20 ديسمبر 2025 - 19:38
إمام جمعة بغداد: الخلل في العملية السياسية سببه تغليب المصالح الشخصية والخضوع للضغوط الخارجية

السيد ياسين الموسوي: الأحزاب وُجدت لخدمة الأشخاص، لا الأشخاص لخدمة البرامج الوطنية، وهذا أصل الخلل.

وفقا لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء ــ ابنا ــ أكد آية الله السيد ياسين الموسوي، إمام جمعة بغداد والأستاذ البارز في حوزة النجف الأشرف، أن العملية السياسية في العراق ما زالت تعاني خللاً بنيوياً عميقاً، يتمثل في غياب المفهوم الحقيقي للموالاة والمعارضة، وتحول الحكم من إدارة دولة إلى إدارة مصالح أفراد وجماعات.
وأوضح السيد الموسوي في خطبة الجمعة أن علم السياسة يقرّ بوجود موالاة تمسك بزمام الحكم ومعارضة تراقب الأداء وتصحح المسار، مبيناً أن هذا النموذج، إذا طُبق بصورة صحيحة، يضمن معالجة الأخطاء وتصويب السياسات، بل وقد يؤدي إلى تغيير الحكومة بوسائل دستورية في حال الإصرار على الفشل.
وأضاف أن هذا المسار هو نموذج علمي معروف، كما هو الحال في بقية العلوم الإنسانية، لكن الواقع العراقي ابتعد عنه كثيراً.
وأشار الموسوي إلى أن العملية السياسية بعد عام 2003 بدأت تحت عنوان "حكومة احتلال"، حيث شُكلت المؤسسات الأولى بإشراف مباشر من سلطة الاحتلال الأميركي.
وبيّن أن التحول الحقيقي جاء بتدخل المرجعية الدينية العليا، التي أصرت على كتابة الدستور بإرادة شعبية، مع تثبيت هوية الأمة وثوابتها، ما مهّد لقيام حكومة وطنية يفترض أن تقوم على أسس دستورية واضحة.
واستعرض الموسوي مرحلة العنف والإرهاب التي رافقت ما سُمي بالمعارضة السياسية، مؤكداً أن العراقيين دفعوا ثمناً باهظاً من دماء أبنائهم قبل أن ينتصروا على المشاريع الدموية، سواء تمثلت بتنظيم القاعدة أو داعش.
وأضاف: "بعد الانتصار على الإرهاب، كان يفترض أن ننتقل إلى مرحلة البناء، لكننا دخلنا في أزمة جديدة."
وانتقد السيد الموسوي بشدة أداء القوى السياسية، مؤكداً أن العراق لم يُحكم فعلياً من قبل أحزاب ذات برامج، لا إسلامية ولا علمانية، بل حُكم من قبل أشخاص يتسترون بأسماء أحزاب.
وقال: "الأحزاب وُجدت لخدمة الأشخاص، لا الأشخاص لخدمة البرامج الوطنية، وهذا أصل الخلل."
وأكد أن أخطر ما تواجهه البلاد اليوم هو حالة الانعزال بين الحاكم والشعب، مشيراً إلى أن المرجعية الدينية العليا حذّرت مراراً من هذا المسار.
وأضاف أن سبب هذا الانفصال هو السعي المحموم للبقاء في السلطة والاستفادة من امتيازاتها، حتى يتحول المنصب من تكليف إلى غنيمة.
وفيما يخص ملف اختيار رئيس الوزراء، أوضح السيد الموسوي أن المشهد السياسي يعاد إنتاجه بالطريقة ذاتها، حيث لا يُطرح أي اسم على أساس الكفاءة أو المشروع الوطني، بل وفق معيار واحد هو حفظ المصالح الشخصية، والحصول على القبول الأميركي.
وأكد أن الضغوط الاقتصادية والأمنية التي تمارسها واشنطن لا يمكن أن تكون مبرراً للخضوع، لو توفرت إرادة وطنية حقيقية.
وقارن الموسوي بين واقع العراق بعد أكثر من عقدين على التغيير، وبين تجربة الجمهورية الإسلامية في إيران التي واجهت حصاراً قاسياً لعقود طويلة، لكنها استطاعت بناء دولة قوية اقتصادياً وعسكرياً وتكنولوجياً.
وقال: "نحن ما زلنا نستورد أبسط المستلزمات، بينما دول محاصَرة تنتج السلاح والصناعة والتكنولوجيا، والفرق هو وجود نظام يحترم نفسه وشعبه."
وأشار إلى أن ضعف الأداء السياسي انعكس على مكانة العراق الدولية، حتى بات المواطن العراقي لا يُحترم بجواز سفره، نتيجة غياب الدولة الحقيقية والمؤسسات الراسخة.
وأكد السيد الموسوي أن الشعب العراقي شعب عظيم وصبور، وقد أثبت قدرته على الصمود في أقسى الظروف، من عهد النظام السابق إلى الحروب الداخلية والإرهاب.
وأضاف: "هذا الشعب قادر على تحمل التضحيات من أجل وطنه، لكنه يحتاج إلى قيادة صادقة، مضحية، مؤمنة بشعبها."
وانتقد الموسوي تصريحات رسمية دعت إلى احترام إرادة الأمة بشكل انتقائي، موضحاً أن الأصوات الانتخابية غالباً ما تُستثمر عبر التحالفات لا عبر الشعبية الحقيقية، وأن الحديث عن احترام إرادة الشعب يفقد معناه حين تُقصى الأمة فعلياً عن القرار.
وختم السيد الموسوي خطبته برفض قاطع لأي مشاريع أو اتفاقيات تمس السيادة العراقية، ومنها مشاريع استثمارية كبرى تُمنح لدول أجنبية على حساب الأرض والقرار الوطني، مؤكداً أن مثل هذه المشاريع لن تمر.
وقال: "العراق ليس غنيمة، ومن لا يستطيع تحمّل مسؤولية الحكم فليعلن عجزه، أما تحويل الدولة إلى صفقة فهذا عار سياسي."

تعليقك

You are replying to: .
captcha