وفقا لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء ـ ابنا ـ تطل العنصرية الصهيو-أمريكية بوجهها القبيح لتكشف عن عمق الحقد الدفين تجاه أقدس مقدسات الأمة؛ ففي مشهدٍ يعكس ذروة السقوط القيمي، أقدم المدعو "جيك لانغ" -المرشح الجمهوري لمقعد مجلس الشيوخ عن ولاية فلوريدا- على تدنيس نسخة من المصحف الشريف بوضعها في فم "خنزير" خلال تظاهرة عدائية بمدينة "بلانو" بولاية تكساس، ولم يكتفِ "لانغ" بهذا الجرم المشهود الذي وثقته عدسات الكاميرات، بل نفث سمومه بوصف هذا الكائن بـ"نقطة ضعف الإسلام"، متوعداً المسلمين بالترحيل القسري وسط شعارات هستيرية ترفع لواء ما يسمى "مناهضة أسلمة أمريكا".
ولم تكن واقعة "لانغ" سوى حلقة في سلسلة اعتداءات ممنهجة؛ إذ شهدت تكساس في الخامس والعشرين من أغسطس 2025 فصلاً مماثلاً من فصول العداء السافر، حين أقدمت المدعوة "فالنتينا غوميز" -المرشحة عن الحزب الجمهوري- على إحراق نسخة من المصحف الشريف بقاذفة لهب في باحة منزلها، موثقةً جريمتها بمقطع فيديو مشفوع بعبارات تحريضية تنضح بالكراهية ضد الإسلام والقرآن والسنة النبوية؛ لتعيد للأذهان جريمة القس المتطرف "تيري جونز" عام 2010، وتكشف الخلفيات الأساسية لتصرفات "غوميز" عن محاولة بائسة لاستثمار التطرف الديني لتغطية فشلها السياسي الذريع بعد هزيمتها القاسية في انتخابات ميزوري لعام 2024.
"أولياء الشيطان" والحرب الوجودية
هذا السلوك الاستفزازي لا يمكن قراءته أنه فعل فردي معزول، فهو في الأساس امتداد طبيعي للحرب الوجودية التي تشنها أذرع الصهيونية العالمية الثلاث (أمريكا، بريطانيا، والكيان الإسرائيلي) ضد الهوية الإسلامية، وسعيها الحثيث لإضلال المجتمعات البشرية واستعبادها بعد تجريدها من حصنها الحصين وتمزيق صلتها بالخالق، وتأتي هذه الجريمة النكراء في سياق زمني مشحون، حيث يتناغم تدنيس المصحف في تكساس مع سفك دماء المسلمين في غزة والضفة ولبنان، واستباحة السيادة في سوريا واليمن، ضمن مخطط "تغيير الشرق الأوسط" الذي يهدف إلى تمكين الكيان الإسرائيلي من مفاصل المنطقة.
بل إن هذا العدوان المتواصل 'سواء عبر "الحرب الناعمة" التي تستهدف الوعي أو "الحرب الصلبة" التي تحرق الشجر والحجر- يبرهن على أن العدو الصهيو-أمريكي يرى في القرآن الكريم العائق الأكبر أمام طموحاته الاستعمارية، ما يفسر هذه المحاولات البائسة للحط من مكانته في نفوس المؤمنين، وفي مقابل هذا التوحش الذي تجلى للعالم على مدار عامين من الإبادة الجماعية في فلسطين وانتهاك حرمة المسجد الأقصى، يبرز مشهدٌ لا يقل مرارةً؛ يتمثل في انبطاح الأنظمة العميلة وأبواقها التي لم تتحرج من تبني دعايات العدو وتغيير بوصلة العداء لصالحه.
إفلاس الوعي والمسؤولية المقدسة
استغلال العدو الأمريكي عدواتِه للدين الإسلامي ومقدساته كدعاية انتخابية رخيصة، يقابله صمتٌ مطبق وتفريط عظيم من أمة الملياري مسلم، وهو ما يعكس حالة من الإفلاس القيمي وفقدان البصيرة الذي طال النخب والشعوب على حد سواء، ما أطمع الأعداءَ في أمةٍ ظنوا أنها وصلت إلى الحضيض بتخليها عن هويتها. إن هذا الواقع الكارثي يستدعي يقظةً إيمانية عاجلة تخرج الأمة من دائرة "سخط الله" إلى ميدان المسؤولية المقدسة؛ فامتلاك الإرادة هو المفتاح لكسر غطرسة "أولياء الشيطان"، ولن يتأتى ذلك إلا بتفعيل سلاح المقاطعة الشاملة للبضائع الأمريكية والإسرائيلية، وتكثيف التحرك الإعلامي الضاغط، وتحويل السخط الشعبي إلى أفعالٍ ملموسة تعيد الاعتبار للمقدسات.
تاريخ أسود في تدنيس المقدسات
تشير إحصائيات الجمعيات الحقوقية الإسلامية إلى زيادة غير مسبوقة في جرائم الكراهية بنسبة 56%، وهي نسبة تتجاوز ما سُجل إبان حروب أمريكا على أفغانستان والعراق؛ في محاولة لمحاصرة الوجود الإسلامي المتنامي الذي قفز بعدد المساجد من 2106 عام 2010 إلى قرابة 3000 مسجد في عام 2025. إن هذه المحارق تعيد للأذهان سلسلة الانتهاكات، بدءاً من فيلم "الخنوع" عام 2004 بمشاركة "إيان هيرسي ألي"، ودعوات "خيرت فيلدرز" لحظر القرآن، وصولاً إلى رسوم الكاريكاتير الدانماركية المسيئة عام 2005، وعربدة "راسموس بالودان" الذي أحرق المصاحف تحت حماية الشرطة.
وفي سياق العدوان العسكري المباشر، تواترت الروايات عن انتهاكات وحشية داخل معتقل "غوانتانامو" عام 2005، حيث استخدم المحققون المصحف أداة للتعذيب النفسي عبر التبول عليه، وهي ذات العقلية التي تجسدت عام 2008 إبان الغزو الأمريكي للعراق، حين حوّل الجنود المصاحف لأهداف رماية، فضلاً عن جريمة حرق المصاحف في قاعدة "بغرام" بأفغانستان عام 2012، وتهديدات "تيري جونز" عام 2013 بإحراق آلاف النسخ؛ ما يؤكد أن هذه الجرائم ليست "فلتات" فردية، بل عقيدة صهيو-أمريكية متجذرة.
من يمول محارق الكراهية؟
وبينما كانت خيوط المؤامرة تُنسج في "مراكز الأبحاث" بواشنطن، كانت الأموال الصهيونية تتدفق كوقود لهذه المحارق؛ إذ تؤكد تقارير ما يسمى "مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (CAIR)" أن هذه الشبكة تدار بتمويلات تتجاوز 1.5 مليار دولار، ضُخت عبر 40 منظمة مانحة تابعة للوبي الصهيوني واليمين المتطرف، مثل "منتدى الشرق الأوسط" برئاسة "دانيال بايبس" و"مركز سياسة الأمن" الذي يعمل كـ"مصنع فكري" لربط الإسلام بالإرهاب، بميزانيات سنوية تتخطى 4 ملايين دولار. كما تشير تقارير "أوبن سيكرتس" إلى أن "أيباك" خصصت وحدها ما يزيد عن 100 مليون دولار لدورة انتخابات 2024-2025 لدعم الأصوات التي تتبنى "المسيحية الصهيونية" التي ترى في حرق المصحف دفاعاً عن الغرب.
وعلى أرصفة التضليل الإعلامي، يبرز "عرّابو الكراهية" خلف الشاشات الأمريكية والغربية، بينها "فوكس نيوز"، لتبييض هذه الجرائم، مستعينين بخبراء "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" لشرعنة الكراهية وتغليفها بغلاف "التحليل الاستراتيجي". إن الانتقال من "محرقة الكلمة" في الداخل الأمريكي إلى "محرقة الإنسان" في غزة والشرق يكمل فصول الرواية المأساوية؛ فاليد التي تحمل قاذف اللهب في تكساس هي ذاتها التي توقع على شحنات القنابل المتجهة لقتل الأطفال في فلسطين ولبنان واليمن، في تحالف شيطاني يجعل من واشنطن و"تل أبيب" وجهين لعملة واحدة.
محرقة الوعي والرد اليماني الصامد
وأمام هذا العداء الأمريكي المعلن، صدع صوت الشارع اليمني في تلبيةٍ يمانية فورية واستجابةٍ شعبية عارمة لدعوة السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي، واصفاً ما حدث بالجريمة المكتملة الأركان التي تنضح بحقدٍ صهيوني دفين يستهدف القرآن الكريم، وكرامة الإنسان وهويته.
السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي أصدر بيانا للتعليق على الجريمة البشعة، محذرا من مغبة الركون إلى الصمت، بكونه تفريطاً يستوجب سخط الله، وشهادةً مخزية على حالة الإفلاس في الوعي والبصيرة التي يحاول الأعداء تعميمها، داعياً إلى استنهاض المسؤولية المقدسة، وتفعيل سلاح المقاطعة الاقتصادية الشاملة، وجعل القرآن الكريم الحصن الوجودي الوحيد في مواجهة أولياء الشيطان ومخططاتهم الشيطانية.
وهكذا، يبقى الرهان معقوداً على وعي الشعوب ويقظة الضمير الجمعي في التصدي للحرب الصهيونية التي لا تستثني حجراً ولا بشراً، في معركة لا تحتمل أنصاف المواقف، ولا يوقِف زحفَها إلا الموقف الصلب والعودة الصادقة لمنهج القرآن الكريم كونه الخيار الوحيد للحرية والاستقلال.
..................
انتهى / 232
تعليقك