين نطالع النصوص الشريفة نجدها تحُثُّ على اتخاذ الأصدقاء والاستزادة منهم، وتعتبر ذلك من النِّعَم الإلهية على الإنسان، فقد رُوِيَ عن الإمام أمير المؤمنين (ع) أنه قال: "الصَّدِيقُ أفضلُ الذُّخرَينِ". والذُّخرُ هو ما يخبِّئُه الإنسان لوقت الحاجة، فمن يتخذ صديقاً فإنه يدَّخره لوقت يحتاج إليه فيه، وما من أحد إلا ويحتاج إلى صديق في يوم من الأيام، صديق يسامره، أو ينصحه، أو يعينه، أو يدفع عنه، وقال (ع): "مَنْ لا صَدِيقَ لَهُ لا ذُخرَ لَهُ".

وتؤكد الروايات من جهة أخرى على ضرورة أن يختار المَرءُ صديقاً صدوقاً مؤمناً صالحاً، فإن الصديق يتأثَّر بطباع وأخلاق صديقه، وقد قال رسول الله (ص) "المَرْءُ عَلى دِينِ خَلِيلِهِ، فَليَنظُرْ أحَدُكُم مَن يُخالِلُ" وتؤكد الروايات الشريفة على اتخاذ الصِّديق المتوافق مع المَرء من حيث طباعه وتفكيره ودينه وسلوكياته، فقد جاء عن الإمام أمير المؤمنين (ع) أنه قال: "الصَّاحِبُ كالرُّقعَةِ فَاتَّخِذْهُ مُشاكِلاً، الرَّفيقُ كالصَّدِيقِ فَاختَرْهُ مُوافِقاً".

وتؤكِّدُ الروايات أيضاً على ضرورة اختبار الشخص قبل مصادقته، فليس كل شخص جدير بأن يُتَّخَذَ صديقاً، فقد يُسْلِمك عند نكبتك، وقد يتركك في أزماتك وأنت أحوج ما تكون إليه، وقد يؤثِّر فيك، فإن كان من أهل السُّوء سَلَك بك مُسالك السُّوء، فلا تصادق إلا بعد اختبار وامتحان، فقد رُوِيَ عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: "مَن غَضِبَ علَيكَ مِن إخوانِكَ ثلاثَ مَرَّاتٍ فلَم يَقُلْ فيكَ شَرّاً، فاتَّخِذْهُ لنفسِكَ صَدِيقاً" ورُوِيَ عنه أنه قال: "لا تُسَمِّ الرَّجُلَ صَدِيقاً سِمَةَ مَعرِفَةٍ حتّى تَختَبِرَهُ بثلاثٍ: تُغضِبُهُ فَتَنظُرُ غَضَبَهُ يُخرِجُهُ مِن الحَقِّ إلى الباطِلِ، وعندَ الدِّينارِ والدِّرهَمِ، وحتّى تُسافِرَ مَعهُ".

واعلم قارئي الكريم: إن الحياة تغربل الناس كلما تداولت أيامها كشفت حقيقتهم، وأظهرت بواطنهم، فهي مسرح اختبار دائم، كذلك تُغربل الأصدقاء، فمن صديقٍ تُظهِرُ الأزمات صِدقه ووفاءه، ومن صديقٍ تُظهِرُ الأزمات سوء طويته وخباثة نفسه ومرض قلبه، فأَعِدْ بين الفَينَة والفَينة تقويم صداقاتك، وانظر ماذا أفادتك، وماذا جلبت إليك، فإن رأيت الصدق في صديقك والثبات على صداقته رغم تغير الظروف وتبدل الأحوال ووقوفه معك في الشدائد والمُلمّات فتمسَّك به كما تتمسَّك بروحك، وإن وجدته يُسلمك عند النكبات، أو يقطع صداقته عند أول بادرة منك فأعرض عنه من غير أسف.
 
 بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
............
انتهى/ 278