وفقا لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء ــ ابنا ــ ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي مقتطفات من كلام الإمام الخامنئي بتاريخ 15/8/1979 حول أهمية الوعي العام قُبالة المؤامرات، ويشرح سماحته الأجواء والأسباب التي أحاطت باستشهاد أمير المؤمنين عليّ (عليه السّلام) مشدّداً على أهميّة أن لا يجري ذكرى مصابه سلام الله عليه من أجل حرق القلب وذرف الدموع فقط، بل لكي يطّلع الناس على السبب الذي يُقتل من أجله العليّون، ويُردف سماحته قوله هذا بالإشارة إلى أنّ أمير المؤمنين الذي هو الإسلام المتجسّد والقرآن الناطق كان شهيد فاجعة ومؤامرة وخطأ كبير في صلب المجتمع الإسلاميّ.
... هذه الليلة هي الليلة الحادية والعشرون من شهر رمضان. لقد اعتاد ناسنا النظر إلى هذه الليلة كليلة مصيبة عظيمة، وهي كذلك، لأن هذه الليلة هي فاجعة تاريخية للأمة الإسلامية. نحن في عصرنا نفهم عمق هذه الفاجعة. لا نريد أن نطرح مأساة الاستشهاد لأمير المؤمنين (ع) بقصد حرق القلب وذرف الدموع. فهذا ليس كل المطلوب بالنسبة إلينا. إنما لا بد لنا أن نعرف كيف يُقتل العلِيُّون، وعلى يد أيّ الأشخاص؟ اليوم هو الزمن الذي نحتاج فيه إلى معرفة ذلك أكثر وأفضل من أي وقت مضى.
علي (ع) يعني الإسلام المتجسّد، ويعني القرآن الناطق، ويعني أعظم تلميذ للإسلام... يقتله ابن ملجم! مَن ابن ملجم؟ ابن ملجم أحد الخوارج وله صفات عدة: أولاً مسلم في الظاهر وأيضاً هو ذلك المسلم المتعبّد جداً الذي يقرأ القرآن حفظاً وعلى نحو جيّد، ومتعصّب ومتمسّك بإسلامه جداً! صفته الثانية أنه لا يقبل أحداً ولا حتى عليّاً (ع) ولا يرى عليّاً (ع) مسلماً أيضاً! يعتقد أن عليّاً (ع) مساوم. يعتقد أن عليّاً (ع) عنصر غير ثوري. إنه يعارض عليّاً (ع) لأنه دعا إلى وقف الحرب مع معاوية في لحظة حساسة وخطيرة جداً وبسبب ضرورة كبيرة. فهل دافعه الحقيقي هو الدفاع عن الإسلام؟ لا بد من الشك في ذلك، لكن باسم الإسلام يتَّهِم أعظم المسلمين بالمساومة وبالرجعية. ولأنه يرى عليّاً (ع) رجعياً، يدّعي التقدّم والثورية. وباسم الإسلام والقرآن والثورية والتقوى والتمسّك بالإسلام والأخلاق الإسلامية والحَزْم، يَسفكُ دم أكثر الناس إسلاماً وورعاً وحزماً وفائدةً وقيمةً وأعظم أتباع الإسلام! كان خوارج النهروان عقدة صعبة كهذه في زمن عليّ (ع)، وهذا الخط باقٍ دائماً ولا يزال اليوم.
في مراحل القرن الأول للإسلام كلها حتى القرنين الثاني والثالث، عندما كان هناك آثار للخوارج، نراهم بالوجه نفسه والمظهر عينه، أي ادعاء الإسلام واتهام أبناء الإسلام الحقيقيين، ومعاداة عقول الإسلام والقرآن وألبابهما.
أمير المؤمنين (ع) شهيد فاجعة وشهيد مؤامرة وشهيد خطأ كبير في صلب المجتمع الإسلامي في ذلك اليوم. ما ذلك الخطأ؟ ذلك الخطأ أن أناساً مثل ابن ملجم، الذين لم يعرفوا شيئاً عن الإسلام ولم يفهموا شيئاً منه، يتعرّضون لحياة أفضل خلق الله باسم الإسلام بل الإسلام الثوري والإسلام المتشدد. هذا بحد ذاته فاجعة. حتى لو أنهم لم يقتلوا علياً بن أبي طالب (ع)، لكان وجود مثل هذا الخط بحد ذاته فاجعة كبيرة ومؤسفة. نحن اليوم نفهم عمق هذه الفاجعة. طبعاً هناك كلام آخر أيضاً فوق ذلك. فإلى جانبه، يوجد كلام على أن هذا المسلم، كما يُصطلح «الثائر»، الذي يتلو آيات القرآن، قد أخذ أموالاً من معاوية، وقد حرّكه معاوية، وأن محاولة اغتيال معاوية وعمرو بن العاص الفاشلتين لم تكونا سوى مسرحية. هذا مما يقال أيضاً.
هذه احتمالات موجودة ومعقولة أيضاً. لماذا ننفي هذه الاحتمالات بلا دليل؟ إنّ وجود مثل هذا الخط والفكر يعني أن الإسلام يصير إطاراً وغطاءً على التوجّهات الإجرامية التي تتبعها الأجنحة المعادية للإسلام. وقد استشهد علي (ع) الإمام العظيم وقائد المسلمين العظيم الشأن في فاجعة كهذه. لذلك إذا كنا نجلس الليلة عزاء على علي بن أبي طالب (ع)، فلأننا نلمس عمق الفاجعة ونُدركه.
انظروا في مجتمعٍ كم أن قائد الثورة عزيز، وكيف أن القلوب متوجهة نحوه، وكيف يدق نبض المجتمع بحركته وبقدرته وبإمداده، وكيف أن جسد المجتمع دافئ وحيّ بحضوره، ولو أن هذا القائد أُخذَ من الناس، فكيف سيشعرون وكيف ستكون حالهم! فجأة يرون أحلامهم كلها قد تلاشت، ويرونها كلها قد تحوّلت سراباً. في مثل هذا اليوم وغَده كان أهل الكوفة المسلمون في حالة كهذه. جُرحَ علي بن أبي طالب (ع) فجر اليوم التاسع عشر في المسجد أثناء الصلاة بالسيف المسموم لذلك الزنديق المتظاهر بالإسلام. عادوا به إلى البيت. علمَ الناس بالحادثة التي تعرض لها علي بن أبي طالب (ع) من صداح الهتاف السماوي، فضجّت وأنّت مدينة الكوفة كلّها. من بين الباكين والضاجّين، كان الأطفال اليتامى والعائلات التي لا معيل لها أكثرَ الجائشين. مما لا شك فيه أن الناس المستضعفين كانوا أكثر الذين يعانون الألم والحزن. كان علي بن أبي طالب (ع) أبا اليتامى الأيتام ومعيل الأرامل، فقد كان علي بن أبي طالب ذلك الشخص الذي يذهب إلى بيوت المحرومين والمستضعفين، ويجلس معهم، ويطّلع على وجع قلوبهم.
قضى الناس يومين في حالة قلق. ولكن في ليلة الحادي والعشرين، وفي خضم تزايد حالة القلق والاضطراب عند الناس كل ساعة ولحظة، ذهب أحد المسلمين، الذي كان من أصحاب علي (ع) والمقرّبين منه، إلى عيادة علي (ع)، جرّاء قلقه الشديد. يقول الأصبغ بن نباتة: لقد كنتُ بجوار بيت علي (ع) - ذاك البيت المتواضع الذي يعيش فيه خليفة المسلمين رغم كل قدرته وجلاله المعنوي - وكان الناس قد تجمّعوا عند أطراف هذا البيت ويبكون ويجأشون ويعبّرون عن قلقهم، وكانوا يرومون أن يروا أمير المؤمنين (ع) من كثب ويطمئن بالهم. فُتح الباب وخرج الحسن بن علي (ع) وقال إن والدي (ع) سقيم ولا يمكن أن يستقبل هذا العدد الكبير من الجمع، ولذا غادِروا وسوف تأتون إليه مرة أخرى عندما يكون ذلك ممكناً.
يقول الأصبغ بن نباتة: غادرَ الجميع لكن قلبي لم يطق التحمّل، ولم أستطع تحمّل الابتعاد عن باب بيت علي (ع)، وقلقي الشديد كان يسمّرني بجوار ذاك البيت، فبقيت. بعد لحظة، خرج الإمام الحسن (ع) من باب البيت مجدداً وسألني: لماذا لم تذهب أيها الأصبغ؟ قلت: يا ابن النبي (ص)، قلبي لا يطيق الذهاب. فدخل ثم خرج وناداني. يقول: رحت إلى جانب فراش أمير المؤمنين (ع) فرأيت علياً بن أبي طالب (ع) بوجه أصفر - بسبب التسمم، تحوّل وجه أمير المؤمنين (ع) المبارك إلى اللون الأصفر - ملقى في الفراش، وقد عصبوا رأسه بمنديل أصفر، والسم قد أثّر في وجوده المقدس لدرجة لا يتضح هل كان وجهه أصفرَ أكثر أم ذلك المنديل. في تلك اللحظات الحساسة، عندما كنت أنظر بقلق إلى وجه علي (ع) المريض، فتح علي بن أبي طالب (ع) عينيه وأخذ يدي. قال: يا أصبغ، أتريد أن أقول لك ذكرى عن نبي الله (ص)؟ قلت: يا أمير المؤمنين (ع)، هذا منتهى رجائي، تفضّل. قال: يا أصبغ، في اللحظات الأخيرة من حياة الرسول (ص) كنت بجانب فراشه، فأخذ يدي وقال لي: يا علي، أنا وأنت أبوا هذه الأمة، أنا وأنت محرِّرا هذه الأمة. روى حديثاً عن النبي (ص). في هذه اللحظات الأخيرة، لم يكفَّ أمير المؤمنين (ع) عن تعليم دروس الدين وطرق التربية الفكرية وتعاليم الحياة لتلميذه المخلص هذا. لا شيء - حتى هذا المرض الصعب، وذلك الصراع مع الأجل المحتوم - يمنعه من أداء واجبه. إن رائد معلّمي البشر كلهم ومعلّم معلّمي البشر كافة الحريصين هو شخصية مثل هذه. يقول الأصبغ بن نباتة: أثناء حديث عليّ (ع) معي، أغميَ عليه مرات عدة، وفي النهاية، نهضت وخرجت من المنزل، لكنني لم أكن قد ابتعدت عن البيت كثيراً عندما علا صوت النحيب من ذلك البيت، فعلمت أن أمير المؤمنين (ع) قد رحل عن الدنيا. صلى الله عليك يا أمير المؤمنين (ع). سلام الله ورحمته وبركته عليك، يا عبد الله الكفؤ والمنتخَب.
........
انتهى/ 278
المصدر : ابنا
الأحد
٢٤ أبريل ٢٠٢٢
٤:٥٠:٥٠ ص
1251062
قائد الثورة:
أمير المؤمنين (ع) شهيد فاجعة ومؤامرة وخطأ كبير في صلب المجتمع الإسلامي
قال الإمام الخامنئي: إنّ أمير المؤمنين الذي هو الإسلام المتجسّد والقرآن الناطق كان شهيد فاجعة ومؤامرة وخطأ كبير في صلب المجتمع الإسلاميّ.