١١ مارس ٢٠٢٥ - ٠٢:٢٥
إلى متى ستواصل إسرائيل عدوانها على لبنان؟

في كل مرة تقصف فيها إسرائيل الجنوب، تخرج الدولة اللبنانية ببيان تنديد، ثم يعود كل شيء إلى طبيعته. هذا الأداء الرسمي لم يعد مجرد ضعف سياسي، بل بات أشبه بقبول ضمني بأن لبنان ساحة مفتوحة للاعتداءات، من دون أن يكون هناك أي جهد حقيقي لوقفها.

وفقا لما أفادته وكالة أنباء أهل البيت (ع) الدولية ــ أبنا ــ لم يكن العدوان الإسرائيلي على جنوب لبنان أول أمس الجمعة وأمس السبت سوى استمرار لنهج عدائي قائم منذ عقود. لا تتعامل تل أبيب مع جنوب لبنان كأرض ذات سيادة، بل كأرض مفتوحة لأطماعها، ولإيصال الرسائل العسكرية والسياسية المتعلقة بالمنطقة. العدوان المتواصل الذي جاء بعد هدوء نسبي يطرح تساؤلاً ينتظر الإجابة عنه من الذين ينظّرون لأهلية الدولة بعلاقاتها للدفاع عن لبنان وسيادته: إلى متى يبقى لبنان في موقع المتلقّي للضربات الإسرائيلية من دون أن يكون هناك تحرك رادع من الدولة؟

المعادلة اليوم أكثر تعقيداً من أي وقت مضى. الجنوب، الذي دائماً ما كان ساحة المواجهة الأولى والمدافع الأول عن لبنان وسيادته، يعيش تحت وطأة اعتداءات متكررة، فيما الدولة اللبنانية، بأجهزتها السياسية والعسكرية، تبدو عاجزة عن تقديم أي رد فعل يتجاوز حدود البيانات الديبلوماسية. في المقابل، يواصل حزب الله ضبط النفس ومنح الفرص المتكررة للمعنيين وللجنة الإشراف على وقف إطلاق النار. وفي الوقت نفسه ومما لا شك فيه أن حزب الله لا يمكن أن يبقى متفرجاً إلى ما لا نهاية أمام استمرار الاستفزازات الإسرائيلية.

موقع الجيش في المعادلة

انتشار الجيش اللبناني في الجنوب كان أحد الشروط الرئيسية للقرار الدولي 1701، الذي جاء بعد حرب تموز عام 2006 وشُدّد عليه بعد العدوان الأخير على لبنان. نظرياً، الجيش هو المسؤول عن الأمن على طول الحدود اللبنانية الفلسطينية، بالتنسيق مع قوات اليونيفيل ولجنة الإشراف على اتفاق وقف إطلاق النار التي ترأسها أميركا. لكن عملياً، كل العمليات العسكرية التي تجري في الجنوب من الجانب الإسرائيلي، تتم من دون أي تأثير مباشر لدور الجيش هناك.

المشكلة هنا ليست في الجيش نفسه، بل في القرار السياسي الذي يحكم حركته. المؤسسة العسكرية تعيش تحت ضغط داخلي وخارجي. فمن جهة هناك الأطراف اللبنانية التي تطالب بأن يكون الجيش هو القوة الوحيدة التي تتولى الأمن في الجنوب، ومن جهة أخرى هناك التوازنات الإقليمية التي تجعل من المستحيل فرض هذه المعادلة بالقوة. أما على الأرض، فالواقع مختلف تماماً: الجيش لا يمتلك الإمكانات، ولا القرار السياسي، للقيام بأي دور فعلي في ردع الاعتداءات الإسرائيلية واحتلالها لجزء من الأراضي اللبنانية.

الدولة اللبنانية: صمت يرقى إلى القبول الضمني؟

في كل مرة تقصف فيها إسرائيل الجنوب، تخرج الدولة اللبنانية ببيان تنديد، ثم يعود كل شيء إلى طبيعته. هذا الأداء الرسمي لم يعد مجرد ضعف سياسي، بل بات أشبه بقبول ضمني بأن لبنان ساحة مفتوحة للاعتداءات، من دون أن يكون هناك أي جهد حقيقي لوقفها.

الحكومة اللبنانية التي أكّدت في بيانها الوزاري أنها لن ترضى بهذا العدوان ولن تقبل باحتلال أي شبر من الأراضي اللبنانية، تدرك جيداً أن أي مواجهة مع إسرائيل تعني تعقيدات سياسية كبيرة وشخصيّة، لكن في المقابل، فإن هذا الصمت المستمر يطرح تساؤلات حول مفهوم السيادة نفسه. كيف يمكن لدولة أن تدّعي أنها صاحبة القرار على أراضيها، في حين أن العدو ينفّذ اعتداءات متكررة من دون أي رادع؟

هناك أيضاً الحسابات الخارجية التي تلعب دوراً رئيسياً في الموقف اللبناني. الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، تزعم أنها تمارس ضغوطاً دائمة لمنع أي تصعيد عسكري، لكن في الوقت نفسه لا تقدم أي ضمانات حقيقية لحماية لبنان من تلك الاعتداءات. والنتيجة هي هذا الجمود السياسي الذي يترك الجنوب مكشوفاً أمام أي مغامرة عسكرية إسرائيلية.

حزب الله: كيف سيكون الرد؟

منذ عام 2006، فرض حزب الله معادلة ردع واضحة: أي اعتداء إسرائيلي لن يكون مجانياً. هذه المعادلة صمدت رغم كل التطورات التي شهدتها المنطقة، ورغم محاولات إسرائيل المتكررة لاختبار حدودها. ولكن، ماذا لو قررت إسرائيل الذهاب إلى المواجهة من جديد؟

يقول الحزب إنه لا يعمل وفقاً لردود الأفعال العشوائية، بل ضمن إستراتيجية واضحة تقوم على تحقيق توازن مستدام في الصراع، وهذا الذي لم نشهده اليوم بسبب إصرار الدولة اللبنانية على تراجع المقاومة إلى منطقة شمال الليطاني وتولّي المؤسسة العسكرية زمام الأمور، من جهة، نظراً إلى الواقع الجديد الذي فرضه العدوان والتطورات السورية معاً من جهة أخرى.

الأمر لا يتعلق اليوم بقدرات المقاومة العسكرية، التي شهدناها في معركة أولي البأس، بل أيضاً بالحسابات السياسية. حزب الله يدرك أن أي تصعيد واسع في هذه المرحلة الحساسة التي يمر بها لبنان قد يكون جزءاً من خطة إسرائيلية لاستدراجه إلى العودة للقتال الذي تريده تل أبيب في توقيت يناسبها. لذلك، حتى الآن، لا يزال الحزب يحافظ على هدوئه، وفي الوقت نفسه يعمل على ترميم قدراته في ظروف معقّدة أمنياً وسياسياً.

كل المؤشرات تشير إلى أن احتمال الحرب لا يزال قائماً، لكنه ليس الخيار الأول لأي من الطرفين (أ ف ب)

جيشان بمقاييس مختلفة؟

تعامل إسرائيل مع لبنان يختلف تماماً بين حالتين: وجود المقاومة، وغيابها. حين كان الجنوب تحت سيطرة الدولة اللبنانية فقط، قبل عام 1982، لم يكن أمام إسرائيل أي رادع يمنعها من تنفيذ عمليات اغتيال، وقصف مدن وقرى بأكملها، واحتلال أجزاء واسعة من الأراضي اللبنانية. حتى اجتياح 1982، لم يواجه بأي مقاومة فعلية في بدايته، ما سمح للعدو بالتقدم بسهولة حتى احتلال بيروت.

لكن بعد انطلاق المقاومة، تغير المشهد بالكامل. إسرائيل لم تعد قادرة على تنفيذ عملياتها من دون حساب للردّ، والمغامرات العسكرية أصبحت أكثر كلفة. الفارق هنا واضح: حين تكون الدولة اللبنانية وحدها في المواجهة، لا يأخذ العدو أي اعتبار لسيادتها، لكنه عندما تكون المقاومة طرفاً في المعادلة، تصبح إسرائيل مضطرة إلى حساب كل خطوة تقوم بها.

عودة إلى الحرب؟

كل المؤشرات تشير إلى أن احتمال الحرب لا يزال قائماً، لكنه ليس الخيار الأول لأي من الطرفين. إسرائيل تعلم أن المقاومة اليوم لم تفقد قدراتها العسكرية ولا قاعدتها الشعبية في لبنان والمنطقة رغم الضربات العسكرية الكبيرة التي تلقتها المقاومة، وهذا ما أُثبت في تشييع الأمينين العامين السّابقين لحزب الله السيد حسن نصرالله وصفيّه الهاشمي السيد هاشم صفي الدين، كذلك في يوم العودة والزحف إلى القرى الحدودية فور انتهاء مهلة بقاء القوات الإسرائيلية في الجنوب.

المشكلة أن التوازن الحالي لا يمكن أن يستمر إلى الأبد، ومع كل اعتداء جديد، يصبح من الصعب الحفاظ على هذا الوضع من دون انفجار كبير. وما يحدث اليوم في جنوب لبنان هو إدارة صراع طويلة الأمد، لكنها في لحظة معينة قد تنفجر إلى مواجهة شاملة من جديد إذا استمرت إسرائيل في سياسة القصف التدريجي ومحاولة فرض حرية حركتها في الأجواء اللبنانية.

لبنان بين الحرب واللاحرب

إسرائيل لن توقف اعتداءاتها من تلقاء نفسها، لأن إستراتيجيتها تقوم على اختبار ردود الأفعال، والتقدم حيث لا تجد مقاومة من الدولة التي تبدو خارج المعادلة بالكامل. وعلى ضوء ما تقدّم، السؤال ليس فقط عن دور حزب الله، أو موقف الدولة اللبنانية، بل عن القرار الذي يجب أن يُتخذ: هل يبقى لبنان في موقع المتلقي، أم أن الوقت قد حان لإعادة فرض قوة السلاح؟

سمات

تعليقك

You are replying to: .
captcha