وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : ابنا
الاثنين

١٣ فبراير ٢٠٢٣

٧:٢٠:٢٤ ص
1345892

معرفة الإنسان نفسه مقدمة لمعرفة الله تعالى

إن معرفة الإنسان بنفسه مقدمة ضرورية لمعرفة الله تعالى وبناء علاقة سوية معه، إنّ معرفة الإنسان بنفسه تمثّل الطريق لمعرفة اللّه، وهناك طائفة من النصوص تشير إلى ذلك.

وفقا لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء ــ ابنا ــ رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "أَفْضَلُ الْمَعْرِفَةِ مَعْرِفَةُ الإِنْسانِ نَفْسَهُ".

لا أريد أن أخوض في نقاش مع الاتجاه الفكري الذي يرى استحالة معرفة الإنسان بنفسه، مستدلاً بآيات وروايات هي نفسها دليل على إمكانية معرفة النفس، فضلا عن وجود العشرات من آيات القرآن الكريم والروايات الشريفة التي لا تقول بإمكان ذلك وحسب بل تدعو الإنسان إلى أن يعرف نفسه، كمقدمة ضرورية لتنمية فضائلها، وتهذيبها من رذائلها، فإن الله تعالى الذي خلق الإنسان وأراد له أن يتكامل مادياً ومعنوياً لا يمكن أن يحجب عنه معرفة نفسه، فكيف يتكامل إذا جَهِل نفسه، وجَهِل قواها وقدراتها وإمكانياتها وملكاتها ورغباتها وشهواتها وغرائزها وأهوائها، وما ينفعها وما يضرُّها؟ إن تكامله رهن معرفته بها، لأن تكاملها المعنوي هو المقصود بالذات، والإنسان نَفْسٌ، نفْسُهُ حقيقته وماهيته، أما بدنه فهو آلة لها، وتكامله البدني يجب أن يصب في تكاملها، وكذلك تكامله المادي الخارج عن ذاته فإن مردوده يجب أن يرجع إلى تكامله المعنوي النفسي. قال الإمام أمير المؤمنين (ع): "الْعارِفُ مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ فَأَعْتَقَها وَنَزَّهَها عَنْ كُلّ ما يُبَعّدُها وَيُوبِقُها".

ثم إن الدين نفسه ليس له هدف إلا بناء النفس الكاملة، عقيدته، وشريعته، ومنظومته الأخلاقية، جميع ذلك يهدف إلى بناء النفس الإنسانية، ولكن هذه الصناعة مشروطة بإرادة الإنسان نفسه وسعيه وجهده، وتنميته لفضائله، وترويضه لنفسه، لأنه كائن حُرٌ مختار، ولا يُتاح له ذلك إلا بمعرفة نفسه، والدين مهما بلغ من الكمال فلن يتسنى له أن يصنع الإنسان ويحدد له وظائفه بدون معرفة الإنسان نفسه، ولا يمكن للدين أن يضع له نظاماً كاملا شاملا لجميع أبعاده وحاجاته ما لم تسبق كل ذلك معرفة الإنسان نفسه ووقوفه على حقيقته وماهيته.

ونقلا عن وكالة اكنا، أن معرفة الإنسان بنفسه مقدمة ضرورية أيضاً لمعرفة الله تعالى وبناء علاقة سوية معه، إنّ معرفة الإنسان بنفسه تمثّل الطريق لمعرفة اللّه، وهناك طائفة من النصوص تشير إلى ذلك.

إن القرآن الكريم يتحدث عن ارتباط وثيق بين معرفة النفس ومعرفة الله، وبين معرفة الله ومعرفة النفس، ويرى ذلك سبباً أساسياً لعثور الإنسان على هويته ومعرفته بذاته وإدراكه لحقيقة وجوده، ونفي هذه الرابطة تساوي نفي الإنسان لوجوده، وقد رُوِيَ عن رسول الله (ص) أنه قال: "أَعْلَمُكُمْ بِنَفْسِهِ أَعْلَمُكُمْ بِرَبّهِ"

ثم إنه فضلا عمّا سبق فإن علماء النفس يؤكِّدون على أن معرفة النفس ضروري للصحة النفسية للإنسان، حيث يحافظ العارف بنفسه على توازنه النفسي، وطمأنينته، وسكونه، وثباته أمام تحديات الحياة، ويكون أقدر من غيره على فهم مخاوفها، ونفي جزعها، وأن الجهل بها تنشأ عنه أمراض نفسية خطيرة مثل الاكتئاب والقلق والتوتر.

فالحق: إن الإنسان أَحوج ما يكون إلى معرفة نفسه، ذلك أهم ما يجب أن يعرف، ويجب أن يعطيه الأولوية على كل معرفة، والحق أيضاً أن معظمنا يجهل نفسه، وفي هذا خسارات فادحة، ومعظمنا يجهل أنه يجهل نفسه، وهذا أخسر الناس على الإطلاق، ومعظمنا يعيش ويموت وقد يكون لديه الكثير من المواهب والقدرات والطاقات الخلّاقة ولكنه يجهلها، ويخسر الكثير نتيجة ذلك.

والحق أيضا أن كل الذين نجحوا وينجحون في الحياة ويحققون إنجازات عظيمة هم أولئك الذين عرفوا أنفسهم، وعلينا أن نحذو حذوهم في صرف جهودنا إلى معرفة أنفسنا، ولن يتيسَّر لنا ذلك إلا بالتالي:

أولاً: إدامة التفكر في أنفسنا، والتأمل في دوافعنا، ومعرفة ما نحب وما نكره، والوقوف على أسباب ذلك.
ثانياً: أن ندخل في التجارب، فإن تجاربنا تكشف عن مكنون نفوسنا.
ثالثاً: أن نستعين بأشخاص موثوقين يكشفون لنا عيوبنا ومحاسِننا، فالمؤمن مرآة أخيه المؤمن.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
..........
انتهى/ 278