وفقا لما أفادته وكالة أنباء أهل البيت (ع) الدولية ــ أبنا ــ منذ تأسيس الحركة الصهيونية في أواخر القرن التاسع عشر، وعلى امتداد تاريخ هذه الحركة القديم والحديث، لم يسبق أن مرّ عليها قائد أو زعيم حالم ومُشتبه كما هي حال رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو، الذي يُفاخر بكسر الرقم القياسي كأطول رئيس حكومة بقاء على سدّة الحكم في "الدولة" العبرية.
وعلى الرغم من أن مؤسسي هذه الحركة وقياداتها التاريخيين من أمثال جابوتنسكي وهرتزل وبن غوريون وغولدا مائير ورابين وبيرس وغيرهم قد حملوا أفكاراً متشدّدة ومتطرّفة تجاه كل سكّان المنطقة وحكوماتها، ورفعوا شعارات أقل ما يمكن أن يُقال عنها إنها شاذّة وغير واقعية، وتفتقر إلى كل مبادئ احترام حقوق الإنسان وحسن الجوار، فإنهم لم يبلغوا ما بلغه مجرم الحرب "بنيامين نتنياهو"، الذي على الرغم من كونه زعيماً براغماتياً من الدرجة الأولى، يبحث في المقام الأول عن مصالحه بشتّى الطرق والوسائل، التي في معظمها غير مشروعة ومخالفة للقانون، وهو الأمر الذي جعله مُطارداً من القضاء الإسرائيلي بتهم فساد متعدّدة.
نتنياهو على مستوى الطموح الإقليمي تجاوز أسلافه بمراحل، وبات يعتقد كما تشير تصريحاته وأفعاله بإمكانية تحقيق ما عجز عنه كل قادة الكيان السابقين، والذين وإن حاول بعضهم تحويل شعار من النيل إلى الفرات من صورة مرفوعة على مدخل البرلمان الصهيوني إلى أمرٍ واقع، وشنّوا العديد من الحروب على بعض الدول العربية المحيطة بفلسطين المحتلة، فإنهم كانوا يفعلون ذلك في إطار خطة الدفاع عن "دولتهم " الوليدة، والتي كانت تشعر بخطر وجودي كما سمّاه " ديفيد بن غوريون" أول رئيس حكومة في الكيان الصهيوني، غير أن ما يقوم به "نتنياهو"، مدعوماً من ائتلاف يميني متطرّف هو محاولة للتوسّع الطولي والعرضي في اتجاه جغرافي أوسع بكثير من محيطه القريب، محاولاً بسط هيمنة "دولته" المارقة على عموم المنطقة، حتى على بعض الدول التي كان مجرد الوصول إلى حدودها يُعدّ حلماً بعيد المنال.
من وجهة نظر قوى اليمين المتطرّف في "إسرائيل"، فقد باتت أحلام السنين الماضية مُتاحة، وأوهام الزمن الغابر مشروعة، كيف لا وهم يعيشون في عهد "الساحر" نتنياهو، الذي يملك دون سواه العصا السحرية التي بإمكانها ان تُحيل الأوهام إلى حقائق، والأحلام إلى وقائع، بل وتجعل من المعجزات التي كانت مستحيلة في يوم من الأيام أمراً قابلاً للحدوث، حتى وإن اعترضت طريقها عوائق شتى، وصعوبات جمّة.
في حقيقة الأمر، يمكن لنا أن نُقرّ ونعترف بأن "إسرائيل" في زمن "نتنياهو" تحديداً قد بلغت ما لم تبلغه في أيٍّ من عصورها حتى "الذهبية منها، وذهبت بعيداً في سعيها لـ "تأديب" كل أعدائها القريبين والبعيدين كما يقول وزير حربها الحالي "يسرائيل كاتس "، بل وتعلن من دون خوف أو وجل أنها ماضية في تغيير وجه المنطقة حسب ما تقتضيه مصلحتها، وبطبيعة الحال مصلحة كل محور الشر في العالم، والذي يقف إلى جوارها بكل ما أوتيَ من قوة وبأس، ضارباً بعرض الحائط كل شعاراته الكاذبة التي يتحدث فيها عن سيادة الدول، وحق الشعوب في الحياة الحرة والكريمة.
من أجل الوصول إلى هذا الهدف الاستراتيجي طويل المدى، والذي يحمل بين جنباته مروحة واسعة من الأهداف الثانوية والتكتيكية، قام الكيان الصهيوني بحملات عدوانية على العديد من الساحات، ونفّذ بدعم وحماية من محور الشر الأميركي حملات عسكرية واسعة ضد العديد من الساحات، بدءاً من قطاع غزة الفقير والمحاصر، والضفة الغربية المحتلة والمستباحة، مروراً بالعدوان على لبنان واليمن والعراق، وصولاً إلى حرب الاثني عشر يوماً على الجمهورية الإسلامية في إيران.
في كل هذه الهجمات التي تميّزت بشراستها وعدوانيّتها غير المسبوقتين، بذلت "إسرائيل" كل ما في استطاعتها لتغيير العديد من الوقائع، ولإسقاط كثير من الخطوط الحمر، مستخدمة مروحة واسعة من أدوات القتل والإجرام، ومتسبّبة في ارتكاب جرائم إبادة جماعية حسب تصنيف المحاكم الدولية المختصة، غير عابئة بسيل الانتقادات التي وُجّهت إليها من معظم دول العالم، وضاربة عرض الحائط بكل القوانين الأممية التي تُعنى بحماية المدنيين في أوقات الحرب.
في خضم هذه الأحداث التي فاجأت كثيرين في المنطقة وحول العالم، لا سيّما أولئك الذين كانوا يُبشّرون بإمكانية تحقيق "السلام" مع هذه "الدولة" اللقيطة، اعتقد قادة الكيان الصهيوني أن مساعيهم قد نجحت، وأن جهودهم التي تم التخطيط لها منذ زمن بعيد قد وصلت إلى خواتيمها السعيدة، بل إن ما حقّقوه من "إنجازات" قد تجاوز بمراحل ما كان يدور في خلدهم، وهذا ما عبّرت عنه كثير من التصريحات التي صدرت عن نتنياهو وكاتس وبن غفير وغيرهم، إذ تباهوا في عديد المرات بأنهم نجحوا في تغيير وجه الشرق الأوسط، وأن قتالهم على الجبهات السبع قد آتى أُكله، وأن أعداءهم قد تلقوا هزيمة مُنكرة لم يسبق لها مثيل.
على أرض الواقع، تبدو كل هذه التصريحات مجرّد بروباغندا سوداء لا تمت للحقيقة بصلة، فهي وعلى الرغم من تحقيق بعض الإنجازات التكتيكية في بعض الساحات، فإنها كشفت عن عيوب وثقوب هائلة في جسد هذه "الدولة" المُصطنعة، وعن إخفاقات غير مُتوقعة دفعتها إلى الاستنجاد بكل قوى الشر في العالم، والتي سارعت في عديد المناسبات إلى استنفار كل قدراتها العسكرية لإنقاذ الكيان من ضربات قوى المقاومة، لا سيّما أثناء المواجهة الأخيرة مع إيران، والتي ظهرت فيها "إسرائيل" في أضعف حالاتها، وتعرّضت لخسائر جسيمة ما زال الجزء الأكبر منها محجوباً بقرار من الرقابة العسكرية الإسرائيلية.
تعليقك