وفقا لما أفادته وكالة أنباء أهل البيت (ع) الدولية ــ أبنا ـ تتجدد كل عام مناسبة "غدير خم"، حيث أصبح عيدا عظيما يحتفل به المسلمون الشيعة في أنحاء العالم، لتجديد الولاية مع الإمام علي ابن ابي طالب (ع).
غدير خم: بركة أم محيط لا ينضب؟
في اللغة العربية، تعني كلمة "غدير" بركة ماء تتجمّع فيها مياه الأمطار أو السيول. بركة تنبض بالحياة وتختزن الماء الضروري للبقاء. غير أن "غدير خم"، كما جاء في النصوص التاريخية والدينية، ليس مجرد بركة مائية تقليدية. بل هو محيط لا حدود له، يحمل في أعماقه أسرار الهداية والولاية. إنه حدث خالد في مسار الرسالة الإسلامية، حيث أصبح غدير خم رمزاً للولاية والإكمال، ومصدراً أبدياً للمعرفة الإلهية التي تروي أرواح البشرية عبر التاريخ. إن من يشرب من هذا الينبوع، يُكتب له الخلود، ومن يعرض عنه، يُحرم من النور إلى الأبد.
نزول آية الإكمال في الأيام الأخيرة من الرسالة
في الأيام الأخيرة من حياة النبي الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله)، وقبل أن تُختتم رسالته السماوية، وقع حدث عظيم عند غدير خم، حيث نزلت آية قرآنية مباركة تُعلن إكمال الدين وإتمام النعمة. قال تعالى: «اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً». هذه الآية لم تكن مجرد إعلان عن اكتمال الرسالة، بل كانت إيذاناً بتسليم أمانة عظيمة إلى من هو أهل لها. أمانة ثقيلة تحتاج إلى قائد قوي قادر على حملها واستكمال مسيرة الهداية الإلهية.
الأمانة الثقيلة على أكتاف القوي الأمين
كانت الرسالة النبوية قد وصلت إلى أوجها، لكنها لم تكن لتكتمل دون تسليم القيادة إلى شخص يتحلى بالشجاعة والحكمة والإيمان العميق. شخص يستطيع أن يحمل هذه الأمانة الثقيلة ويوجه الأمة نحو طريق الحق والعدل. هنا، جاء الأمر الإلهي للنبي (صلى الله عليه وآله) بإعلان الولاية في مكان له رمزية عظيمة؛ غدير خم. إنه الموقع الذي شهد لحظة تاريخية غير مسبوقة، حيث توقفت قافلة الحجيج بعد عودتها من مكة لتشهد إعلاناً إلهياً سيبقى خالداً إلى الأبد.
واقعة غدير خم: إعلان الولاية
في منطقة غدير خم، حيث تلتقي الطرق المؤدية إلى مختلف أنحاء الجزيرة العربية، أمر النبي (صلى الله عليه وآله) بإيقاف القوافل. صُنع منبر من أقتاب الإبل، وصعد النبي عليه ليُلقي خطبة تاريخية تُعتبر بمثابة إعلان عالمي للولاية. أمسك النبي بيد الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ورفعها عالياً قائلاً: «من كنت مولاه فهذا علي مولاه.» بهذا الإعلان، انتقلت الأمانة الإلهية إلى الإمام علي (عليه السلام)، ليصبح ولي المسلمين وقائدهم بعد النبي.
التهاني والترددات
بعد إعلان الولاية، تدافعت جموع الحجيج لتهنئة الإمام علي (عليه السلام) بهذا المنصب الإلهي العظيم. كثيرون أظهروا ولاءهم وتأييدهم، وكانوا كمن يشرب من ينبوع غدير خم الزلال. هؤلاء كانوا جرعةً مباركة من نور الهداية التي أنارت قلوبهم. ولكن، كما هو الحال في كل زمان ومكان، كان هناك من تردد أو رفض، متشبثاً بأهوائه أو كبريائه. هؤلاء اختاروا أن يشربوا من كؤوس الحسد والغرور، فحُرموا من النور وخسروا فرصة النجاة.
الحياة الأبدية أو الموت في الحياة؟
غدير خم ليس مجرد مكان أو حدث، بل هو معيار لقياس الحياة الحقيقية والموت الروحي. أولئك الذين استجابوا لدعوة النبي وشربوا من زلال غدير خم، حصلوا على حياة أبدية مليئة بالنور والهداية. أما الذين أعرضوا ورفضوا، فقد اختاروا الموت الروحي رغم أنهم يسيرون بين الأحياء. هؤلاء، وإن بدوا على قيد الحياة، إلا أن أرواحهم خالية من النور، فصاروا كالأموات الذين لا نفع منهم.
الولاية: جوهر الرسالة
إن الرسالة التي جاء بها النبي محمد (صلى الله عليه وآله) كانت تهدف إلى إخراج الناس من ظلمات الجهل إلى نور الهداية. غير أن هذه الرسالة، رغم عظمتها، كانت بحاجة إلى ركن أساسي يكملها ويحميها من التحريف؛ هذا الركن هو الولاية. فالولاية ليست مجرد قيادة سياسية أو اجتماعية، بل هي جوهر الرسالة ولبّها. إنها المنارة التي تضيء الطريق للمسلمين وتضمن استمرارية النور الإلهي في حياتهم. جرعة غدير خم، إذن، ليست فقط قبولاً للولاية، بل هي اعتراف بتمام الرسالة وكمالها.
إحياء غدير خم: إحياء الولاية
إحياء ذكرى غدير خم ليس مجرد احتفال عادي، بل هو تجديد للعهود مع ولاية الحق. إنه تذكير دائم بضرورة التمسك بالولاية كمنارة تنير الطريق نحو السعادة الأبدية. في هذا اليوم، نتذكر أن الإسلام دين كامل، وأن الولاية هي العنصر الذي يضمن استمراره في مساره الصحيح. غدير خم، إذن، ليس حدثاً عابراً، بل هو ركن أساسي في حياة المسلمين، يذكرهم دائماً بأن النجاة لا تكون إلا باتباع الحق.
غدير خم طريق الخلود
غدير خم هو نقطة تحول في تاريخ البشرية، وهو ينبوع لا ينضب للهداية الإلهية. إنه الحدث الذي أرسى قواعد العدالة والحق، وأعلن أن الإسلام دين كامل لا ينفصل عن ولاية آل محمد (عليهم السلام). أولئك الذين شربوا من زلال غدير، كتب لهم الخلود في سجل الهداية. أما الذين أعرضوا، فقد أضاعوا الطريق وتركوا أنفسهم عرضة للظلام. إحياء ذكرى غدير خم ليس فقط واجباً دينياً، بل هو فرصة لتأكيد الإيمان بالولاية وتجديد العهد مع طريق الحق.
عليرضا مکتبدار
رئیس التحریر لأسبوعیة الآفاق
.....................
انتهى / 323
تعليقك