3 ديسمبر 2025 - 13:15
مصدر: خاص أبنا
«عائدة سرور»؛ تجلٍّ من حماسة وصبر أمّهات الشهداء/ حكاية أمٍّ لبنانية لشهيدين من التربية العاشورائية إلى الصبر الزينبي

أمّ لبنانية لشهيدين، في حوارها مع وكالة أبنا، تحدّثت عن تجربتها في الأمومة على درب المقاومة، وعن صبرها أمام استشهاد أبنائها، مؤكّدةً في وصيتها للأمهات وزوجات الشهداء ضرورة مواصلة طريقهم والتمسّك بالإيمان.

وفقا لما أفادته وكالة أنباء أهل البيت (ع) الدولية ــ أبنا ــ في ذكرى وفاة السيدة أمّ البنين عليها السلام، تلك المرأة التي ارتبط اسمها بالوفاء والتضحية وأمومة الأبطال، وفي يوم يُعرف بتكريم الأمهات وزوجات الشهداء، قصدنا إحدى الشخصيات اللامعة في هذا الطريق؛ السيدة «عائدة سرور»، امرأة من جنوب لبنان، حياتها مرآة حيّة لمعنى «الأمومة في جبهة المقاومة».

عائدة سرور، المولودة عام 1971، دخلت مرحلة الشباب في زمن كان فيه لبنان يتنفس تحت ظلال الحرب والاحتلال، غير أنّ نسيم الثورة الإسلامية قد وصل من إيران إلى بيروت، فبثّ روحاً جديدة في قلوب شباب المنطقة. 

رأت في نظرة الإمام الخميني رحمة الله عليه ذلك النور والجاذبية التي كانت قد لمحتها من قبل في عيني الإمام موسى الصدر؛ نورٌ أنار لها طريق الحياة نحو المقاومة. نشأت عائدة في أسرة بسيطة، لكنها اتخذت قراراً عظيماً: أن تحيا في مدار الإيمان والصمود.

أصبحت زوجةً لأحد مجاهدي حزب الله، وأمّاً لأبناءٍ نشأ كلّ واحدٍ منهم في درب المقاومة؛ فقد ارتقى ابنها الأصغر، علي عباس إسماعيل، شهيداً وهو في الثامنة عشرة من عمره أثناء دفاعه عن الحرم. إنّ العلاقة الحميمة والمفعمة بالروح التي جمعتها بعلي تكشف جانباً عميقاً من شخصية عائدة؛ أمّ عطوفة، واعية وصلبة، ربّت أبناءها لا من أجل الحرب، بل من أجل الحرية والغيرة والوفاء بالحق. وعلى هذا الطريق، هي اليوم أيضاً أمّ لشهيدين، ولها دور مميّز في الأنشطة الثقافية والاجتماعية للمقاومة في لبنان.

اليوم، عائدة سرور ليست مجرد «أمّ شهيد»؛ بل هي رمز لجيلٍ من النساء اللبنانيات ونساءٍ من مختلف جغرافيا المقاومة، اللواتي بصبرهنّ وشجاعتهنّ أصبحن أعمدة راسخة لهذا الطريق. نساءٌ رغم حياتهنّ المليئة بالمحبّة والبساطة، قدّمن أعظم تضحيات عصرنا. إنّ حضورها في هذا الحوار هو وفاءٌ لمنزلة النساء اللواتي، على خطى السيّدة فاطمة الزهراء والسيّدة زينب والسيّدة أمّ البنين، كنّ رسائل وفاءٍ وشجاعةٍ وأمومةٍ عاشورائية.

تجربة أمّ لشهيدين؛ اختيار إلهي وإيمان أمومي
قالت عائدة سرور عن تجربتها في أنها أمٌّ لشهيدين: «إنّه لطف من الله أن اختارني من بين عوائل الشهداء، ومنحني شرفاً باستشهاد ولديَّ محمد علي وعلي. أنا كأمّ، مثل سائر الأمهات، لديّ مشاعر؛ مشاعر أمومية وعميقة. ولكن حين يغلب الدين على هذه المشاعر، أقول لنفسي: يا أمومة، تنحّي جانباً، لأنّ نداء دين محمد وآل محمد قد ارتفع الآن: اللهم صلِّ على محمد وآل محمد».

وأضافت: «أنا تلك التي قدّمت أبنائي طوعاً ورغبةً، من دون انتظار أمرٍ من أحد، على سبيل الحبّ الإلهي. على العكس، تولّيت زمام المبادرة بنفسي، لأنني أمّ مؤمنة بالله، وباليوم الآخر، وباليوم الموعود. ذلك اليوم الموعود الذي سيشملنا جميعاً، هو اليوم الذي نضحّي فيه بأبنائنا من أجله. هذا الإيمان متجذّر في القلب وفي نمط حياتنا منذ الطفولة، وقد شكّل مسار حياتي».

لحظة تلقّي خبر الشهادة
روت عائدة سرور لحظة سماع خبر استشهاد ابنها قائلة: «كنتُ في حرم الإمام الرضا عليه السلام، عند باب الجواد، حين وصلني خبر استشهاد ولدي. سمعت صوتاً ينادي اسم محمد علي، وكان تماماً صوت ابني. كان قُبّة الحرم تتلألأ أمامي، فقلت في نفسي: يا ربّ، لقد قلت لك دائماً: خُذ حتى ترضى، وها أنا الآن أُفوّض أمري إلى الله تعالى، المدبّر لكلّ شيء».

وأضافت: «استحييت أن أصرخ أو أبكي، لأنني كنت في حضرة الإمام المعصوم، وفي رحاب ابنه الإمام الجواد عليه السلام، فسلّمت كلّ شيء إلى القضاء الإلهي».

عشق الله؛ خصائص الأنباء البارزة 
وصفت أبرز خصائص أبنائها قائلة: «أبرز سمة كانت الحبّ لله. فالله أحبّهم وهم أحبّوا الله؛ ولذلك اختار من بين أبنائي ومن عائلتي شهداء. لقد أورثتُ فيهم حبّ الله؛ ربّيتهم على لبن العشق الإلهي ومودّة محمد وآل محمد. ومن الطبيعي أن ينتهي طريقهم إلى الشهادة».

«عائدة سرور»؛ تجلٍّ من حماسة وصبر أمّهات الشهداء/ حكاية أمٍّ لبنانية لشهيدين من التربية العاشورائية إلى الصبر الزينبي

الصبر والثبات؛ دروس عاشورائية
قالت عن الاحساس بحزنها بعد تقديم أبنائها: «أبداً؛ لقد قدّمت أبنائي إلى الله تعالى، وكلّ ما يكون لله ينمو ويزدهر. وبمشيئة الله، هو الذي يمنح الصبر. قدوتي هي السيّدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها؛ فكيف يمكنني أن أتحدّث عن فتور أو تعب؟ إنني أستحي أن أقول إنني فاطمية أو زينبية ثم أقول: يا ربّ، أشعر بالتعب. هذا الطريق هو طريق الإيمان والثبات، ويستمرّ بفضل الله».

وتابعت عائدة سرور قائلة: «أقول للأمهات من خلال تجربتي إن هذا هو عين ما قاله إمامنا الراحل، الإمام الخميني قدّس سرّه: كلّ ما عندكم من عاشوراء، وكلّ ما عندنا من عاشوراء. فعاشوراء امتدادٌ لزماننا. عندما نحضر في مجالس أبي عبد الله الإمام الحسين عليه السلام ونستمع إلى كلماته، يجب أن نطبّق كلّ ما تعلّمناه عملياً في حياتنا. ليس فقط حين نقرأ زيارة عاشوراء ونقول: ليتنا كنّا معك، بل يجب أن نعبّر أيضاً بصدق عن الوجه الآخر: ليتنا كنّا معك في القول والعمل. وإن شاء الله، حين تكون الأمّ من الزينبيات، ستكون مثل السيّدة زينب سلام الله عليها، ويكون موقفها في الشدائد كموقفها يوم العاشر من عاشوراء: يا ربّ، خُذ حتى ترضى».

وصية لأمهات الشهداء؛ مواصلة درب الشهداء
قالت عائدة سرور في وصيتها لأمهات الشهداء: «أوصي جميع الأمهات، ولا سيّما أمهات الشهداء، أن يدركن أنّ الشهيد يرحل من الدنيا من أجل مبدأ، وهذ المبدأ لا ينبغي أن يخمد بعد شهادته. على الأم أن تكون من تتحمّل المسؤولية، وتتّخذ الموقف، وتواصل طريق ابنها. قد لا نستطيع أن نكون في الصفوف الأمامية، لكن يمكننا أن نبقي طريقهم حيّاً».

وأضافت: «كما قال الإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه: عندما يُستشهد شهيد، فإنّ دمه يُثمر عند الله تعالى، ولكن القلم والكلمة الطاهرة أيضاً تصعد إليه. ونحن أيضاً، بالعمل بوصايا سماحة آية الله الخامنئي، أطال الله عمره، نشارك في جهاد التبيين. ومن هنا يتجلّى دور أمهات الشهداء؛ دورهنّ هو مواصلة طريق أبنائهنّ وإكمال الرحلة المقدّسة التي بدأها الشهيد».

«عائدة سرور»؛ تجلٍّ من حماسة وصبر أمّهات الشهداء/ حكاية أمٍّ لبنانية لشهيدين من التربية العاشورائية إلى الصبر الزينبي

أهل العمل بالوظيفة والالتزام بدرب الشهداء
قالت السيدة عائدة سرور عن ظروف المقاومة في لبنان في مواجهة ضغوط أمريكا والكيان الصهيوني: «إنه موقف عقلاني تماماً. فأميننا العام، الشيخ نعيم قاسم، وسائر قادة المقاومة، يمتلكون خبرة وحكمة كبيرة، وقد كانوا في ميدان الجهاد قبلنا. ورغم أنّ العدو يتجوّل متى شاء ويملك من أقوى الترسانات في العالم، فإننا نملك ما هو أعظم من كل ذلك: الإيمان بالله وطاعة القيادة. نحن دائماً نؤدي واجبنا، وكما أكّد السيد حسن نصر الله، نحن حاضرون حيثما تدعو الحاجة. والآن ليس وقت الحرب المباشرة، لكننا على الدوام أهل العمل بالوظيفة والالتزام بالطريق المستقيم».

سنقف دائماً في الصفوف الأمامية
قالت السيدة سرور عن ظروف لبنان والضغوط الدولية: «لقد خيّبتنا حكومة لبنان. اليوم يبدو وكأنّ جميع شعوب العالم قد اتّحدت ضدّ لبنان. ليت هناك شيء من التعاطف مع شعب لبنان، لكن للأسف تُشترى أرواح كثيرة بالمال والسلطة والمنصب. الحمد لله أنّنا لسنا من هذا النوع من النفوس؛ الأرواح لا يمكن أن تُشترى أو تُباع بأيّ مال أو وعد في الدنيا».

وتابعت: «قال الأمين العام في آخر خطاب له، قبل نحو أسبوعين، إننا بلغنا مرحلة قد ينفد فيها صبرنا. كانت هذه كلمة تهديد واضحة وفي ذات الوقت مدروسة. على العدو ومن يتحرّك داخلياً بالتنسيق معه أن يعلموا أنّ زمان ومكان الرد سيكونان باختيار المقاومة. نحن مستعدّون؛ وإذا حانت اللحظة، فإنّ الشعب والمقاومة، كما كانوا دائماً، سيقفون في الصفوف الأمامية».

قصة اللقاء والخطاب في حضرة قائد الثورة الإسلامية
تحدّثت عائدة سرور عن لقائها بسماحة القائد قائلة: «سافرتُ إلى إيران من أجل نشر كتاب عن ابني، أوّل شهيد، الشهيد علي. وبعد أيام قليلة، انتقلت من طهران إلى مشهد، وهناك وصلني خبر استشهاد الشهيد محمد علي، في مساء ذلك اليوم بالذات. كنّا على موعد للقاء سماحة القائد، لكوني أمّ شهيد، وقد جرى اللقاء في أيّام الفاطمية. حللنا ضيفا عنده في حسينية الإمام الخميني (ره) مدة ثلاثة أيام».

وتابعت: «في اليوم الأول، حين دخلت اجتماع خاصّ، سلّمت عليه وقلت: اليوم استُشهد ابني محمد علي. فأخذ الخاتم الذي كنت قد أعطيته له من قبل للدعاء، وقرأ عليه وقال: إن شاء الله هو مجاهد في سبيل الحق نحو بيت المقدس. قلت له: نعم. كان الخاتم دائماً في يد محمد علي، لكنه في آخر يوم من السفر تركه في البيت، وهناك استُشهد. وعندما ذهبنا إلى مشهد، بقينا ثلاث ليالٍ في أيّام الفاطمية في الحسينية، ودُعيتُ لإلقاء كلمة في احتفال ولادة السيّدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها. شعرتُ أنّني انتقلت من عالم الدنيا إلى عالم الملكوت. نظرتُ بكلّ حبّ إلى وجهه الملائكي، وألقيتُ الكلمة بلا ورقة ولا قلم. وعندما كنتُ أنظر إلى عينيه اللتين تشعّان بنورٍ الجنة، أحسستُ أنّني في حضرة أحد أولياء الله ونائب صاحب الزمان».

التمسك بالأرض ووصية لشعب إيران
أضافت عائدة سرور: «أنا من جنوب لبنان، من قرية قريبة من الشريط الحدودي للأراضي المحتلة. نحن نقول إن أرض فلسطين محتلة، وإن دماء الشهداء ستثمر دائماً نصراً. هذه الأرض قد رُويت بدماء الشهداء، والتمسّك بها هو ميراث آبائنا وأجدادنا».

وفي ختام حديثها وجّهت خطاباً إلى شعب إيران فقالت: «كونوا ذائبين في وليّ الله وقائد إيران، فهو للجميع، كباراً وصغاراً، بمثابة الأب الحنون. أوصي جبهة المقاومة، من اليمن إلى غزّة والعراق وسائر الميادين، وأوصي جميع المجاهدين وآباءهم وأمهاتهم بالصبر والثبات، فإنّ الله مع الصابرين. وإذا صبرنا نحن وأنتم إن شاء الله، فالنصر سيكون حليف المتحدين. أعزّكم الله».

...............

انتهاء / 232

سمات

تعليقك

You are replying to: .
captcha