وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : ابنا
الاثنين

١٣ مارس ٢٠٢٣

٤:٥٦:١٠ ص
1351960

كلمة الإمام علي (ع) في حقيقة الدنيا

رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "إِنَّ الدُّنْيا تُقْبِلُ إِقْبالَ الطّالِبِ، وتُدْبِرُ إِدْبارَ الْهارِبِ، وَتَصِلُ مُواصَلَةَ الْمَلُولِ، وَتُفارِقُ مُفارَقَةَ الْعَجُولِ"، وتعدّ هذه الرواية وصفاً بليغاً لحقيقة الدنيا، وشرحاً وافياً لعلاقتها بالإنسان.

وفقا لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء ـ ابنا ـ رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "إِنَّ الدُّنْيا تُقْبِلُ إِقْبالَ الطّالِبِ، وتُدْبِرُ إِدْبارَ الْهارِبِ، وَتَصِلُ مُواصَلَةَ الْمَلُولِ، وَتُفارِقُ مُفارَقَةَ الْعَجُولِ".

ونقلا عن إكنا، هذا وصف بليغ لحقيقة الدنيا، وبيان متين لطبيعتها، وشرح وافٍ لعلاقتها بالإنسان، حيث لا تتساوى النسبة بينهما، الإنسان طالب لها وهي المطلوب، يلهَث خلفها وهي تجري أمامه، يرغب فيها وهي تعمل به، يريدها كلها فلا تعطيه إلا بِقَدرِ ما تريد، يُصدِّقُها حين تعطيه القليل ويظن أنها أقبلت عليه فإذا بها تدبر عنه، يُقبِلَ عليها فتنفر منه، يخلص لها فتخونه، يعطيها كل حياته فتأخذها منه، يراهن أنها باقية له فإذا بها تقتله، فيا لحسرته على فَوتِها وقد مَنَّى نفسه بها، ويا لعظيم ندامته وقد أدبرت عنه.

"إِنَّ الدُّنْيا تُقْبِلُ إِقْبالَ الطّالِبِ" تُقبلُ عليك لا لتعطيك، بل لتأخذ منك، ولتأخذك أنت، وإن أعطتك أعطتك القليل الذي لا يُشبِعُك، بل يزيد في رغباتك، فأنت نَهِمٌ تريد كل شيء، تريد الدنيا بأسرها، تريدها أن تكون لك وحدك لا يشاركك فيها غيرك، ثم إن شئتَ أن تفتح يدك عن شيء منها تعطيه لغيرك فتعطيه القليل.

فاحذرها حين تُقبِلُ عليك، لعلها تستدرجك، تعامل معها بوعي، وإن قدرت ألّا تأخذ منها شيئاً فذا أفضل الخيارات، لأنك إن أخذت منها القليل طلبت منك الكثير، إن أعطتك القليل اجتذبتك إليها، ومن تجتذبه الدنيا تسلبه عقله، وراحته، وهدوءه، وأمانه النفسي، ألا ترى قارئ الكريم كيف ينشغل فكرك بقليل من المال تحوزه، إنك تحتار كيف تصنع به، وفي أي مشروع تستثمره، وكيف تحافظ عليه، وإن نقص منه القليل أتعبك وأحزنك؟!

هكذا الدنيا إن أقبلت إليك، تقبل إليك طالبة لا مُعطية، فأما إن أعرضت عنك فإنها "تُدْبِرُ إِدْبارَ الْهارِبِ" فكما يفرُّ الهارب منك سريعاً وبعيداً كذلك الدنيا تفرَّ عنك، تدير ظهرها لك كأنها لا تعرفك، كأنك لست من أهلها، سريعاً تتغير أحوالك من رخاء إلى شِدَّة، ومن سَعَةٍ إلى ضيق، ومن عافية إلى مرض، سريعاً تتحول أحوالك من شخص مُطاع يتزلَّف الناس إليك، إلى شخص يتجنب الناس الحديث معك، بل يتجنبون حتى اللقاء بك، ومن شخص تتجه إليه الأبصار إلى شخص لا يراه أحد ولو كان حاضراً ماثلا أمام أعينهم.  

ومن عجائب أحوالها معك أنها إن وصلتك تَصِلُك مُواصلة المَلولِ الذي مَلَّ منك، كأنك عِبءٌ عليها، تعاملك بِسَأمٍ وضجر، تنتظر اللحظة المُؤاتية لتفارقك مُفارَقَةَ الْعَجُولِ، الذي يتَعَجَّل الخلاص منك.

هذه هي الدنيا، وتلك طبيعتها، وهكذا تُعامِلُ أبنائها الذين يخلصون لها، ويتعلقون بها، وينجذبون إليها، إنها تأخذ منهم بدل أن تعطيهم، وتفرُّ منهم بدل أن تبقى لهم، وتمَلُّ منهم بدل أن تُقْبِلَ عليهم، وتتعجَّل الرحيل عنهم وهم متعلقون بها.

وحدهم الذين فهموها على حقيقتها، وفهموا أنها ليست دائمة لهم، وفهموا أنها لا تعطيهم كل ما يرغبون به، وفهموا أنها محطة على طريقهم الطويل الموصل إلى نشأة أخرى، وفهموا أنهم مرتحلون عنها إلى عالم أسمى وأرقى وأنقى، هؤلاء يأخذون منها ولا يعطونها، يزهدون بها فتأتيهم راغمة، ويستغنون عنها فتغنيهم، ويتطلعون إلى غيرها فتتطلع إلى إرضائهم، فهؤلاء يعيشون فيها آمنين مطمئنين، لا قلق ينتابهم، ولا خوف من مفارقتها يستبدّ بهم، فيعيشون فيها أمنين راضين، ويرتحلون عنها آمنين راضين، فطوبى لهم وحُسْنُ مَآبٍ.  

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
........
انتهى/ 278