23 أغسطس 2025 - 11:38
مصدر: أبنا
الإمام الرضا(ع) وسياسة المقاومة الذكيّة

لم تقتصر مقاومة الإمام على الجانب السياسي فحسب، بل امتدّت إلى المجال الثقافي والفكري. ففي الخُطب والمناظرات والحوارات الاجتماعيّة، كان الإمام يذكّر الناس دائماً بمبدأ الإمامة الحقّة.

وفقا لما أفادته وكالة أنباء أهل البيت (ع) الدولية ــ أبنا ــ إنّ السيرة السياسيّة للإمام علي بن موسى الرضا(ع) حافلة بالدقّة والدهاء في مواجهة الحكّام الجائرين؛ مواجهة جمعت بين التمسّك الصارم بالمبادئ وبين الحكمة والحنكة. 

ففي زمن المأمون العباسي، حيث كانت الخلافة تعيش أزمة شرعيّة خانقة، حاول المأمون استغلال مكانة الإمام الرضا(ع) الروحيّة والاجتماعيّة لتثبيت حكمه. غير أنّ الإمام واجه هذه المؤامرة بسياسة يمكن تسميتها بـ «المقاومة الذكيّة»، فأبطل خطط المأمون خطوة بعد أخرى.

أبرز مظاهر هذه المقاومة ظهر في قضيّة ولاية العهد. فالمأمون أراد من خلال تنصيب الإمام وليًّا للعهد أن يضفي المشروعيّة على سلطانه. لكنّ الإمام الرضا(ع) قَبِل ذلك مُكرهاً وتحت تهديد القتل، واشترط شروطاً صريحة أفرغت مبادرة المأمون من محتواها. أهم هذه الشروط أنّه لن يتدخّل في أيّ شأن سياسي أو إداري للحكومة، ليبعث برسالة واضحة: إنّ قبوله الشكلي لا يعني أبداً الاعتراف بشرعيّة الدولة العباسيّة.

ولم تقتصر مقاومة الإمام على الجانب السياسي فحسب، بل امتدّت إلى المجال الثقافي والفكري. ففي الخُطب والمناظرات والحوارات الاجتماعيّة، كان الإمام يذكّر الناس دائماً بمبدأ الإمامة الحقّة. 
وحديث «سلسلة الذهب» في نيسابور شاهد بارز على ذلك، حيث أكّد الإمام أنّ التوحيد لا يكتمل إلا بالتمسّك بولاية الإمام الحق، وهو تصريح غير مباشر بعدم شرعيّة حكم المأمون. هكذا استعمل الإمام 
أدوات الثقافة والفكر لتقويض أساس المشروعيّة العباسيّة.

كما أنّ الإمام الرضا(ع) لم يسمح لنفسه أبداً أن يبدو متماهياً مع السلطة. ففي مواقف كصلاة العيد، ظهر بأسلوب مستقلّ يبرز عزّته ويكشف زيف مشروع المأمون، الأمر الذي جعل الأخير يزداد ارتباكاً حتى لم يجد بُدّاً من التخلّص من الإمام عبر اغتياله بالسمّ.

إنّ إعادة قراءة هذه السياسة اليوم تعطينا دروساً بالغة الأهميّة: فالمقاومة في مواجهة المستكبرين لا تعني الانسحاب أو السلبيّة، بل تعني الحفاظ على الحدود العقائديّة والسياسيّة، واستثمار كلّ فرصة ثقافيّة وفكريّة لفضح الباطل. لقد أثبت الإمام الرضا(ع) أنّ مقاومة الظلم لا تحتاج دائماً إلى سيف، بل قد تتحقّق أيضاً بالكلمة والموقف والوعي. ومن هنا تبقى سيرته السياسيّة نموذجاً خالداً لكلّ عصر وزمان في مواجهة الطغيان والهيمنة.

محمد حائری شیرازی

.....................

انتهى / 323 

تعليقك

You are replying to: .
captcha