وفقا لما أفادته وكالة أنباء أهل البيت (ع) الدولية ــ أبنا ـ أظهر الهجوم الغادر الصهيوني الجبان على أحد أبرز النخب العلمية الإيرانية، الشهيد الدكتور "مجيد تجن جاري"، نابغة الذكاء الاصطناعي في البلاد، مرة أخرى أن أعداء تقدم واستقلال إيران العلمي لا يتوانون عن استخدام أي وسيلة للإضرار برأس المال الوطني للشعب الايراني.
في زمن حلت فيه معارك جبهة العلم والإيمان محل الخنادق الترابية، يظهر أبطال سلاحهم المعرفة، وخنادقهم معاهد البحث والجامعات، وعدوهم الجهل والتبعية والهيمنة.
كان الشهيد الدكتور مجيد تجن جاري أحد هؤلاء الأبطال المجهولين الذين انطلقوا بصمت من منزل بسيط وقلوب مليئة بنور الإيمان، وساروا في طريق العلم والمعرفة، وانتهى بهم المطاف في مواجهة عدو يخشى حقاً من العلم الإيراني المستقل، ليرتفع إلى السماء.
ولادته كانت في عام 1990 ولم تكن مجرد قدوم طفل إلى العالم؛ كما تقول عائلته، بل كانت هبوط روح عظيمة لتنفيذ مهمة انتهت بالاستشهاد، سموه "مجيد" تيمناً بشهيد من أيام الدفاع المقدس .
كان ابن موظف وأمه ربة منزل؛ عائلة من الناس العاديين ولكنهم متجذرون في الإيمان والأخلاق والقيم، في هذا المنزل ظهرت أولى علامات موهبته وإبداعه وشغفه اللامتناهي بالاستكشاف والبناء والتطوير.
منذ طفولته حين كان يصنع الراديو بدلاً من اللعب ويهندس القطع، حتى أيام الجامعة حين سار في طريق العلم إلى أعلى القمم؛ نابغة تعلم الكهرباء، وجرب الكمبيوتر، وفي النهاية في دكتوراه الإدارة المهنية للأعمال، كان يخطط لمشاريع يمكن أن يحمل مستقبل التكنولوجيا في إيران على أكتافها.
لكن مجيد لم يكن باحثاً فقط، بل كان إنساناً برسالة، بحماس عميق للتعليم. آلاف الطلاب في إيران ودول أخرى نضجوا بفضل تعليمه وأفكاره، من إسبانيا وإنجلترا إلى الفصول عبر الإنترنت والحضورية في إيران، أصبح الدكتور تجن جاري مدرساً ومرشداً لجيل من المبتكرين؛ رجل اختار البقاء بدلاً من الهجرة، لأنه آمن ببلده.
كان يمكنه المغادرة مرات عديدة، لكنه كان يقول بصراحة لأمه: "بقائي من أجل إيران. هذا الاعتقاد هو الذي حماه من مغريات الدنيا وفي النهاية جعله هدفاً لحقد الأعداء الذين يعارضون نمو الفكر الإيراني المستقل.
في ليلة الحادث، اقدم العدو على تنفيذ جريمة الاغتيال بخسة وصمت وغدر وجبن، واستشهد ابن الوطن ... موجة الانفجار أخذت جسد العالم لكنها لم تستطع أن تأخذ فكره، المنزل المليء بذكره، يحتفظ الآن برائحة قميصه، صوت خطواته يتردد في الممرات، وأمه، رغم كل الألم في قلبها، تفتح شفتيها للشهادة: "ذهب ابني، ليبقى الوطن.
ذهب مجيد، لكن ليس في الظلام؛ بقي منه نور سيضيء درب سالكين للطلاب والشباب الذين سيستمرون في طريقه، استشهاده شهادة على حقيقة أن في إيران شهداء من نوع الفكر أيضاً؛ رجال ساحات معاركهم غرف التفكير والمختبرات وأكواد البرمجيات، لكن عدوهم مرعب وقاسٍ كما كان في أيام الدفاع المقدس.
الآن، رواية حياة واستشهاد الدكتور مجيد تجن جاري ليست مجرد ذكرى؛ إنها رسالة لجيل يجب أن يعرف أن العلم بلا هوية وبلا جذور وبلا غيرة لا يشفي الألم. هذه الحياة نموذج لأولئك الذين يريدون رؤية العلم في خدمة الوطن، والاستشهاد ليس نقطة نهاية، بل مصباح للاستمرار.
ولد في عائلة عادية وبسيطة لكنها متدينة، في أحد أيام الصيف الحارة، في العام الذي مر فيه وقت قصير على انتهاء الحرب العراقية المفروضة على إيران الإسلامية؛ أطلق والداه عليه اسم "مجيد" تيمناً باسم شهيد قدموه في هذه الحرب لحماية ترابهم وعرضهم.
كان وجهاً معروفاً في مجال الذكاء الاصطناعي والبرمجة في البلاد، وأستاذاً وخبيراً في الذكاء الاصطناعي والنظم الخبيرة، ورئيس لجنة الذكاء الاصطناعي في بيت التجارة الشبابي الإيراني، الذي استشهد في الحرب التي استمرت 12 يوماً في الدفاع المقدس إثر الهجوم العدواني للكيان الصهيوني الغاصب على إيران واغتيال علمائنا النوويين بسبب شدة موجة الانفجار.
شخص نشأ في هذا المنزل العادي، وتربى على يد أم ربة منزل وأب موظف ذو دخل محدود، أصبح نابغة في الذكاء الاصطناعي ومخترعاً في مجالات مختلفة مثل الإلكترونيات والبرمجة وحتى الروبوتات، ليصبح مصدر فخر ليس لوالديه فقط بل لوطنه إيران، لكن القدر قدّر له طريقاً ليظل اسمه خالدا إلى الأبد من أجل هذا الوطن، وأن يستمر تلاميذه المراهقون وطلابه الشباب في الجهود التي بذلها خلال 35 عاماً من عمره كي لا يضيع هذا العلم.
الشهيد "مجيد تجن جاري"، الذي عندما ذهبنا إلى منزل والديه لمعرفة المزيد عنه، سمعنا عجائب عن هذا الشهيد قادتنا إلى قناعة وملاحظة أخته الكريمة بأن "مجيد لم يولد، بل هبط، مثل ملاك كانت له مهمة ثم صعد."
نابغة الذكاء الاصطناعي؛ من المدرسة إلى الدكتوراه
عندما طلبنا من علي تجن جاري والد الشهيد أن يحدثنا عن ابنه الوحيد، من لحظة ولادته حتى وصوله إلى هذا المستوى من العلم والمعرفة، كانت ومضات عينيه تعكس امتلاءها بالدموع، وتوقفه الطويل يعبر عن الاختناق المكبوت في حلقه، لكنه كسر صمته وقال: كل لحظة في حياة مجيد موجودة في ذهني، من اللحظة التي ولد فيها حتى وصل إلى درجة الدكتوراه؛ مجيد منذ البداية حين أخذ اسمه من اسم الشهيد من عائلتنا "مجيد خالقي" حتى اللحظة التي استشهد فيها، كان مختاراً ليغادر بهذه الطريقة.
وأضاف: بعد المرحلة الابتدائية والإعدادية والثانوية، دخل الجامعة حيث درس الهندسة الكهربائية تخصص إلكترونيات في الأعوام 2010-2013، ثم التحق بالدراسات العليا في هندسة الكمبيوتر تخصص برمجيات في الأعوام 2013-2016، لم يتوقف عن مواصلة التعليم واستكمل الدكتوراه في الإدارة المهنية للأعمال (DBA) من جامعة طهران عام 2021.
عروض كثيرة للرحيل
والد الشهيد تجن جاري، مشيراً إلى فرص ابنه، قال: كانت لمجيد فرص كثيرة وحتى عروض، لكنه قال مرات لأمه إنه تنازل عن رغباته في الذهاب إلى الخارج بسبب كلامها؛ مجيد في مسيرته المهنية كان يسعى لتطوير ونشر فرضياته وأفكاره العلمية في إيران وكان يؤمن أنه يمكنه يوماً أن يصل إلى مكانة يكون دخلها وتأثيرها أكبر من العديد من الفرص في الخارج.
ثم تذكر ذكريات وقال مبتسماً: أتذكر أن مجيد قال في إحدى مقابلاته إنه واجه العديد من الإخفاقات وخيبات الأمل لكن العائلة التي بناها كانت حظه الكبير واعتمد على هذا الحظ؛ هذا المسار تحقق خلال عامين من العمل ربما يعادل ثلاثين عاماً من الجهد.
هذا الأب لنابغة الذكاء الاصطناعي أضاف: ربى مجيد العديد من التلاميذ الذين ربما لم يعرف الكثيرون قبل ذلك أن مجيد يعمل أيضاً في مجال التعليم، تلاميذ وصل عددهم إلى أكثر من خمسمائة ألف، وهذا النجاح كان ملحوظاً جداً في المنزل الذي كان يعمل فيه مجيد؛ تلاميذه موجودون في جميع أنحاء العالم، من إسبانيا وإنجلترا إلى دول مختلفة.
ولد ليكون سنداً لأمه
زبيدة خانم خالقي والدة الشهيد التي كررت أثناء حديثها: "مجيد كان قلبي ومصدر راحة حياتي." عندما طلبنا منها الحديث عن ابنها، بعينين مغمضتين كما لو كانت تريد ترتيب الكلمات والجمل لتقول ما تستطيع التعبير عنه عن مجيدها، بدأت بهذه الجملة: "كنت أشعر أنه سندي."
هذه الأم التي يبدو كما لو أن كل صبر العالم موجود بداخلها، تحدثت عن لحظة ولادة مجيد تجن جاري: منذ الأشهر الأولى، كنت متأكدة أنه ولد، لم يخبرني أحد، لكن قلبي كان يشهد لي؛ كان لدي هدوء استمر حتى ولادة مجيد.
وأضافت: في عام 1990 بعد ابنتي، منحني الله مجيد، ومع ولادته شعرت كما لو أنهم أعطوني العالم، ومنذ تلك اللحظة شعرت أن الله قد منحني شيئاً خاصاً لهذا السبب أصبحت مرتبطة به جداً.
والدة الشهيد تجن جاري عن فترة دراسة ومرح ابنها قالت: على عكس الأولاد المشاغبين، كان مجيد هادئاً ومطيعاً، وعندما كنت أقول له: "لا يجب أن تخرج للعب مع الأولاد"، كان يسمع كلامي ولا يذهب؛ لأنني لم أكن أريد أن يبتعد عن عيني حتى لا يحدث له شيء.
من التلميذ المجتهد إلى المبدع
السيدة خالقي والدة نابغة الذكاء الاصطناعي في العالم قالت: خلال فترة الدراسة كان دائماً الأول في صفه، والمثير أنه في المنزل لم يكن يذاكر أبداً وكان يفهم من الدرس مباشرة في الفصل، والأكثر إثارة أن أول عمل له في مراهقته كان صنع راديو صغير؛ حين كنا في منزل أختي وصعد مجيد إلى سطح المنزل ووجد بين الأجهزة قطع راديو وتسجيلات وفحص القطع وربطها معاً لصنع راديو صغير محمول، ومنذ ذلك الوقت عرفت أن "هذا الطفل ليس مجتهداً فقط، بل مبدع أيضاً."
والدة الشهيد مجيد تجن جاري أشارت إلى علاقتها بابنها وذكرت عمق العلاقة بينهما: أحياناً كنت أنسى أن مجيد ابني، كنت أشعر أنه سندي؛ هو نفسه كان يقول: "لأنه ليس لدينا أخ في المنزل، ألعب دور الأخ لأختي ودور الابن لكِ."؛ لم يكن هناك أي حاجز بيننا.
السيدة خالقي عرفت أول اختراع لمجيد في سن 18 سنة وهو روبوت وقالت: كان روبوتاً يشبه الإنسان في الشكل، يتكلم، يتحرك، كما لو أنه أتى من المستقبل. لم نكن نفهم ما يصنعه، لكنه كان يعرف تماماً ما كان يبنيه، لاحقاً صمم مشاريع تشبه السيارات الذكية اليوم؛ سيارة كانت تتعرف على الطريق بنفسها، تتجنب العوائق وتتحرك.
ذهب مجيد ليبقى الوطن
والدة هذا الشهيد العبقري أشارت إلى ليلة الحادث وما حدث لابنها وأضافت: رحيله كان هادئاً، بدون ضجة، لكنه رحيل جعل بقاءه أبدياً في منزلنا؛ أحياناً حين أكون وحيدة في المنزل أسمع صوت خطواته، كما لو أنه عاد للتو من المدرسة وسيضع حقيبته؛ لا تزال رائحة قميصه تفوح من الخزانة، لكنني هادئة لأنني أعرف أن مجيد ذهب ليبقى الوطن.
.....................
انتهى / 323
تعليقك