وفقا لما أفادته وكالة أنباء أهل البيت (ع) الدولية ــ أبنا ــ لم تتضح بعد التفاصيل الدقيقة للرسالة التي أرسلها ترامب إلى قائد الثورة الاسلامية في إيران.
ورغم ذلك، هناك تكهنات حول هذا الأمر، مفادها أن ترامب يسعى هذه المرة إلى طرح مجموعة من الموضوعات الجديدة للضغط على إيران سواء على طاولة المفاوضات أو خارجها، وأن الملف النووي الإيراني لم يعد وحده محل اهتمام واشنطن كما كان في السابق
تشير بعض المصادر إلى طرح شروط جديدة من جانب ترامب للإيرانيين، مثل وقف تخصيب اليورانيوم بشكل كامل، وإنهاء برنامج صنع الصواريخ والطائرات المسيرة، ووقف دعم جماعات المقاومة في المنطقة.
ورغم أن هناك تقارير تفيد بأن الأمريكيين منحوا إيران مهلة شهرين لقبول هذه الشروط، فإن خطاب قائد الثورةالاسلامية الإمام آية الله السيد خامنئي الأخير، الذي ألقاه بمناسبة رأس السنة الإيرانية الجديدة (نوروز)، كشف إلى حد كبير عن الخطوط العامة لرسالة ترامب وموقف إيران، مما يشير إلى أن التكهنات حول مضمون الرسالة كانت صحيحة إلى حد بعيد.
ومن الملفت للانتباه إشارة قائد الثورة الإسلامية آية الله السيد علي الخامنئي إلى التناقضات المتكررة في تصريحات الأمريكيين خلال الأشهر القليلة الماضية بشأن إيران.
فقد قدّم المسؤولون الأمريكيون، من فيتكوف إلى روبيو، سلسلة من التصريحات التي تضمنت تعبيرات عن الأمل في التفاعل مع إيران، ومديحاً لإيران وشعبها، ورغبة في الحضور المباشر في طهران للحوار، إلى جانب تهديدات عسكرية قاسية لإيران.
ويبدو أن الهدف من ذلك هو خلق نوع من الخلاف والحيرة بين المسؤولين الإيرانيين حول كيفية التعامل مع الحكومة الأمريكية الجديدة ومطالبها.
في النسخة الجديدة، يُقدَّم ترامب كرجل سلام، بينما تُنسب التهديدات ضد إيران إلى أشخاص آخرين، ليتم استخدام سياسة "العصا والجزرة" معاً، بحيث إذا رفضت طهران الشروط الصارمة وغير المنطقية لواشنطن، يتم تحميل الإيرانيين مسؤولية أي رد فعل من ترامب.
وقد أشار قائد الثورة الاسلامية آية الله خامنئي إلى هذا السلوك المتضارب ظاهرياً، قائلاً: «مسؤولو الحكومة الأمريكية كل واحد منهم يقول شيئاً مختلفاً، أحدهم يكمله، وآخر ينفيه، وآخر يؤكده».
لكن يبدو أن هذا السلوك المتضارب لم ينجح في إرباك قائد الثورة الاسلامية، الذي يمتلك خبرة طويلة في التعامل مع سياسات الحكومات الأمريكية المتعاقبة.
وقد لخص رده على هذه السلوكيات في نقطتين: «أولاً، يجب أن يعلم الأمريكيون أنهم لن يصلوا إلى أي نتيجة مع إيران بالتهديد، وثانياً، يجب أن يعلم الأمريكيون وغيرهم أنهم إذا ارتكبوا أي شر ضد الشعب الإيراني، فسوف يتلقون صفعة قوية».
أما بالنسبة لجماعات المقاومة في المنطقة، فقد أشار إلى أنه «لا يوجد شيء اسمه جماعات نيابية أو وکلاء، وإيران ليست بحاجة إلى وکلاء، فهذه الجماعات تمتلك دوافعها الخاصة، وهي رد على ظلم دولة الاحتلال، واحتجاج عليه، ووقوفها في وجه الكيان الغاصب».
ويبدو أن هذا التأكيد على استقلالية هذه الجماعات جاء في سياق طرح شرط التخلي عن دعم إيران لجماعات المقاومة، أو ما تسميه أمريكا "الجماعات النيابية "، في رسالة ترامب، مما يؤكد وجود مثل هذا المطلب من جانب ترامب.
ومع ذلك، يبدو أن رد إيران وتفاعلها مع الرسالة لن يكون أحادي الجانب، بحيث لا تُتهم طهران بأنها من أغلق أبواب الحوار والمفاوضات.
ومن خلال تحليل مواقف قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد الخامنئي في خطابه الأخير، وتتبع التصريحات والمواقف الأخيرة للمسؤولين الإيرانيين، يمكن توقع أن تفكك طهران ردودها على الرسالة بناءً على الموضوعات المختلفة المطروحة فيها أو أنها ستفعل ذلك.
في الملف النووي، يتمثل قلق الأمريكيين وحلفائهم في وصول إيران إلى السلاح النووي.
وقد نفت إيران مرارًا وفي مناسبات كثيرة سعيها لامتلاك السلاح النووي. لذا، يبدو أنها لن تغلق باب الحوار والمفاوضات في هذا الشأن، وستسعى لتقديم ضمانات. أما في موضوع تطوير صناعة الصواريخ والطائرات المسيرة، فلا شك أن إيران لن تسمح بإدراج هذا الموضوع الحيوي في أي مجال تفاوضي أو مساومة مع أمريكا أو أطراف خارجية.
فإن هذا يُعدّ من أدوات القوة للأمن القومي والردعية والدفاعية لإيران، والتراجع عنه سيفتح الباب أمام أمريكا للتدخل في قضايا جديدة مستقبلاً، فضلاً عن أنه سيجعل إيران عرضة للخطر بشكل كبير أمام دولة الاحتلال.
وفيما يتعلق بجماعات المقاومة، سيكون رد إيران أن نشاط هذه الجماعات ودوافعها لا علاقة لها بإيران، وإنما يعود إلى التصرفات الظالمة للکيان الإسرائيلي ضد شعوب المنطقة. ومع ذلك، ستستمر إيران في دعم نضال شعبي فلسطين ولبنان ضد الاحتلال الغاشم.
وأخيراً، أكد قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد الخامنئي في خطابه أن إيران لم تكن يوماً من يبدأ النزاعات والحروب، لكنها إذا تعرضت لأي شر، سترد.
بمعنى آخر، تهديد مقابل تهديد. هذا الرد المحتمل متعدد الأبعاد من إيران قد يجعل اتخاذ ترامب لقرار بشأن إيران أكثر تعقيداً وصعوبة ونتائج وخيمة ترتد على أمريكا.
رضا الغرابي القزويني – باحث في الشأن الايراني
..................
انتهى / 232
تعليقك