24 مايو 2025 - 08:50
نداءُ الإمام الخامنئي في مِئوية حوزة قم؛ بين التفاعُل الرمزي والاستجابة الجادّة

مع إدراك أن النداء حديثُ العهد بهيئته أكثر من مضمونه، لكن يبقى ما تقدّم ملاحظة نابعة من تجربة سابقة في التعامل مع النداءات، ونُصحا يقدّمه الحريصون كي لا تُختزل الاستجابة بمناشير تفسيريّة (مع أهميتها).

وفقا لما أفادته وكالة أنباء أهل البيت (ع) الدولية ــ أبنا ــعندما يُصدِر الوليُّ الفقيه نداءً تاريخيًّا يحمل طابع التوجيه لحوزة عِلمية كبرى، من الطبيعي أن تتحرّك، ويتحرك أمناء المدارس الصغرى - المنتمية إلى ذلك الصّرح العظيم - بروح التفاعل والرغبة في المحاكاة والامتثال.

ويقع الإشكال حين تتمظهر المحاكاة - بدافع الحماسة والترويج - بنحوٍ لا يرقى إلى مستوى ماهية النداء، فتُختزل في منشورات إلكترونية تحليلية مبتورة عن مسار واضح، تُضفي طابعًا تفسيريًا على نداءٍ هو في جوهره صرخة توجيهيّة نحو تغيير في سياسات ينبغي اتخاذها على مستوى الحوزة الكبرى، وفي الوقت نفسه، لا يُعفي المدارس الصغرى المنضوية تحتها من مسؤولياتها التي تُقدَّر بقدرها.

وبتلك المحاكاة، قد تظنّ الجهات المقصودة بالنداء أنها استجابت وأسقطت عن نفسها التكليف، إلا أن ما يُقدَّم - وإن كان في نفسه فِعلاً حسنًا - لا يرقى إلى مرتبة الاستجابة الجادّة؛ فليس النداء خطابا توعويا أو درسا حوزويا يتطلب شرحا أو تلخيصا وتشجيرا، بل هو في ماهيته توجيهيٌّ لمؤسَّسة عُظمى، تُعدُّ ركنا ركينا من منظومة القيادة وصِناعة الأمة حضاريًّا.

التفاعل الجاد مع النداءات التاريخية يأخذ طابعًا عَمليًا، مُبرمجًا، نابعًا من مراجعة للسياسات التعليمية والإدارية، وموجّهًا نحو تحوّل نوعي في البحث ونمط إنتاج المعرفة بما يتناسب مع العصر والمستقبل (مستمدًّا من التراث)، مضافا إلى تغيير في طريقة التواصل مع الأمة، وأدوات التأثير في الوعي العام... الاستجابة الجادة لا تكون بمجرَّد الحديث عن التغيير وتقنينه نظريا، بمقدار ما هي في صناعته تنفيذيا.

وأما المُحاكاة الرمزية المبتورة عن مَسار - فهي على ما تحمل من ظاهر التفاعل ـ قد يكون وجودها أشدّ ضررًا من عدمها؛ لأنها تُخفي التقصير خلف قناع الاستجابة، وتُسكِت صوتَ الواجب بزينة الامتثال... في حين أن عدمها قد يُبقي الشعور بالمسؤولية حيًّا ينبض... إنّ الحركة الرمزية - التي لا تقع ضِمن مسار استجابة جوهرية - قد تقتل الشعور بالواجب.

مع إدراك أن النداء حديثُ العهد بهيئته أكثر من مضمونه، لكن يبقى ما تقدّم ملاحظة نابعة من تجربة سابقة في التعامل مع النداءات، ونُصحا يقدّمه الحريصون كي لا تُختزل الاستجابة بمناشير تفسيريّة (مع أهميتها).

فهل يا تُرى يتحول هذا النداء إلى مُحركِ فعلٍ ونهضة؟ أم يبقى صدى يضيع بين أوراق التفسير وأروقة التحليل؟

الشيخ هاشم الضيقة _ لبنان

سمات

تعليقك

You are replying to: .
captcha