وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : ابنا
السبت

٤ مارس ٢٠٢٣

٨:٠٣:٥٦ م
1350551

العِتاب یديم الألفة والمحبة بين الناس

يعد العِتاب واحداً من الأسباب التي تُديم الألفة والمَحبة بين الناس، وفي القرآن الكريم نجد الكثير من الموارد التي عاتب الله فيها الأنبياء والرُّسُل، عاتبهم عتاباً لطيفاً رقيقاً حانياً يُشعرهم بمحبته ورعايته لهم.

وفقا لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء ــ ابنا ــ رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "إِذا عاتَبْـتَ فَاسْتَبْـقِ".

العِتابُ سُلوك يقوم به الشخص تجاه شخص آخر يُحِبُّه ويُحِبُّ الخير له، ويريد لعلاقته به أن تستمر وتدوم، وقد قيل: العَتَبُ على قَدرِ المَحَبَّة.

ونقلا عن إكنا، يعتبر العِتاب واحداً من الأسباب التي تُديم الألفة والمَحبة بين الناس، ولا أحسب أحداً خلا من عتاب فعله مع غيره أو تلقاه منه، وفي القرآن الكريم نجد الكثير من الموارد التي عاتب الله فيها الأنبياء والرُّسُل، عاتبهم عتاباً لطيفاً رقيقاً حانياً يُشعرهم بمحبته ورعايته لهم، وأنه معهم، يعينهم ويثبِّتهم في طريق دعوتهم، وينبههم إلى ما هو أولى لهم، فقد عاتب الله نبيه محمداً (ص) فقال: "عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ"﴿43/ التوبة﴾.

فقد أَذِنَ النبي (ص) للمُتخلِّفين من المنافقين عن الذهاب معه حين أراد الخروج في سبيل الله، بعد أن قدموا له المعاذير، وقبل أن ينكشف صدقهم من كذبهم، وهم كانوا سيتخلَّفون عنه بعُذر أو بدون عُذرٍ، وبإذن منه أو بدون إذن، وقد كان الأولى أَلّا يأذن لهم كي تنكشف حقيقتهم، ويسقط عنهم ثوب النفاق والزيف، ويظهرون للناس على حقيقتهم التي جَهِدوا في إخفائها عنهم.

وعاتبه الله مرة أخرى على امتناعه عن أكل العسل الذي أباحه ولم يُحَرِّمه عليه، فقال له: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ" ﴿1/ التحريم﴾. وسبب نزول هذه الآية وما بعدها معروف لدى المفسرين لا مجال للخوض فيه في هذه المقالة الموجَزَة.

وهكذا نلاحظ أن العتاب ينطلق من محبة المُعاتِبِ للمُعاتَبِ، وإرادة الخير له، ولو لم يكن كذلك لما عاتب الله رسولَه الكريم بهذا النحو من العتاب الرقيق اللطيف، ومن ذلك نتعلم أن يكون العتاب منطلقاً من المودة، مراعياً حالَ المُعاتَبِ، وبأسلوب لَيِّنٍ، وفي التوقيت الصحيح، وبالقَدرِ المطلوب، لأنه إن زادَ عن حَدِّه فإنه يتحول من عتاب إلى حساب، ومن عتاب إلى لَومٍ وتقريع، وحينذاك لن يكون نافعاً بل يكون مُنَفِّراً، ولهذا قال الإمام أمير المؤمنين (ع): "إِذا عاتَبْـتَ فَاسْتَبْـقِ"

في هذا المجال لابد من التأكيد على الإقلال من العتاب قَدر الإمكان، فإن الإكثار منه على الصغير والكبير من الأمور، يرسل برسائل سلبية من العاتب إلى المعتوب عليه، وأبرز تلك الرسائل أن العاتب لا يحتمل أدنى شيء من المعتوب عليه، وأنه دائماً يُسيء الظن به، وأنه لا يراه إلا خاطئاً أو مقصراً، وبذلك تنتفي الألفة والمحبة، وتضمحِلُّ المودة بينهما.

لذلك لك قارئي الكريم أن تعاتب ولكن عليك أن تراعي الأمور التالية:

أولاً: لا تكثر العتاب، فإنه كثرته لا تأتي بالخير الذي ترجوه، وهي داعية لنفوره وابتعاده عنك.

ثانياً: كُن واقعياً في نظرتك إلى إخطاء من تُحب، فإنه ليس معصوماً، والخطأ منه متوقع إلا إذا كان خطأ لا يكون منه ومن أمثاله.

ثالثاً: في العتاب كُن لطيفاً، حانياً، راقياً، وَدُوداً، مُهذَّباً مع من تعاتبه، مُعَلِّماً له، ناصحاً، وبعد عتابك له، واكبه، وسانده، وأَعِنه، ولا تستعجل عليه، ولا تتخلَّ عنه.

رابعاً: أَنْصِفه وأنت تعاتبه، فاذكر محاسنه وأثنِ عليها، كما تعاتبه على سوء أو خطأ كانا منه، فإن ذلك يدعوه إلى الطمأنينة لك، واجتنب المبالغة فيما تعاتبه عليه أو التَّهوين منه، فلا تُضخِّم الصغير، ولا تُصَغِّر الكبير.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
.......
انتهى/ 278