11 نوفمبر 2025 - 10:54
مصدر: خاص أبنا
الثورة الإسلامية نقطة تحول قضت على التبعية.. والاستقلال شرط للتقدم.. والحفاظ على مكانة إيران يتطلب معرفة العدو

وضح حقاني، مستنداً إلى فكر قائد الثورة، أن تجاوز النظام العالمي القديم يجب أن يتم بالقوة والذكاء، وأن الحفاظ على مكانة إيران يتطلب معرفة العدو والاعتماد على القدرات الوطنية. وأكد أن الاستقلال هو شرط مسبق للتقدم، مشيراً إلى أن التجربة التاريخية أثبتت أن التبعية للغرب لا تؤدي أبداً إلى تنمية حقيقية.

وفقا لما أفادته وكالة أنباء أهل البيت (ع) الدولية ــ أبنا ــ انعقد مؤتمر «نحن والغرب في آراء وأفكار سماحة آية الله العظمى الخامنئي» اليوم الثلاثاء، في قاعة المؤتمرات التابعة لهيئة الإذاعة والتلفزيون للجمهورية الإسلامية الإيرانية في العاصمة الايرانية طهران، بمشاركة نخبة من المفكرين والعلماء .

إلى جانب مجموعة من أساتذة الحوزة والجامعة، شارك في المؤتمر علي لاريجاني، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي، ومحمد إسحاقي، معاون التعليم والبحث في مكتب حفظ ونشر آثار آية الله الخامنئي، وموسى حقاني، أمين المؤتمر، وعدد من أعضاء المجلس السياسي لمؤتمر «نحن والغرب في آراء وأفكار سماحة آية الله العظمى الخامنئي»، وألقوا كلماتهم.

هذا المؤتمر، الذي تم تأسيسه منذ 14 آبان 1403هـ ش واستمر حتى الآن، يسعى إلى ترسيخ ثقافة المقاومة ضد نظام الهيمنة بشكل أوسع.

الجذور التاريخية للعلاقة بين إيران والغرب
أشار علي لاريجاني، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي، في مؤتمر «نحن والغرب» إلى منطق القوة الذي يحكم الغرب، قائلاً: من الواضح اليوم أن الغرب، وخاصة أمريكا، يسعى إلى السلام عبر القوة لا عبر العدالة. 

واستعرض تاريخ العلاقات بين إيران والغرب، مذكراً بأن إيران في العصور القديمة، من الأخمينيين إلى الساسانيين، كانت إلى جانب حضارتي اليونان وروما إحدى القوتين العظميين في العالم، ورغم الحروب، لم تخضع يوماً لهيمنة الغرب. 

وأكد أن التبادل الثقافي والعلمي بين إيران والغرب بدأ منذ تلك الحقبة، حتى أن فلاسفة مثل أفلاطون تأثروا بالأفكار الإيرانية.

من الصفويين إلى الثورة الإسلامية: مسار الاستقلال والهيمنة
وقال لاريجاني: فإن إيران في العصر الصفوي، وبالاعتماد على العلم والدين والقوة العسكرية، كانت تتمتع بمكانة مستقلة ومتساوية مع الغرب، وكانت العلاقات مع أوروبا قائمة على التجارة أكثر من الهيمنة. أما في عهد القاجار، فقد أدى الضعف العلمي والاستبداد الداخلي إلى تمكين نفوذ روسيا وبريطانيا، وكانت الامتيازات الاستعمارية دليلاً على نزعة الغرب للهيمنة. 

وأضاف: في عهد البهلوي، ترسخت التبعية للغرب، وتلاشت الإرادة المستقلة؛ وكان انقلاب 28 مرداد وتدخل السفراء الأجانب في قرارات البلاد مثالاً واضحاً على هذه التبعية. 

واعتبر لاريجاني الثورة الإسلامية نقطة تحول استبدلت التبعية بالاستقلال، وفتحت مساراً جديداً للتفاعل العقلاني القائم على العزة مع العالم.

الحضارة الغربية والتحدي الثقافي
أشار لاريجاني إلى تحذيرات قادة الثورة بشأن «الغزو الثقافي الغربي»، وقال: لقد أثبت الزمن أن الغرب يستخدم الأدوات الثقافية والتكنولوجية للهيمنة الفكرية. 

وأكد أن في الرؤية الإسلامية ـ الإيرانية، الإنسان مرتبط روحياً بالحقيقة، بينما الإنسان الغربي، حسب تعبير هايدغر، منفصل عن الوجود ومشرد. 

وذكّر بأن الحضارة الإيرانية أنجبت شعراء ومفكرين مثل حافظ وسعدي ومولوي، الذين خلقوا عوالم من المعنى أبهرت حتى المفكرين الغربيين.

سياسة الغرب القائمة على القوة
قال لاريجاني إن أمريكا اليوم تمثل سياسة ترى السلام في القوة. وأشار إلى سلوك الحكومات الغربية بعد الحرب العالمية الثانية، قائلاً: إن ترامب، بتجاهله للنظام القانوني الدولي، أكد علناً أن السلام لا يتحقق إلا عبر الهيمنة. 

وأضاف أن هذه النظرة ليست خاصة بترامب، بل هي جوهر سياسة الغرب منذ قرون؛ سياسة أدت إلى حروب غير مشروعة مثل حرب العراق، وساهمت في نشر الفوضى العالمية. 

واعتبر أن الكيان الصهيوني مثال على استمرار هذا المنطق، محذراً من أن الفوضى ستطال في النهاية من صنعها.

الصمود الوطني وإعادة تعريف القوة
وفي ختام كلمته، أشار لاريجاني إلى صمود الشعب الإيراني، وقال: التاريخ يثبت أنه كلما تغلب منطق القوة الغربية، لا يبقى خيار سوى الوحدة والتمكين الوطني. 

وأشار إلى تجربة الحرب الأخيرة ودور قائد الثورة المباشر في القيادة الميدانية والحفاظ على تماسك البلاد، مؤكداً أن إيران، بالاعتماد على هويتها الإسلامية والوطنية، استطاعت تغيير ميدان المعركة. 

وقال إن الشعب الإيراني أظهر مرة أخرى استقلاله وهويته، وأثبت أن تهديدات أمريكا والغرب لا تؤثر على الإرادة الوطنية.

نقد الحضارة الغربية ونهج الثورة الإسلامية
قال د. محمد إسحاقي إن ابتعاد المجتمعات الغربية عن التوجيهات الإلهية أدى إلى أزمات أخلاقية ومعرفية. وأضاف أن الحضارة الغربية تروج لهذا الفساد الفكري لإضعاف مقاومة الشعوب. وأكد أن رؤية قائد الثورة للغرب تقوم على العقلانية والتجربة التاريخية والقرآن الكريم.

اعتراف الغرب بأفول حضارته
أكد إسحاقي أن العديد من المفكرين الغربيين أقروا بانحدار حضارتهم، ويجب على الباحثين الإيرانيين توضيح هذه الحقيقة بالأدلة العلمية. 

وذكر أن في فكر القيادة، الحوار مع شعوب الغرب ـ وليس مع نظام الهيمنة ـ هو مبدأ مهم، لأن الشعوب منفصلة عن البنى الاستكبارية.

الاستقلال، التقدم، واليقظة العالمية
قال الدكتور محمد إسحاقي إن الثورة الإسلامية تأسست على الاستقلال، والعقلانية، والتجربة التاريخية، وقد تمكنت من بلوغ مكانة متقدمة في المجالات العلمية والتكنولوجية مع الحفاظ على استقلالها. 

وأكد أن متوسط أعمار العلماء النوويين الإيرانيين أقل من 30 عاماً، وأن الشباب، كما كانوا فاعلين في فترة الدفاع المقدس، هم اليوم المحرك الأساسي للتقدم العلمي في البلاد.

وأضاف أن انتشار اليقظة العالمية في مواجهة نظام الهيمنة يُعد من آثار الثورة الإسلامية، مشيراً إلى أن يوم مكافحة الاستكبار العالمي في إيران أصبح ظاهرة دولية، حيث تشهد الولايات المتحدة نفسها آلاف التحركات الاحتجاجية الشعبية. 

وختم الدكتور إسحاقي بالتأكيد على أن الفهم العلمي لأسس الحضارة الغربية وكشف آثارها المدمرة على الإنسان المعاصر يُعد من أعظم خدمات الثورة الإسلامية للبشرية.

إيران على أعتاب نظام عالمي جديد
قال الدكتور موسى حقاني، الأمين العلمي لمؤتمر «نحن والغرب»، إن العالم اليوم يمر بمرحلة «تجديد جلد النظام الدولي»، مشيراً إلى الحروب الإقليمية، والتنافس بين أمريكا والصين، والصراع بين روسيا وأوكرانيا، باعتبارها مؤشرات على إعادة تشكيل النظام العالمي. 

وأضاف أن السلوك الاستعلائي لأمريكا والأزمات الأخلاقية والسياسية في الغرب تدل على دخول الحضارة المعاصرة في منعطف تاريخي عميق.

التجربة التاريخية لإيران مع الغرب ودور الثورة الإسلامية
أكد حقاني، مستنداً إلى رؤية قائد الثورة حول أهمية دراسة التاريخ، أن الشعب الإيراني واجه على مدى 220 عاماً نفوذ الغرب وهيمنته. 

واستعرض تحولات عصر القاجار والاتفاقيات الاستعمارية، مشيراً إلى أن الضعف الداخلي والخنوع السياسي أديا إلى فقدان أجزاء من البلاد. وبعد ذلك، حكمت إيران أنظمة تابعة بدعم خارجي، مما أدى إلى استمرار حلقة التبعية. واعتبر أن الثورة الإسلامية كانت المنعطف التاريخي الثالث الذي كسر هذه الحلقة وأعاد الاستقلال الحقيقي.

الاستقلال شرط التقدم الحقيقي
أوضح حقاني، مستنداً إلى فكر قائد الثورة، أن تجاوز النظام العالمي القديم يجب أن يتم بالقوة والذكاء، وأن الحفاظ على مكانة إيران يتطلب معرفة العدو والاعتماد على القدرات الوطنية. 

وأكد أن الاستقلال هو شرط مسبق للتقدم، مشيراً إلى أن التجربة التاريخية أثبتت أن التبعية للغرب لا تؤدي أبداً إلى تنمية حقيقية. 

وأضاف أن بعض دول المنطقة، رغم مظاهر التنمية، تفتقر إلى الاستقلال، وسلوك ترامب المهين تجاه قادتها دليل على هذه الحقيقة. وأكد أن إيران كانت الدولة الوحيدة التي وقفت في وجه هذا السلوك.

مؤتمر علمي لإنتاج خطاب حضاري
أشار الأمين العلمي للمؤتمر إلى الأبعاد البحثية لهذا البرنامج، قائلاً إن أكثر من 550 ملخصاً و460 مقالاً علمياً أُرسلت إلى أمانة المؤتمر منذ العام الماضي، وبعد التحكيم التخصصي، سيتم نشر الأعمال المختارة في 12 مجلداً. 

كما أُجريت أكثر من 50 حواراً علمياً وعُقدت عشرات الجلسات في مدن إيران وبعض دول المنطقة. وختم حقاني بالتأكيد على أن الهدف الأساسي من هذا المؤتمر هو إنتاج خطاب علمي وحضاري حول مكانة إيران في النظام العالمي الجديد، وليس مجرد نشر المقالات.

دراسة الغرب في فكر القيادة: تجربة وأساس قرآني
قال حجة الإسلام والمسلمين الدكتور حبيب‌الله بابايي، عضو الهيئة العلمية في جامعة باقر العلوم (ع) وأحد المتحدثين في مؤتمر «نحن والغرب»، إن دراسة الغرب في منظومة فكر قائد الثورة تتسم بمنهج فريد يقوم على ركيزتين: الأولى، «تجربة الغرب على مستوى القيادة»، أي الفهم الشامل لطبيعة الحضارة الغربية من منظور قيادة الأمة ومعرفة الأنظمة الفكرية العالمية؛ والثانية، «التحليل القائم على القرآن»، أي أن كل موقف مهم تجاه الغرب يستند إلى آيات القرآن الكريم. هذا المنهج يوازن بين اللاهوت القرآني والتجربة الاجتماعية.

تحليل نفسي لهيمنة الغرب
أشار بابائي إلى جانب جديد من هذا المنهج، قائلاً إن قائد الثورة، في تحليله للحضارة الغربية، لا يقتصر على الأبعاد السياسية والثقافية، بل يولي اهتماماً للجوانب النفسية للهيمنة أيضاً. 

ووفقاً لرؤيته، فإن ثلاثة عناصر تشكل أساس سلوك الغرب تجاه الشعوب المستقلة: «الإغواء، التخويف، والتحقير». الغرب يبدأ بخداع الشعوب، ثم يرهبها، وفي النهاية يحقرها ليغرس فيها شعوراً بالضعف. وفي القرآن، يُفهم الاستضعاف على أنه غرس الشعور بالضعف، لا العجز الحقيقي. الشعوب التي تتحرر من هذا الفخ النفسي تصل إلى قوتها الحقيقية.

الإيمان والوعي في مواجهة الخوف والتحقير
قال بابائي إن المواجهة بيننا وبين الغرب تقوم على طرفين: أحدهما «الخوف»، والآخر «الإيمان والوعي». فإذا استسلم شعب للخوف، فإنه يُهزم؛ أما إذا صمد، فإن ضعف العدو يتكشف، وتُستعاد القوة الداخلية. وأكد أن في فكر القيادة، الصمود هو شرط لاكتشاف الحقيقة والتغلب على الهيمنة النفسية للغرب. المواجهة الحالية ليست مجرد صراع سياسي، بل هي مواجهة بين رؤيتين للعالم: واحدة تقوم على الخوف والتحقير، والأخرى على الإيمان والعزة.

الحضور الثقافي والفكري للغرب في إيران
قال الدكتور فؤاد إيزدي، عضو الهيئة العلمية في جامعة طهران، في مؤتمر «نحن والغرب»: رغم أن السفارة الأمريكية مغلقة منذ سنوات، إلا أن النفوذ الفكري والثقافي الأمريكي لا يزال قائماً في إيران. وأشار إلى النظام التعليمي في البلاد، مؤكداً أن جزءاً كبيراً من مصادر العلوم الإنسانية في الجامعات هو ترجمة للنصوص الغربية، مما يدل على أن الحضور الفكري للغرب لا يزال حياً في العقل واللغة العلمية لدينا. 

وأضاف أن هذا النفوذ يمكن ملاحظته أيضاً في المجالات الثقافية والاقتصادية، وهو دليل على استمرار الحضور غير الرسمي للغرب في البنية الاجتماعية الإيرانية.

تقابل إيران وأمريكا: خلاف جوهري لا سياسي
بحسب إيزدي، فإن جذور العداء بين أمريكا وإيران لا تعود إلى حادثة اقتحام السفارة، بل إلى الطابع الاستقلالي للثورة الإسلامية. وأوضح، مستنداً إلى تصريحات قائد الثورة، أن المشكلة بين البلدين «جوهرية وحضارية»، وأن أي تصور لحلها عبر التسوية يعكس تبسيطاً سياسياً ساذجاً. ورفض إيزدي الرأي القائل بأن التفاوض أو التفاعل يمكن أن يجلب منافع اقتصادية، مؤكداً أن التجربة أثبتت أن أمريكا لا تتسامح أبداً مع استقلال الشعوب.

تصنيف أمريكا للدول وموقع إيران
استناداً إلى أحد مصادر السياسة الخارجية الأمريكية الأكاديمية، أوضح إيزدي أن واشنطن تصنف الدول إلى أربع مجموعات: دول غير مهمة، دول تمتلك موارد دون قوة، دول تابعة لأمريكا مثل اليابان وكوريا الجنوبية، وأخيراً دول مستقلة ومعارضة للهيمنة. 

وقال إن إيران قبل الثورة كانت ضمن مجموعة الحلفاء التابعين، لكنها بعد الثورة أصبحت من الدول المستقلة والمعارضة لواشنطن. وأكد أن هذا الاستقلال هو السبب الرئيسي للعقوبات والضغوط الأمريكية. 

وختم إيزدي بالقول: ما يريده الغرب من إيران هو العودة إلى عهد التبعية، لكن الثورة الإسلامية كسرت هذه القيود، وهذا الصراع هو نزاع حضاري بين الهيمنة والاستقلال.

...............

انتهاء / 232

سمات

تعليقك

You are replying to: .
captcha