24 أبريل 2025 - 09:02
مصدر: أبنا
في رحاب النور: أهمية العلم ومكافحة الجهل والخرافات في سيرة الإمام الصادق عليه السلام

كان القرن الثاني الهجري مرحلة مفصلية في تاريخ الأمة الإسلامية؛ فقد شهد انقلابات سياسية عنيفة، واضطرابات اجتماعية، وتحولات فكرية كبيرة نتيجة امتزاج الثقافات واتساع رقعة الدولة الإسلامية. في خضم هذه الفوضى الفكرية والاضطراب العقائدي، قام الإمام جعفر الصادق عليه السلام بدور محوري في الحفاظ على أصالة الفكر الإسلامي ونقاء العقيدة من خلال تأسيس أكبر مدرسة علمية عرفها ذلك العصر.

وفقا لما أفادته وكالة أنباء أهل البيت (ع) الدولية ــ أبنا ــ في عصر الظلمات، حين أسدلت ستائر الجهل حجابها على بصائر الناس، وتاهت العقول في متاهات الأهواء والخرافات، وانتشرت الانحرافات الفكرية والعقائدية كالنار في الهشيم، وتصارعت المذاهب والفرق المختلفة على أرض الفكر الإسلامي، وساهمت الصراعات السياسية بين الأمويين والعباسيين في تشويه الفهم الصحيح للدين، أشرق نور علم الإمام الصادق عليه السلام كالشمس الساطعة، مبددًا ظلام الجهل ومنيرًا طريق الحقيقة.

كان القرن الثاني الهجري مرحلة مفصلية في تاريخ الأمة الإسلامية؛ فقد شهد انقلابات سياسية عنيفة، واضطرابات اجتماعية، وتحولات فكرية كبيرة نتيجة امتزاج الثقافات واتساع رقعة الدولة الإسلامية.

في خضم هذه الفوضى الفكرية والاضطراب العقائدي، قام الإمام جعفر الصادق عليه السلام بدور محوري في الحفاظ على أصالة الفكر الإسلامي ونقاء العقيدة من خلال تأسيس أكبر مدرسة علمية عرفها ذلك العصر.

استطاع الإمام الصادق عليه السلام، بعلمه الغزير وحكمته البالغة وأسلوبه التعليمي الفريد، أن يؤسس منهجًا علميًا رصينًا في مختلف المجالات - من الفقه والحديث إلى التفسير والعقائد، ومن الفلسفة والكلام إلى العلوم الطبيعية والكيمياء.

وقد اعترف بفضله وعلمه كبار علماء عصره من مختلف المذاهب والاتجاهات، حتى قال أبو حنيفة: "ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد"، وروي عن مالك بن أنس قوله: "ما رأت عين ولا سمعت أذن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر الصادق علمًا وعبادة وورعًا".

في هذا الجو المضطرب فكريًا، وفي زمن كانت فيه الأمة في أمس الحاجة إلى مرجعية علمية موثوقة، تصدى الإمام الصادق عليه السلام للدفاع عن حقائق الدين ومحاربة البدع والضلالات بسلاح العلم والمعرفة، وتخرج على يديه الكريمتين آلاف التلاميذ الذين حملوا مشعل العلم ونشروه في أرجاء العالم الإسلامي، مدركين أن العلم هو الترياق الشافي من سم الجهل، وأن نور المعرفة هو السبيل الوحيد لبناء مجتمع إسلامي قائم على أسس صحيحة من الفهم والوعي.

مكانة العلم وطلبه في كلام الإمام الصادق عليه السلام
اعتبر الإمام جعفر الصادق عليه السلام، ذلك البحر الزاخر بالمعرفة، العلم سلاحًا قويًا في مواجهة الجهل والخرافات. يقول: "عُلَمَاءُ شِيعَتِنَا مُرَابِطُونَ فِي اَلثَّغْرِ اَلَّذِي يَلِي إِبْلِيسَ وَ عَفَارِيتَهُ يَمْنَعُوهُمْ عَنِ اَلْخُرُوجِ عَلَى ضُعَفَاءِ شِيعَتِنَا وَ عَنْ أَنْ يَتَسَلَّطَ"؛ أي أن علماء الشيعة هم حراس الثغور التي يتربص وراءها الشياطين وأعوانهم، فهم يمنعون هجوم هؤلاء وسيطرتهم على ضعفاء الشيعة.

في هذا التشبيه البليغ، يشبه الإمام الصادق عليه السلام العلماء بحراس الحدود الذين يمنعون تسلل الجهل والخرافات إلى عقول المؤمنين، مما يدل على أن الجهاد العلمي في نظره لا يقل أهمية عن الجهاد العسكري.

مكافحة الانحرافات العقائدية والفكرية
مواجهة فرقة المرجئة

ظهرت في عصر الإمام الصادق عليه السلام انحرافات فكرية عديدة، أبرزها فرقة المرجئة التي نشأت بعد استشهاد الإمام علي عليه السلام بدوافع سياسية، وكان للحكام الأمويين دور مؤثر في تشكيلها.

حصرت المرجئة الإيمان في الاعتقاد القلبي فقط، وزعمت أنه مع وجود الإيمان لا يضر الإنسان أي ذنب. بعبارة أخرى، اعتقدوا أن من كان مؤمنًا بقلبه، فحتى لو أظهر الكفر بلسانه أو عبد الأصنام أو اتبع تعاليم اليهود والنصارى، فسيكون من أهل الجنة.

وقف الإمام الصادق عليه السلام بحزم ضد هذا الفكر المنحرف الذي أدى إلى نوع من الإباحية والتهاون بالأعمال الدينية، وقال: "الإيْمانُ هُوَ الإقْرارُ بِاللِّسانِ وَ عَقْدٌ فِي الْقَلْبِ وَ عَمَلٌ بِالْأَرْكانِ"؛ أي أن الإيمان هو اعتقاد قلبي وإقرار لساني وعمل بالجوارح.

في هذا البيان التنويري، يقدم الإمام الصادق عليه السلام مفهومًا متعدد الأبعاد للإيمان يشمل الاعتقاد القلبي والإقرار اللساني والالتزام العملي، مبطلًا بذلك فكر المرجئة المنحرف الذي أخرج العمل من دائرة الإيمان.

الوصية الأخيرة: تحذير من الإباحية
تعكس الرواية التاريخية لوصية الإمام الصادق عليه السلام الأخيرة حساسيته الخاصة تجاه تيار الإباحية. وفقًا لهذه الرواية، استدعى الإمام في لحظاته الأخيرة جميع أقاربه ومقربيه وقال: "إِنَّهُ لَا ينَالُ شَفَاعَتَنَا مَنِ اسْتَخَفَّ بِالصَّلَاة"؛ أي أن شفاعتنا لن تنال أبدًا من استخف بالصلاة.

في تفسير "الاستخفاف بالصلاة" طُرحت احتمالات مختلفة، منها:

• من يقبل الصلاة لكنه لا يؤديها.

• من يؤدي الصلاة أحيانًا ويتركها أحيانًا أخرى.

• من يجهل أحكام الصلاة ولا يسعى لتعلمها.

• من لا يصلي في أول الوقت.

• من عليه قضاء صلوات ولا يسعى لأدائها.

• من يتهاون بصلاة أفراد أسرته والآخرين.

في تحليل أعمق، يمكن القول إن الإمام الصادق عليه السلام كان يستهدف الفرق المنحرفة في زمنه مثل المرجئة - أولئك الذين ادعوا التشيع لكنهم تركوا الواجبات الشرعية مثل الصلاة بحجة أن الأئمة سيشفعون لهم.

يوضح هذا التحذير الحاسم من الإمام الصادق عليه السلام أن أكبر خطر يواجه الدين والروحانية هو الإباحية والاستخفاف بالأوامر الإلهية، وهو الخطر الذي أكد عليه الإمام حتى في اللحظات الأخيرة من حياته الشريفة.

مكافحة الجهل الفلسفي والإلحاد
انتهج الإمام الصادق عليه السلام أسلوبًا استدلاليًا عقلانيًا في مواجهة منكري وجود الله. وتعد قصة حواره مع عبدالله الديصاني، العالم الطبيعي الملحد، مثالًا على هذه المواجهة الذكية.

عندما طلب الديصاني من الإمام أن يدله على معبوده، استخدم الإمام بيضة بسيطة ليقدم برهانًا قاطعًا على وجود الله فقال: "يا ديصاني: هذا حصن مكنون له جلد غليظ وتحت الجلد الغليظ جلد رقيق وتحت الجلد الرقيق ذهبة مائعة وفضة ذائبة فلا الذهبة المائعة تختلط بالفضة الذائبة ولا الفضة الذائبة تختلط بالذهبة المائعة فهي على حالها لم يخرج منها خارج مصلح فيخبر عن صلاحها ولا دخل فيها مفسد فيخبر عن فسادها لا يدري للذكر خلقت أم للأنثى، تنفلق عن مثل ألوان الطواويس أترى لها مدبرا؟

قال: فأطرق مليا ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأنك إمام وحجة من الله على خلقه وأنا تائب مما كنت فيه؟

مكافحة الجهالات الأخلاقية والسلوكية
لم يغض الإمام الصادق عليه السلام الطرف عن السلوكيات الجاهلة حتى من المقربين وأتباعه. ومن ذلك قصة الرجل الذي كان مع الإمام الصادق عليه السلام وشتم غلامه.

عندما خاطب ذلك الرجل غلامه الهندي بألفاظ قبيحة، قال الإمام: "سُبْحَانَ اللَّهِ تَقْذِفُ أُمَّهُ قَدْ كُنْتُ أَرَى أَنَّ لَكَ وَرَعاً فَإِذَاً لَيْسَ لَكَ وَرَعٌ".

وعندما اعتذر الرجل بأن أم الغلام امرأة مشركة، أجاب الإمام بقوله التنويري: "أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ نِكَاحاً"؛ أي: ألا تعلم أن لكل أمة طريقة خاصة للزواج تعتبر محترمة ومقبولة وفقًا لمعتقداتهم؟

يعكس موقف الإمام هذا موقفه الحازم في مكافحة السلوكيات الجاهلة والمتعصبة، حتى لو صدرت من أقرب أتباعه.

خاتمة
أضاء الإمام الصادق عليه السلام، من خلال تأسيس أكبر مدرسة علمية في عصره، وتربية آلاف التلاميذ، وتقديم التعاليم الإسلامية الخالصة، مشعلًا متوهجًا في مكافحة الجهل والخرافات. واجه بتنويره العلمي الانحرافات الفكرية في زمنه وأوضح الطريق القويم لطالبي الحقيقة.

وفي عصرنا الذي تهدده أحيانًا الارتباكات الفكرية والإباحية الأخلاقية، يمكن للعودة إلى تعاليم الإمام الصادق عليه السلام الأصيلة أن تكون نبراسًا ينير طريق الخروج من ظلمات الجهل والانحراف.

فلنستلهم جميعًا من سيرته العلمية والعملية، ولنخطُ خطوات ثابتة في طريق طلب العلم ومواجهة الجهل والخرافات، ولنكن حماة لإرثه الثمين.

علی‌رضا مکتب‌دار
رئیس التحریر لأسبوعیة الآفاق

..................

انتهى / 232

تعليقك

You are replying to: .
captcha