24 أبريل 2025 - 17:38
مصدر: أبنا
التشابه بين غيبة وارث الأنبياء وغيبة أنبياء الله

قال الامام الصادق (عليه السّلام) يَقُولُ: «إِنَّ سُنَنَ الْأَنْبِيَاءِ بِمَا وَقَعَ بِهِمْ مِنَ الْغَيْبَاتِ حَادِثَةٌ فِي الْقَائِمِ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ وَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّة».

وفقا لما أفادته وكالة أنباء أهل البيت (ع) الدولية ــ أبنا ــ بمناسبة الذكرى السنوية لاستشهاد الإمام جعفر الصادق عليه السلام، قامت الدكتورة "مرضية مينائي بور" بتبيان موضوع «تشابه غيبة وارث الأنبياء مع غيبة الأنبياء الإلهيين» تحت عنوان مقالة، والتي قدّمتها لوكالة أبنا للأنباء، تناولت فيه موضوع التعاليم النورانية حول غيبة بعض حجج الله وتشابهها مع غيبة الإمام العصر عليه السلام.

المقدمة
قال الامام الصادق (عليه السّلام): «إِنَّ سُنَنَ الْأَنْبِيَاءِ بِمَا وَقَعَ بِهِمْ مِنَ الْغَيْبَاتِ حَادِثَةٌ فِي الْقَائِمِ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ وَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّة». كمال الدين و تمام النعمة، ج‏2، ص 345

من بين أبناء خاتم الأنبياء حضرة محمد المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم)، كان للإمام الصادق (عليه السلام) أبلغ الأهمية في تعريف منجی البشرية. لقد قام (عليه السلام) لفتح سرّ غيبة الموعود وتبيين أبعادها الحكيمة، بإظهار السنة الإلهية في مرآة غيبة الأنبياء السابقين، مع التأكيد على قوله: «إِنَّ سُنَنَ الْأَنْبِيَاءِ بِمَا وَقَعَ بِهِمْ مِنَ الْغَيْبَاتِ حَادِثَةٌ فِي الْقَائِمِ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ وَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّة».

كتاب كمال الدين وتمام النعمة الجليل، كنز ثمين من هذه الروايات التي عرضت غيبة الأنبياء الإلهيين وأوصيائهم مستنداً. وفيما يلي، يتم تقديم خلاصة موجزة من هذه التعاليم النورانية حول غيبة بعض حجج الله ومماثلتها بغيبة إمام العصر مولانا وسیدنا بقية الله الأعظم (أرواحنا فداه). المصدر: كمال الدين و تمام النعمة، ج ١، ص ١٢٧ إلى ١٥٩ وج ٢، ص ٣٥١ إلى ٣٥٥

إدريس (عليه السلام)
في زمان حضرة إدريس، قام ملك جبار بقتل عبد مؤمن من عباد الله والاستيلاء على أرضه. فكان النبي إدريس مأموراً بتبليغ الرسالة الإلهية في إثر جور ذلك الظالم. ولما لم يطق جبار الزمان سماع الحق وقصد قتل النبي، دخل حضرة إدريس بأمر إلهي في دور غيبته.

وتزامناً مع دعاء نبي الله، اجتاح القحط عشرين سنة المدينة وأغرقها. وأخيراً، دفعت شدة البلاء والجوع الناس إلى التوبة والإنابة، وناداهم نداء الرحمة الإلهية لعودة النبي الغائب. لكن نهاية القحط ونزول المطر كانت مشروطة بأوج التضرع والخضوع للحاكم والناس أمام مقام النبوة. وبقبول هذا الشرط، رفع حضرة إدريس يديه بالدعاء، وأمطرت السماء عليهم حتى ظنوا أنهم سيغرقون.

نوح (عليه السلام)
بعد سنين طويلة من الدعوة وتحمل المشاق بين قومه، طلب نوح من الله المتعال الفرج والنصر. فشرط الله المتعال الفرج النهائي بزراعة نوى التمر والانتظار لإثمارها. وتكرر هذا الانتظار الطويل مراراً، وكلما حان موعد القطف والفرج، تأخر الأمر الإلهي وجاء الأمر بإعادة الزراعة. وبهذه الطريقة، ارتدت طوائف من المؤمنين في كل مرة حتى لم يبق إلا عدد قليل. فصلى نوح وقال: رب! لم يبق من أنصاري إلا هذا العدد، وأخشى إن تأخر الفرج أن يهلكوا أيضاً.

فاستجاب الله دعاءه وأتى بفرج قومه. قال الإمام الصادق (عليه السلام): إن غيبة إمام الزمان (أرواحنا فداه) الطويلة لها هذه الحكمة أيضاً، فأيام غيبته تطول حتى لا يبقى إلا الأنصار الحقيقيون والمخلصون، أولئك الذين يستحقون مرافقة الإمام وقت الظهور وتحقيق وعد الله العظيم بإقامة حكومة العدل العالمية.

هود (عليه السلام)
بشر حضرة نوح قبل وفاته أتباعه بقائم من ذريته اسمه "هود"، يظهر بعد دور غيبة طويلة. طال هذا الانتظار حتى قست قلوب كثير من الناس. لكن في أوج اليأس، أظهر الله نبيه هوداً الذي كان نهاية المشقات وسبب هلاك الأعداء. وكما تحقق ظهور هود بعد أيام طويلة من الغيبة وسلطة الطواغيت في زمان أوج يأس الشيعة، فإن ظهور مولانا الامام المهدي (أرواحنا فداه)، بعد دور الغيبة الطويل وامتلاء العالم بالظلم، سيكون نهاية المظالم وبداية حكومة العدل العالمية.

صالح (عليه السلام)
غاب حضرة صالح فترة عن قومه، ولما عاد إليهم، كان مظهره قد تغير لدرجة أنهم لم يعرفوه من شكله. انقسم الناس بعد عودته إلى ثلاثة أقسام: المنكرون المتعنتون، الشكاكون المترددون، والمؤمنون أهل اليقين. أنكرته الفئتان الأوليان اعتماداً على مظهر نبي الله، وطردتاه. أما الفئة الثالثة، فبدلاً من الاعتماد على العلامات الظاهرية، ومع الإقرار بقدرة الله على كل تغيير، طلبت من رسول الله آية. فعرف صالح نفسه ب "الناقة" وغيرها من الآيات. المؤمنون، بسماع هذه الآيات الواضحة، عرفوا الحق فوراً وآمنوا به. غيبة صالح وعودته مثال لغيبة القائم من آل محمد وظهوره، فمعرفة وقبول إمام الزمان بعد غيبة طويلة يتطلب بصيرة ومعرفة آيات الحق، لا مجرد الاعتماد على المظاهر.

إبراهيم (عليه السلام)
غيبة حضرة إبراهيم بدأت من قصة ولادته ونموه في الغار بعيداً عن عيون طاغوت الزمان، خوفاً من نمرود الأشرار. وبعد إظهار الرسالة وإنكارها من قبل طاغوت الزمان والناس، اضطر للهجرة من تلك الأرض والسفر إلى أراض أخرى، وبذلك دخل مرحلة أخرى من الغيبة. إن إمام الزمان (أرواحنا فداه)، لحفظ نفسه وإعداد ظروف الظهور النهائي لإقامة العدل الإلهي، مضطر هو الآخر لقضاء فترة خفاء أو بعد عن متناول الأيدي في مجتمع مملوء بالجور والظلم، وهذا بحد ذاته اختبار لهداية الناس أو ضلالتهم في ذلك الزمان.

يوسف (عليه السلام)
غاب حضرة يوسف عشرين سنة. طوال هذه المدة، كان يعقوب على يقين من حياة ابنه العزيز، رغم عدم معرفة مكانه. إخوته أيضاً التقوا به لكن لم يعرفوه. سنة القائم من آل محمد (أرواحنا فداه) في أمر الغيبة من يوسف، هي خفاء شخصه. فمع أن حضرته حاضر بين الناس، لكنه لا يعرف حتى يحين الأذن الإلهي بظهوره.

موسى (عليه السلام)
غيبة حضرة موسى لم تشمل فقط خفاء ولادته المعجزة عن عيون العدو ونموه في قلب قصر فرعون، بل شملت أيضاً فترة هجرته وبعْده عن قومه. بنو إسرائيل عانوا قروناً متوالية في شدة وجهل بأمر نبيهم. ولما اشتدت المشقة وبلغت ذروتها، بإرشاد عالم منهم، ذهبوا إلى الصحراء وتضرعوا بإلحاح إلى الله، حتى تشرفوا بلقاء نبيهم، ودعوا معاً أن يعجل الله المتعال فرجهم. لكن بعد هذا اللقاء، بدأت الغيبة الثانية التي كانت أشد عليهم من الأولى. ولما اشتدت المحنة، ذهبوا مرة أخرى مع عالمهم إلى الصحراء ودعوا. عند ذلك، وعد الله المتعال العالم بأن فرجهم سيحل بعد أربعين سنة. قالوا جميعاً: الحمد لله، فأوحى الله المتعال إليهم: قل لهم: لأجل كلمة الحمد لله التي جرت على ألسنتكم، لقد قللتها إلى ثلاثين سنة. وكلما شكروا الله، أوحى الله بإذن الفرج فوراً في تلك اللحظة. وفي نفس الوقت، ظهر موسى وهو راكب دابته. وكما استمرت غيبة موسى رغم معاناة وانتظار قومه الطويل، وتسارع فرجه بتضرعهم وإخلاصهم، فإن أمر ظهور إمام الزمان (أرواحنا فداه)، بالرغم من استعداد وتضرع المنتظرين الخالص، سيصلح بإرادة إلهية في ليلة واحدة.

أوصياء موسى (عليهم السلام)
كان لحضرة موسى اثنا عشر وصياً، خفوا لمدة أربعمائة سنة. أتباع كل واحد منهم كانوا يتواصلون مع وليّ أمرهم ويتعلمون منه معالم دينهم، حتى حان دور آخرهم فغاب، وبعد ظهوره بشّر بداود.

داود (عليه السلام)
حضرة داود، الذي كان فرج بني إسرائيل مرهوناً بظهوره، والمقدّر له أن يطهر الأرض من شرّ جالوت وجيوشه، كان مجهولاً بين قومه وحتى بين أهله. ذات يوم في غمرة معركة طالوت مع جالوت، وبإرادة إلهية، ناداه حجر ناطق بأنه خلق لقتل جالوت، ودرع طالوت أيضاً ناسبه بمعجزة. بعد ذلك، برمي نفس الحجر، سقط جالوت قتيلاً، واختير داود للحكم فوراً. اجتمع حوله بنو إسرائيل، وأنزل الله المتعال عليه الزبور، وعلمه علوم مختلفة كصناعة الحديد ولغة الكائنات. وسنّة القائم من آل محمد (أرواحنا فداه) كذلك؛ قرب الظهور، العلم الإلهي الذي لديه، ينتشر من قبله، وبإذن من الرب، ينطق و ينادي: يا ولي الله! اخرج واقتل أعداء الله.

سليمان (عليه السلام)
قام سليمان النبي بعد داود، وأخفى أمره، وبقي مستوراً عن شيعته فترة من الزمن. ثم حصل على الملك بإيجاد خاتم، واجتمع حوله الشيعة، وفرحوا بوجوده، وأذهب الله حيرة غيبة سليمان عنهم.

عيسى (عليه السلام)
ولادة حضرة عيسى كانت أمراً خفياً، وبعد ذلك أيضاً، كان حضرة عيسى له عدة غيبات وسافر مجهولاً في الأرض. ساد الاعتقاد بين اليهود والنصارى أن حضرته قُتل، لكن الله المتعال كذبهم بقوله: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ﴾. غيبة القائم من آل محمد (أرواحنا فداه) لها هذه السنّة أيضاً؛ فبسبب طول هذه الغيبة، تقع إنكارات مشابهة بين الأمة، وهذا يؤدي إلى التكذيب والمعتقدات الباطلة والتشتت حوله.

أوصياء عيسى (عليهم السلام)
الأوصياء والحجج الظاهرون بعد حضرة عيسى أيضاً كانوا غائبين، وكان البحث عنهم صعباً للغاية، حتى انمحت معالم الدين وضاعت الحقوق الإلهية، وزالت الواجبات والمستحبات الإلهية، وصار الناس يتجهون هنا وهناك، ولا يعرفون شيئاً. واستمرت هذه الغيبة مئتين وخمسين سنة، حتى ظهر خاتم الأنبياء سیدنا محمد المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم).

النتیجة
شيخ الأئمة مولانا وسیدنا صادق آل محمد (سلام الله عليه)، ذلك الوجود المقدس الذي وصف آخر أبنائه "وارث الأنبياء والأوصياء؛ مولانا بقية الله الأعظم (أرواحنا فداه)" قائلاً: «لَوْ أَدْرَكْتُهُ لَخَدَمْتُهُ أَیامَ حَیاتِی»، لقد قام، بتبيين حِكَم غيبة المهدي (أرواحنا فداه) من خلال تشبيهها بغيبات الأنبياء الإلهيين، بإهداء كنز لا مثيل له ودليل هدى لشيعة عصر الغيبة. مما لا شك فيه، أن شرح هذه الأسرار التي تشمل حكمة التولد المعجزية والخفية لحضرته في ظل الظلم والجور، وطول أيام الغيبة، وامتداد الحياة الطيبة للإمام طوال فترة الغيبة، واستمرار اختبار الغيبة حتى تخليص المؤمنين الحقيقيين بشكل قاطع من المدعين والمنافقين، وضرورة المعرفة النورانية والبصيرة تجاه الوجود المقدس للإمام المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشريف)، وأهمية أمل المنتظرين الحقيقيين في تحقق الظهور، ودور التضرع الخاشع والمخلص للجماعة المنتظرة في الدعاء لتسريع أمر فرجهم، وأثر هذا الدعاء المتضرع في تقليل أيام الغيبة، وتبعاً لذلك، شكرهم لإقتراب زمان الظهور، كل ذلك، بالإضافة إلى أنه يشير إلى ارتباط عميق بين الطاقة الإيمانية ومستوى معرفة وشكر الجماعة المنتظرة بأمر الظهور، فإنه أيضاً سبب لحماية المؤمنين من شرّ الفتن والشبهات المتعددة والآفات الكثيرة في عصر الغيبة، حتى ينالوا الفوز العظيم بالظهور الموفور السرور لحضرة مولانا بقیه الله الأعظم (عجل الله تعالی فرجه الشريف).

..................

انتهى / 232

تعليقك

You are replying to: .
captcha