وفقا لما أفادته وكالة أنباء أهل البيت (ع) الدولية ــ أبنا ـ زيارة المبعوثين الأميركيين إلى الأراضي المحتلة تحمل أبعاداً سياسية واقتصادية تتقاطع مع ملامح خطة “اليوم التالي” التي يجري تسويقها أميركياً في المنطقة.
إن اتفاق وقف إطلاق النار الذي حصل في قمة شرم الشيخ يمضي هذه الايام قدما، ولكنه يواصل الكيان الإسرائيلي هجماته وينتهك وقف إطلاق النار مراراً.
ويرى العديد من الخبراء والمحللين أن وقف إطلاق النار هذا يمثل مسارًا جديدًا لغزة؛ مسارا تسعى فيه الولايات المتحدة إلى تحقيق مصالحها الاقتصادية و الحفاظ على أمن الكيان الإسرائيلي.
الباحث والمحلل سياسي في الشأن الأمريكي وشؤون الشرق الأوسط، الدکتور "توفيق طعمة" ناقش فی حوار مع وكالة أنباء أهل البيت (ع) الدولية التطورات الأخیرة فی قطاع غزة بعد تنفیذ وقف اطلاق النار و جهود المسؤولين الأمركيين لتوجيه عملية السلام في القطاع بما يخدم مصالح واشنطن.
ونص هذه المقابلة یأتي فیما یلي:
أولا: ما رایکم حول زیارة المبعوثين الأميركيين ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر الی الأراضی المحتله حیال ملف غزة؟ هل جاءت لفرض الضغط علی نتانیاهو للالتزام الی وقف اطلاق النار؟
تشير زيارة المبعوثين الأميركيين ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر إلى الأراضي المحتلة إلى أن التحرك الأميركي بات يتجاوز مجرد وساطة لوقف إطلاق النار في غزة. فالزيارة تحمل أبعاداً سياسية واقتصادية تتقاطع مع ملامح خطة “اليوم التالي” التي يجري تسويقها أميركياً في المنطقة.
يُنظر إلى الزيارة كمحاولة مزدوجة: من جهة، الضغط على حكومة نتنياهو للالتزام بخطوات ملموسة نحو تهدئة ميدانية، ومن جهة أخرى، استكشاف ترتيبات أوسع تتعلق بإدارة غزة بعد الحرب، بما في ذلك دور محتمل لقوات عربية وإشراف أميركي اقتصادي على مشاريع الإعمار.
بهذا المعنى، تبدو الزيارة خطوة في طريق صفقة جديدة، تحاول واشنطن من خلالها تثبيت نفوذها في الملف الفلسطيني عبر أدوات مختلفة، عنوانها الإعمار والتهدئة، ومضمونها تكريس ترتيبات أمنية طويلة الأمد تُبقي غزة تحت الرقابة.
ثانیا: أعلنت حرکة حماس عن عدم رغبتها لاداره غزه کما طالبت لتشکیل لجنه عمل لاداره غزه؟ ما هي شروط الحرکة حول مستقبل غزة؟ هل من الممکن نزع سلاح حماس؟
تؤكد حركة حماس أنها لا تسعى لتولي إدارة قطاع غزة بعد الحرب، وتدعو إلى تشكيل لجنة وطنية أو هيئة فنية مؤقتة تشرف على شؤون القطاع، بما يضمن استمرار الخدمات وحماية مصالح السكان. هذا الموقف يعكس رغبة الحركة في الفصل بين المقاومة والإدارة المدنية، وتجنب تكرار تجربة الحصار التي رافقت حكمها منذ عام 2007.
في المقابل، تضع الحركة مجموعة من الشروط الواضحة لأي ترتيبات قادمة، أبرزها وقف شامل لإطلاق النار، انسحاب قوات الاحتلال، وإطلاق سراح الأسرى، إلى جانب التزام عربي ودولي بإعادة الإعمار دون وصاية سياسية أو أمنية.
وترى حماس أن أي حل مستقبلي لغزة يجب أن يكون ضمن رؤية وطنية فلسطينية شاملة، لا تُقصي أي طرف ولا تُستخدم ذريعة لإضعاف المقاومة.
أما مسألة نزع السلاح، فتتعامل معها الحركة كـ”خط أحمر” ما لم تكن جزءاً من اتفاق سياسي عادل يضمن إقامة دولة فلسطينية مستقلة ويُنهي الاحتلال. فالسلاح بالنسبة لها ليس ملفاً أمنياً، بل ورقة قوة سياسية فرضت حضور القضية الفلسطينية على طاولات الإقليم والعالم.
في المحصلة، تبدو حماس مستعدة للتنازل عن إدارة غزة اليومية، لكنها غير مستعدة للتنازل عن حقها في المقاومة. وأي محاولة لفرض نزع سلاحها بالقوة أو تحت ضغط خارجي ستعني عودة دوامة الصراع، لا تحقيق الاستقرار
ثالثاً: کیف تقیمون مسار الحرب و الهدنة في قطاع غزة بعد أن خرق الکیان الصهیونی مرارا اتفاقیة وقف اطلاق النار وتنكر الالتزامات التي تعهد بها أمام الوسطاء والجهات الضامنة؟
تسير الهدنة في قطاع غزة على حافة الانهيار، بعد أن خرقت قوات الاحتلال الإسرائيلي مرارًا اتفاق وقف إطلاق النار، متنكرة للالتزامات التي قدّمتها أمام الوسطاء والجهات الضامنة.
هذه الخروقات لا تُقرأ فقط كأعمال ميدانية متفرقة، بل كجزء من استراتيجية ضغط إسرائيلية تهدف إلى إبقاء الوضع في غزة تحت التهديد الدائم، ومنع أي استقرار سياسي أو ميداني يمكن أن يُترجم إلى إنجاز فلسطيني.
من جهة أخرى، تعكس هشاشة الهدنة فشل المجتمع الدولي في فرض آليات تنفيذ وضمان حقيقية، إذ تكتفي الأطراف الراعية ببيانات “القلق العميق” دون خطوات عملية لردع الاحتلال أو مساءلته.
في المقابل، تتعامل المقاومة مع هذه الخروقات بسياسة “الردّ المحسوب”، محاولة الحفاظ على توازن دقيق بين الردع ومنع الانجرار إلى مواجهة شاملة جديدة.
الواضح أن الاحتلال يسعى إلى إدارة الهدنة لا احترامها، أي استخدامها كغطاء لمواصلة عملياته المحدودة وفرض شروطه على أي مسار سياسي لاحق. بينما ترى المقاومة أن تثبيت وقف إطلاق النار الحقيقي يبدأ من إنهاء الاحتلال على الأرض ورفع الحصار، لا بمجرد التزامات لفظية.
ما يجري في غزة ليس “هدنة” بالمعنى الكامل، بل هدوء متوتر محكوم بمعادلة الردع المتبادل، قابل للاشتعال في أي لحظة ما لم تتوافر ضمانات دولية وآلية رقابة صارمة تفرض على الاحتلال احترام التزاماته وتمنح الشعب الفلسطيني حقه في الأمان والإعمار.
رابعاً: أكدت مفوضة الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي كايا كالاس أن عقوبات الاتحاد الأوروبي على الوزراء الإسرائيليين لا تزال قيد الدراسة رغم وقف إطلاق النار. هل هذه التصریحات رادعه ام مجرد مزاعم واهیة؟
تصريحات مفوضة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس حول دراسة فرض عقوبات على وزراء إسرائيليين تبدو خطوة رمزية أكثر منها رادعة. فالاتحاد الأوروبي اعتاد إطلاق تهديدات “قيد الدراسة” دون أن يترجمها إلى إجراءات عملية، خاصة في ظل الحماية السياسية التي تحظى بها إسرائيل من بعض الدول الأوروبية الكبرى.
حتى الآن، لم يصدر أي قرار بتجميد أموال أو تقييد سفر أو وقف تعاون عسكري، ما يجعل الحديث عن العقوبات خطابًا سياسيًا لتسكين الرأي العام الأوروبي أكثر منه أداة ضغط حقيقية.
ومع ذلك، يُعدّ مجرد طرح الفكرة تحولًا نسبيًا في المزاج الأوروبي، وقد يشكّل بداية لتآكل الحصانة السياسية التي تمتعت بها إسرائيل طويلاً.
خامساً: کیف ترون مسار قیام الدولة الفلسطینیة نظرا بظروف غزة و الضفة الغربیة؟
مسار قيام الدولة الفلسطينية اليوم يبدو أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى، في ظلّ الانقسام بين غزة والضفة الغربية، وتآكل فكرة الحلّ السياسي بفعل العدوان المستمر وسياسة الاستيطان. فغزة المحاصرة تعيش كارثة إنسانية غير مسبوقة، بينما تتعرض الضفة لتمزيق ممنهج عبر الحواجز والتوسع الاستيطاني، ما يجعل الحديث عن دولة ذات سيادة أشبه بترف سياسي في ظل هذا الواقع الميداني.
على الرغم من تزايد الاعترافات الدولية الرمزية بدولة فلسطين، فإنّ هذه الخطوات ما تزال بلا أثر عملي ما لم تترافق مع إرادة سياسية دولية قادرة على فرض إنهاء الاحتلال وإعادة توحيد الأرض الفلسطينية. القوى الغربية تكتفي بدعم “حل الدولتين” نظريًا، لكنها تغضّ الطرف عن السياسات الإسرائيلية التي تقوم بها.
.....................
انتهى / 323
تعليقك