21 مايو 2025 - 08:18
مصدر: أبنا
يوم دحو الأرض: أبعاده الدينية والفلكية في ضوء النصوص الإسلامية

يُعد يوم دحو الأرض مناسبة عظيمة للتأمل في معاني الخلق الإلهي وعظمته، وهو فرصة لتجديد العلاقة مع الله من خلال الصيام والعبادة.

وفقا لما أفادته وكالة أنباء أهل البيت (ع) الدولية ــ أبنا ــ يُعدّ يوم دحو الأرض (25 ذي القعدة) من الأيام ذات الأهمية الكبرى في التراث الإسلامي، حيث يحمل معاني دينية وروحية سامية ترتبط ببداية الخلق وتجليات القدرة الإلهية. من خلال النصوص الواردة في المصادر الإسلامية، يمكننا استعراض هذا اليوم من عدة زوايا: لغوية، تفسيرية، روائية، وعبادية. كما أن لهذا اليوم أبعادًا أخلاقية وعلمية تعكس عظمة الخلق الإلهي.

المفهوم اللغوي والقرآني ليوم دحو الأرض
يُشير مصطلح "دحو الأرض" إلى مفهوم البسط والتوسيع. في اللغة، "دحا الشيء" يعني بسطه ومهّده، ويُقال إن الله "دحا الأرض" بمعنى بسطها ومدّها لتكون صالحة للسكن والإعمار.
يؤكد هذا المعنى الآيتان القرآنيتان:  
- ﴿وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَٰلِكَ دَحَاهَا﴾ (النازعات: 30)،  
- ﴿وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا﴾ (الشمس: 6).  

تُظهر هاتان الآيتان أن الأرض كانت مغمورة بالماء في البداية، ثم تم بسطها تدريجيًا لتظهر اليابسة، وكانت الكعبة المشرفة أول نقطة تظهر من تحت الماء.

يُقارن المفسرون بين "الدحو" و"الطحو"، ويُجمعون على أن كلاهما يعني البسط والتمهيد، مع إشارات إلى أن معنى "الدحو" قد يتضمن أيضًا حركة أو دحرجة، مما يعكس التداخل بين المعاني اللغوية والحقائق الكونية.

الرؤية الروائية حول يوم دحو الأرض
وفقًا لروايات أهل البيت (عليهم السلام)، يرتبط يوم دحو الأرض بحدث كوني عظيم. فقد ورد في حديث الإمام الصادق (عليه السلام): "إن الله تعالى دحا الأرض من تحت الكعبة إلى منى، ثم دحاها من منى إلى عرفات، ثم دحاها من عرفات إلى منى. فالأرض من عرفات، وعرفات من منى، ومنى من الكعبة".  (الوافي، ج 12، ص 26)

كما يروى عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: "لمّا أراد اللّه أن يخلق الأرض أمر الرّياح فضربن وجه الماء حتّى صار موجا، ثمّ أزبد فصار زبدا واحدا فجمعه في موضع البيت ، ثمّ جعله جبلا من زبد، ثمّ دحا الأرض من تحته، و هو قول اللّه تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّٰاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبٰارَكاً." (تفسیر کنز الدقائق، ج 3، ص 165)

هذه الروايات تشير إلى أن الكعبة كانت المحور الأول الذي انبثقت منه الأرض، مما يعكس مركزيتها الروحية والجغرافية في العالم الإسلامي.

أهمية يوم دحو الأرض في الأحاديث النبوية
يُعد يوم دحو الأرض من الأيام التي خُصّت بفضل عظيم في النصوص الإسلامية. يذكر الإمام الرضا (عليه السلام) أن هذا اليوم شهد عدة أحداث عظيمة:  

- ولادة النبي إبراهيم (عليه السلام) والنبي عيسى بن مريم (عليه السلام).  

- نصب الكعبة المشرفة.  

- هبوط النبي آدم (عليه السلام) إلى الأرض.  

- انتشار الرحمة الإلهية على الأرض.  

عَنْ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ يَقُولُ: إِنَّ أَوَّلَ رَحْمَةٍ نَزَلَتْ مِنَ اَلسَّمَاءِ إِلَى اَلْأَرْضِ فِي خَمْسٍ وَ عِشْرِينَ مِنْ ذِي اَلْقَعْدَةِ فَمَنْ صَامَ ذَلِكَ اَلْيَوْمَ وَ قَامَ تِلْكَ اَللَّيْلَةَ فَلَهُ عِبَادَةُ مِائَةِ سَنَةٍ صَامَ نَهَارَهَا وَ قَامَ لَيْلَهَا وَ أَيُّمَا جَمَاعَةٍ اِجْتَمَعَتْ ذَلِكَ اَلْيَوْمَ فِي ذِكْرِ رَبِّهِمْ عَزَّ وَ جَلَّ لَمْ يَتَفَرَّقُوا حَتَّى يُعْطَوْا [يُؤْتَوْا] سُؤْلَهُمْ وَ يَنْزِلُ فِي ذَلِكَ اَلْيَوْمِ أَلْفُ أَلْفِ رَحْمَةٍ يَضَعُ مِنْهَا تِسْعَةً وَ تِسْعِينَ فِي خُلُقِ اَلذَّاكِرِينَ وَ اَلصَّائِمِينَ [اَلصَّافِّينَ] فِي ذَلِكَ اَلْيَوْمِ وَ اَلْقَائِمَيْنِ فِي تِلْكَ اَللَّيْلَةِ. (إقبال الأعمال، ج 1، ص 312)

يقول الإمام الرضا (عليه السلام): "لَيْلَةَ خَمْسٍ وَ عِشْرِينَ مِنْ ذِي اَلْقَعْدَةِ ، دُحِيَتِ اَلْأَرْضُ مِنْ تَحْتِ اَلْكَعْبَةِ ، فَمَنْ صَامَ ذَلِكَ اَلْيَوْمَ كَانَ كَمَنْ صَامَ سِتِّينَ شَهْراً." (الوافي، ج 11، ص 57)

الأعمال المستحبة في يوم دحو الأرض
تؤكد النصوص الإسلامية على أهمية العبادة والعمل الصالح في هذا اليوم، حيث يُستحب القيام بعدة أعمال، منها:  

1. الصيام: يُعد صيام يوم دحو الأرض من أفضل الأعمال، ويُقال إنه يكفّر ذنوب سبعين سنة، أو يعادل عبادة مئة سنة لمن صامه وقام ليلته.  

2. الغسل: يُستحب الاغتسال في هذا اليوم تعظيمًا له.  

3. الصلاة: وردت صلاة مخصوصة تُصلّى عند الضحى، تتضمن ركعتين يُقرأ فيهما سورة "الشمس" خمس مرات بعد الفاتحة.  

4. الدعاء: من الأدعية الواردة في هذا اليوم: "اللهم يا داحي الكعبة، وفالق الحبة، وكاشف الكربة...".  

5. ذكر الله والاجتماع للعبادة: يُستحب الاجتماع لذكر الله، حيث ورد أن في هذا اليوم تُنزل ألف ألف رحمة، يُوزع منها الكثير على الذاكرين والصائمين.

البعد العلمي ليوم دحو الأرض
تتلاقى الروايات الإسلامية مع الاكتشافات العلمية الحديثة حول نشأة الأرض وتطورها. يشير العلماء إلى أن الأرض كانت مغطاة بالماء في مراحلها الأولى قبل أن تظهر اليابسة تدريجيًا.

هذه الحقيقة تتطابق مع ما ورد في الروايات الإسلامية عن دحو الأرض، حيث يُذكر أن المياه غطّت الأرض، ثم انحسرت لتظهر اليابسة، وكانت الكعبة أول نقطة تظهر من تحت الماء.

علاوة على ذلك، يرى بعض العلماء المسلمين أن مصطلح "الدحو" قد يشير أيضًا إلى حركة الأرض ودورانها، مما يعكس فهمًا متقدمًا للحقائق الكونية في النصوص الإسلامية.

البعد الروحي والأخلاقي ليوم دحو الأرض
يمثل يوم دحو الأرض فرصة للتأمل في عظمة الخلق الإلهي، وهو دعوة للإنسان للتفكر في نعمة الأرض التي بُسطت وجُعلت صالحة للحياة. يقول الإمام علي (عليه السلام) في وصف خلق الأرض: "كَبَسَ الأرض على مور أمواج مستفحلة، ولُجج بحار زاخرة...". هذا الوصف يُظهر القوة الإلهية التي أخضعت الماء الهائج لتكوين الأرض.

كما يُذكّر هذا اليوم الإنسان بمسؤوليته تجاه الأرض، حيث ينبغي أن يكون شكرًا لله على هذه النعمة من خلال الحفاظ على البيئة والعمل على إعمار الأرض بالخير والعدل.

استنتاجات ودروس من يوم دحو الأرض
1. الارتباط الروحي بالكعبة: تُبرز النصوص الإسلامية أن الكعبة ليست فقط مركزًا روحيًا للمسلمين، بل هي أيضًا مركز الأرض ومحورها الجغرافي.  

2. التفكر في الخلق الإلهي: يدعو يوم دحو الأرض الإنسان إلى التأمل في عظمة الله وقدرته على خلق هذا الكون البديع.  

3. أهمية العمل الصالح: يشجع هذا اليوم المسلمين على الإكثار من العبادة، والصيام، وذكر الله، مما يعزز القرب من الله.  

4. التوافق بين الدين والعلم: تُظهر الروايات الإسلامية انسجامًا بين النصوص الدينية والاكتشافات العلمية حول نشأة الأرض وتطورها.  

5. الحفاظ على الأرض: يذكّرنا هذا اليوم بأهمية الحفاظ على الأرض كأمانة إلهية، والعمل على إعمارها بما يرضي الله.

خاتمة
يُعد يوم دحو الأرض مناسبة عظيمة للتأمل في معاني الخلق الإلهي وعظمته، وهو فرصة لتجديد العلاقة مع الله من خلال الصيام والعبادة.

كما أنه يوم يحمل دروسًا أخلاقية وعلمية تؤكد على مركزية الأرض في حياة الإنسان وعلى ضرورة الحفاظ عليها.

إن هذا اليوم يجمع بين البعد الروحي والعلمي، مما يجعله مثالًا حيًا على العلاقة الوطيدة بين الدين والعلم.

علی‌رضا مکتب‌دار
رئیس التحریر  لأسبوعیة «الآفاق»

.....................

انتهى  /  323

تعليقك

You are replying to: .
captcha