27 يونيو 2023 - 16:21
9 ذو الحجة.. ذكرى استشهاد مسلم بن عقيل (ع)

قال الإمام علي (ع) لرسول الله (ص): «يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّكَ لَتُحِبُّ عَقِيلاً؟ قَالَ: إِي وَاللهِ، إِنِّي لَأُحِبُّهُ حُبَّيْنِ: حُبّاً لَهُ، وَحُبّاً لِحُبِّ أَبِي طَالِبٍ لَهُ، وَإِنَّ وَلَدَهُ لَمَقْتُولٌ فِي مَحَبَّةِ وَلَدِكَ، فَتَدْمَعُ عَلَيْهِ عُيُونُ المُؤْمِنِينَ، وَتُصَلِّي عَلَيْهِ المَلَائِكَةُ المُقَرَّبُون‏. ثمّ بكى رسول الله (ص) حتّى جرت دموعه على صدره، ثمّ قال: إِلَى اللهِ أَشْكُو مَا تَلْقَى عِتْرَتِي مِنْ بَعْدِي‏»(6).

 وفقا لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء – ابنا ـ استشهد مسلم بن عقيل في الكوفة يوم 9 ذو الحجة سنة 60هـ بعد يوم واحد من خروج الإمام الحسين (ع) من مكة، وبعد مقاومة شديدة قتل فيها جمعا من جند ابن زياد تم إلقاء القبض عليه غدرا من قبل جيش ابن زياد، وقد أمر ابن زياد بقطع رأسه بالسيف وإلحاق بدنه بجسمه، فرفع أعلى قصر الكوفة فقتله بكير بن حمران الأحمري، ثم رميت جثته الطاهرة من أعلى القصر، ودفن بعد ذلك في مشهده المجاور لمسجد الكوفة.

 
إطلالة على سيرة حياة مسلم بن عقيل عليه السلام في يوم استشهاده.

 

قرابته بالمعصوم (1)

ابن أخ الإمام علي، وابن عمّ الإمامينِ الحسن والحسين(عليهم السلام).

 

اسمه وكنيته ونسبه

أبو عبد الله مسلم بن عقيل بن أبي طالب.

 

أُمّه

جارية.

 

ولادته

ولد عام 22ﻫ بالمدينة المنوّرة.

 

من أقوال العلماء فيه

1ـ قال الشيخ عبد الله المامقاني (قدس سره): «وأقول: كونه في أعلى درجات العدالة والثقة ممّا لا يرتاب فيه ذو مسكة، كيف وإرسال الحسين (ع) إيّاه سفيراً ورسولاً من أعظم البراهين على ثقته وعدالته»(2).

2ـ قال السيّد الخوئي (قدس سره): «وكيف كان، فجلالة مسلم بن عقيل وعظمته فوق ما تحويه عبارة، فقد كان بصفّين في ميمنة أمير المؤمنين(ع) مع الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر»(3).

 

مكانته

كان(ع) من أجلّة بني هاشم، وكان عاقلاً عالماً شجاعاً، وكان الإمام الحسين (ع) يُلقّبه بثقتي، وهو ما أشار إليه في رسالته إلى أهل الكوفة.

ولشجاعته اختاره عمّه أمير المؤمنين(ع) في حرب صفّين، ووضعه على ميمنة العسكر مع الحسن والحسين(عليهما السلام).

 

من زوجاته

ابنة عمّه رقية بنت علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، جارية.

 

من أولاده

محمّد وعبد الله وعبد الرحمن وأحمد وعون وجعفر «استُشهدوا في واقعة الطف»(4)، ومحمّد الأصغر وإبراهيم «فرّا في الصحراء وهما صغيران، حينما هجمت خيل عمر بن سعد على مخيّم الإمام الحسين(ع) بعد قتله يوم العاشر من المحرّم عام 61ﻫ»(5).

 

إخبار النبي (ص) بقتله

قال الإمام علي (ع) لرسول الله (ص): «يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّكَ لَتُحِبُّ عَقِيلاً؟ قَالَ: إِي وَاللهِ، إِنِّي لَأُحِبُّهُ حُبَّيْنِ: حُبّاً لَهُ، وَحُبّاً لِحُبِّ أَبِي طَالِبٍ لَهُ، وَإِنَّ وَلَدَهُ لَمَقْتُولٌ فِي مَحَبَّةِ وَلَدِكَ، فَتَدْمَعُ عَلَيْهِ عُيُونُ المُؤْمِنِينَ، وَتُصَلِّي عَلَيْهِ المَلَائِكَةُ المُقَرَّبُون‏.

ثمّ بكى رسول الله (ص) حتّى جرت دموعه على صدره، ثمّ قال: إِلَى اللهِ أَشْكُو مَا تَلْقَى عِتْرَتِي مِنْ بَعْدِي‏»(6).

 

خروجه إلى الكوفة

ارتأى الإمام الحسين (ع) أن يُرسل مندوباً عنه إلى الكوفة يُهيّئ له الأجواء، وينقل له واقع الأحداث؛ ليستطيع أن يُقرّر الموقف المناسب، ولابدّ لهذا السفير من صفات تُؤهّله لهذه السفارة، فوقع الاختيار على مسلم بن عقيل (ع)؛ لما كان يتّصف به من الحكمة والشجاعة والإخلاص.

خرج مسلم(ع) من المدينة المنوّرة متوجّهاً إلى الكوفة في الخامس عشر من شهر رمضان 60ﻫ، ويصحبه قيس بن مسهر مع دليلين يدلّانه الطريق.

 

حمله لرسالة الإمام الحسين (ع) لأهل الكوفة

خرج (ع) من المدينة المنوّرة حاملاً رسالة الإمام الحسين (ع) إلى أهل الكوفة، وجاء فيها: «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، مِنَ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ إِلَى المَلَإِ مِنَ المُسْلِمِينَ وَالمُؤْمِنِينَ، أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ هَانِئاً وَسَعِيداً قَدِمَا عَلَيَّ بِكُتُبِكُمْ، وَكَانَا آخِرَ مَنْ قَدِمَ عَلَيَّ مِنْ رُسُلِكُمْ، وَقَدْ فَهِمْتُ كُلَّ الَّذِي اقْتَصَصْتُمْ وَذَكَرْتُمْ، وَمَقَالَةُ جُلِّكُمْ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْنَا إِمَامٌ فَأَقْبِلْ، لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَجْمَعَنَا بِكَ عَلَى الهُدَى وَالحَقِّ، وَإِنِّي بَاعِثٌ إِلَيْكُمْ أَخِي وَابْنَ عَمِّي وَثِقَتِي مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، فَإِنْ كَتَبَ إِلَيَّ أَنَّهُ قَدِ اجْتَمَعَ رَأْيُ مَلَئِكُمْ وَذَوِي الْحِجَى وَالْفَضْلِ مِنْكُمْ عَلَى مِثْلِ مَا قَدِمَتْ بِهِ رُسُلُكُمْ، وَقَرَأْتُ فِي كُتُبِكُمْ، أَقْدَمُ عَلَيْكُمْ وَشِيكاً إِنْ شَاءَ اللهِ»(7).

 

وصوله إلى الكوفة

وصل(ع) إلى الكوفة في الخامس من شوال 60ﻫ، فنزل في دار المختار بن أبي عبيدة الثقفي، وأقبلت الناس تختلف إليه، فكلّما اجتمع إليه منهم جماعة، قرأ عليهم كتاب الإمام الحسين(ع) وهم يبكون، وبايعه الناس حتّى بايعه منهم ثمانية عشر ألف رجل.

 

كتابه إلى الإمام الحسين(ع)

كتب مسلم (ع) كتاباً من الكوفة إلى الإمام الحسين(ع)، جاء فيه: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الرَّائِدَ لَا يَكْذِبُ أَهْلَه، وَقَدْ بَايَعَنِي مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفاً، فَعَجِّلِ الْإِقْبَالَ حِينَ يأتِيكَ كِتَابِي، فَإِنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ مَعَكَ، لَيْسَ لَهُمْ فِي آلِ معاوية رَأْيٌ وَلَا هَوىً، والسَّلام‏»(8).



ما كتبه عملاء الحكم الأُموي عن تحرّكه

أرسل العملاء إلى يزيد رسائل تُخبره عن مجيء مسلم (ع)، منها: «فَإِنَّ مُسْلِمَ بْنَ عَقِيلٍ قَدْ قَدِمَ الْكُوفَةَ، فَبَايَعَتْهُ الشِّيعَةُ لِلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، فَإِنْ يَكُنْ لَكَ فِي الْكُوفَةِ حَاجَةٌ فَابْعَثْ إِلَيْهَا رَجُلاً قَوِيّاً يُنَفِّذُ أَمْرَكَ، وَيَعْمَلُ مِثْلَ عَمَلِكَ فِي عَدُوِّكَ، فَإِنَّ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَجُلٌ ضَعِيفٌ أَوْ هُوَ يَتَضَعَّف»(9).

 

إرسال ابن زياد إلى الكوفة

كتب يزيد بن معاوية رسالة إلى واليه في البصرة عبيد الله بن زياد؛ يطلب منه أن يذهب إلى الكوفة ليُسيطر على الوضع فيها، ويقف أمام مسلم (ع) وتحرّكاته.

ومنذ وصول ابن زياد إلى قصر الإمارة في الكوفة، أخذ يتهدّد ويتوعّد المعارضين والرافضين لحكومة يزيد.

 

خروجه من دار المختار

لمّا سمع (ع) بوصول ابن زياد وما توعّد به، خرج من دار المختار سرّاً إلى دار هاني بن عروة المذحجي ليستقرّ بها، ولكنّ جواسيس ابن زياد عرفوا بمكانه، فأمر ابن زياد بإلقاء القبض على هاني بن عروة وسجنه.

 

إعلانه الثورة على ابن زياد

لمّا بلغ خبر إلقاء القبض على هاني بن عروة إلى مسلم، أمر(ع) أن يُنادى في الناس: «يَا مَنْصُورُ أَمِت‏»، فاجتمع الناس في مسجد الكوفة.

فلمّا رأى ابن زياد ذلك، دعا جماعة من رؤساء القبائل، وأمرهم أن يسيروا في الكوفة ويُخذّلوا الناس عن مسلم، ويُعلموهم بوصول الجند من الشام.

فلمّا سمع الناس مقالتهم أخذوا يتفرّقون، وكانت المرأة تأتي ابنها وأخاها وزوجها وتقول: انصرف، الناس يكفونك، ويجيء ا