وفقاً لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء ــ ابنا ــ قال عالم الدين البحريني «آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم» في خطبة صلاة الجمعة اليوم (2014/05/30) بجامع "الإمام الصادق (ع)" في "الدراز" إنه "أساساً نُحبّ وطننا، أساساً نكنّ كل الحبّ لوطننا، ونحب له كل خير ونتمنى له السبق في الحق والفضيلة، وأن يحتضن أي مؤسسة كريمة فيها خدمة الإنسانية وحقوق الإنسان ومناهضة الظلم، لكن اختيار البحرين مقراً للمحكمة العربية لحقوق الإنسان في الظروف التي تنتهك فيها السلطة حقوق مواطنيها في أبشع صورة الانتهاك، وتزج في السجون وتُعذّب وتصدر على يدها الأحكام الجائرة المشددة على المنادين بهذه الحقوق، ومن يخرج في مسيرة أو اعتصام انتصاراً لها، وتقتل الصبي واليافع والشاب ممن يرفع صوته بها كما حدث لآخر ضحية على طريق المطالبة بالحق، وهو «السيد محمود ابن السيد السيد محسن» الذي قتل بصورة عمدية على يد قوات الأمن يفتقد التفسير الإنساني ويصب في صالح انتهاك حقوق الإنسان. هذا الاختيار يفتقد التفسير الإنساني ويصب في صالح حقوق الإنسان".
وأضاف آية الله قاسم متسائلاً "لماذا هذا الاختيار؟ أهو شهادة زور ببراءة من انتهاك حقوق الإنسان وتلميع صورتها افتراءً على الحق وتطاولاً على الواقع، أهو إعلانٌ بعدم الجدية بمشروع هذه المحكمة من الأساس؟ وأنها للتغطية على انتهاك حقوق الإنسان الشائع في البلاد العربية؟ أهو ليس أكثر من دعاية لا يمكن أن تصمد أمام فضائح الواقع؟ أينسجم أن تختار مقبرة الحقوق مقرّاً لمشروعٍ مهمته المُدّعاة الدفاع عن الحقوق وإحياؤها؟".
وفيما يلي نص خطبة الجمعة لسماحته:
يوم المبعث النبوي الشريف:
كان يوماً لبعث الحياة لعالم الإنسان والأرض، وقبل بعثة الرسول (صلى الله عليه وآله) كانت حركة الإنسان محكومة من داخله وخارجه لحكومة الشرك والجاهلية والضلال واليهودية والمسيحية المحرفتين. وكانت أوضاعه في حياة الخارج محكومة لهوى الأرض وقيم المادة وطاغوتية الطاغوت، وببعثة المصطفى (صلى الله عليه وآله) وتنزل القرآن الكريم، وما أعطته التربية القرآنية على يد المبعوث بالرحمة حدث انقلاب هائل على مستوى داخل الإنسان وخارجه وكل أوضاعه اتجه به إلى السماء بدل ما كان عليه من الإنكباب على الأرض، وأعاد إليه عقله، وصحح تفكيره، وقوّم إرادته، وطهّر مشاعره، ورفع مستوى همّه وطموحه، ومدّ في رؤيته، وأنضج وعيه، وعالج نفسيته، واستقام بأوضاع حياته -قل عن ذلك الانقلاب العظيم أنه هدى الإنسان إلى سواء السبيل وأخرجه من الظلمات إلى النور-.
بدأ ذلك من جزيرة العرب، وامتدت أنواره وتأثيراته الكريمة إلى أقاصي الدنيا وأبعد تخوم الأرض المأهولة بالإنسان، ومستحيلٌ على الأرض في ذلك اليوم وفي أي يومٍ آخر، وعلى كل أمة وكل جيل أن ينقذه من آثار الجاهلية المُضيّعة لحياته المحقرة له المنحطة بمستواه المفسدة لكل أوضاعه غير الإسلام والقرآن والقيادة الربانية الممثلة لرقي الإسلام والقرآن وهدايتهما ورحمتهما التي هي من رحمة الله الواسعة.
والجاهلية رؤية كونية تقابل رؤية الإسلام، وفكرٌ يضاد فكره، ومنهجٌ يناقض منهجه، وشعورٌ على خلاف ما يعطيه من شعور، وسياسة على خلاف ما يريد من سياسة، وتربيةٌ منحرفةٌ عن تربيته.
وليس أمام هذه الأمة وكل أهل الأرض من فرصة نجاة، وتحقيق عدلٍ واستقرار، وإيجاد أجواء المحبة والإخاء والاطمئنان والصيرورة على طريق الغاية التي تعطي الحياة الدنيا قيمتها الغالية إلا أن يشدّوا الرحال جادين مخلصين بالإسلام والقرآن والقيادة الربانية الممثلة لهما.
الإسلام بقاءً واندثارا:
للإسلام في عقيدته وشريعته أصولٌ عقلية وروحية ونفسية في كيان الإنسان بما هو إنسان، بغض النظر عن مختلف تشعباته، وهي أصول ٌ خلقية لا تقبل الاجتثاث.
وحاجة الإنسان والحياة في تقوّمهما وصلاحهما لهذه الأصول لا تقبل الارتفاع، ولا يسدّها شيءٌ آخر.
أما ظهور تأثيرها وفاعليتها العملية بهذه الدرجة أو تلك فيرتبط بتلوّن الظروف ومساعدة أو مضادة الأوضاع الخارجية التي تسود المجتمع الإنساني وتشارك في تكييف الإنسان والأخذ به في هذا الإتجاه أو الاتجاه المعاكس.
فالإنسان في صناعته الفعلية خاضعٌ لتأثير فطرته والخارج معها، وتتنازعه هاتان القوتان عند المفارقة بينهما.
قد تلتقي هاتان القوتان، قوة الخارج والفطرة، فتتناصران على التربية للإنسان التربية السلمية والصعود به إلى أعظم درجة ممكنة، وقد تختلف الخارج عن الداخل، وهنا تتنازع هاتان القوتان.
فالإسلام بما له من قوة أصيلة في كيان الإنسان لا يمكن أن يُغيّب تماماً على مستوى إشتغاله الفكري وكذلك الشعوري والعملي ومن مسرح الحياة، لكن أن يبقى الإسلام عقيدة وشريعة ومنهاجاً على وضوحه ونقاوته وأصالته على مستوى الإيمان والفاعلية العملية المطلوبة في حياة الناس وأن يأخذ مكانته اللائقة في قيادة الحياة خارجاً وفي مختلف الأبعاد فإن ذلك يعتمد على أمرين: أن يصل عقول الناس في كل أجيالهم بصورته الحقيقية غير المنقوصة وبلا تزّيد ولا مغالاة ولا تحريف ولا تشويه، وأن تتولى قيادةٌ ربانية بحقّ قيادة الحياة كما يرى ويريد -أي الإسلام- ويحكم.
وكلٌ من الأمر يتطلب وجود المعصوم الذي لا مفارقة له عن شيء من الإسلام ولا تنفكّ مقارنته العقلية والنفسية والعملية عن القرآن، ومن هنا تأتي أهمية حديث الثقلين أو الخليفتين، والذي تزخر به المصادر السنية والشيعية بألسنة متعددة يفسر تعددها صدوره في أكثر من موقف ومناسبة، ولنقرأ منه هذا النص: عن أبي سعيد الخدري قال، قال النبي “صلى الله عليه وسلم” -حسب تعبير المصدر-: أيها الناس إنّي تاركٌ فيكم ما إن أخذتم به لن تظلّوا بعدي أمرين أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله حبلٌ ممدود ما بين السماء والأرض، -والأرض دائماً تحتاج إلى أن تتعلق بالسماء وأن تجد روح الإنسان سبيلاً إلى هذا التعلق والاشتداد، روح الإنسان، قلبه عقله كل حياته محتاج فيه الإنسان إلى التعلق بالسماء- .. ما إن أخذتم به لن تظلوا بعدي، أمرين أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله حبلٌ ممدود ما بين السماء والأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض.
وقد غني مثل هذا الشهر الميمون في تاريخ الأمة الإسلامية بانبثاق ثلاثة أنوار إلهية في الأرض لحفظ الإسلام ونقاوته، وقيادة حركة الحياة على طريقه.
أنوار أطهار قادة أبرار، الحسين بن علي بن أبي طالب شهيد كربلاء، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن الحسن القائم المنتظر (عليهم السلام)، وانظم إلى ذلك قمر بني هاشم.
ولقد أنقذ الإمام الحسين (عليه السلام) من انحرافة جاهلية خطيرة على يد الحكم الأموي كادت أن تقضي عليه، وتشويهٍ بليغٍ له، وفصلٍ شبه نهائي عن فكره وأخلاقيته وكل منهجه.
وواصل الإمام السجاد (عليه السلام) عملية هذا الإنقاذ على المستوى الإعلامي والتربوي لشريحة واعية من الأمة ورعاية أبوية لصالح الأمة، وتوعية على الحقيقة رغم ما أحاط به من ظروف الشدة والرقابة والحصار.
أما الإمام المنتظر (عليه السلام) فهو المعد لإنقاذ الإسلام وأمة الإسلام والبشرية جمعاء وبصورة عملية تتكفل عودة الإسلام وتطبيقه التطبيق الأمين الدقيق على مستوى العالم في ثورة عالمية ظافرة.
المحكمة العربية لحقوق الإنسان:
أساساً نُحبّ وطننا، أساساً نكنّ كل الحبّ لوطننا، ونحب له كل خير ونتمنى له السبق في الحق والفضيلة، وأن يحتضن أي مؤسسة كريمة فيها خدمة الإنسانية وحقوق الإنسان ومناهضة الظلم، لكن اختيار البحرين مقراً للمحكمة العربية لحقوق الإنسان في الظروف التي تنتهك فيها السلطة حقوق مواطنيها في أبشع صورة الانتهاك، وتزج في السجون وتُعذّب وتصدر على يدها الأحكام الجائرة المشددة على المنادين بهذه الحقوق، ومن يخرج في مسيرة أو اعتصام انتصاراً لها، وتقتل الصبي واليافع والشاب ممن يرفع صوته بها كما حدث لآخر ضحية على طريق المطالبة بالحق، وهو السيد محمود ابن السيد السيد محسن الذي قتل بصورة عمدية على يد قوات الأمن يفتقد التفسير الإنساني ويصب في صالح انتهاك حقوق الإنسان. هذا الاختيار يفتقد التفسير الإنساني ويصب في صالح حقوق الإنسان.
لماذا هذا الاختيار؟ أهو شهادة زور ببراءة من انتهاك حقوق الإنسان وتلميع صورتها افتراءً على الحق وتطاولاً على الواقع، أهو إعلانٌ بعدم الجدية بمشروع هذه المحكمة من الأساس؟ وأنها للتغطية على انتهاك حقوق الإنسان الشائع في البلاد العربية؟ أهو ليس أكثر من دعاية لا يمكن أن تصمد أمام فضائح الواقع؟ أينسجم أن تختار مقبرة الحقوق مقرّاً لمشروعٍ مهمته المُدّعاة الدفاع عن الحقوق وإحياؤها؟
ليكن هذا المشروع جاداً فالبحرين أولى من أي بلد آخر لمعالجة الوضع الحقوقي المتدهور على يد السلطة فيها.
قيمة الحوار:
قيمة الحوار ليس في نفسه، وإنما قيمته في غيره، وفيما يؤيدي من إصلاح وعدمه، ونتيجته الصغيرة تجعله صغيراً، ونتيجته المهمة تعطيه وصفها، ولذلك لا جدوى في حوار لا سلطة تملك التنفيذ فيه، وما دام يمكن عدم التزام تلك السلطة لنتائجه، ويبقى كل ما يفضي إليه أو قسماً منه حبراً على ورق.
ثمّ أنه لا قيمة لنتيجة حوارٍ وإن علت قيمتها في نفسها، وكانت بيد من يملكون وكانت بموافقة من يملكون تنفيذها ولكن بلا ملزمٍ واضح من دستورٍ ضامن، ولا جهةٍ قويةٍ ضامنة، ولا غنى ضمان الدستور.
ولا حوار يتصف بالعدل والجدّية في طلب حلٍ متوازن، اذا دخلت فيه عدّة أطراف من رأي واحدٍ تابع لرأي السلطة وعدّت أطرافاً متعددة لكل واحدٍ منها حسابه الخاص في التوّصل إلى حل بينما يكون تمثيل المعارضة ومن ورائها غالبية الشعب طرفاً واحداً في اعتبار النتيجة.
وليس حواراً ما كان للتلهية وتمضية الوقت، وليس بحوارٍ ما كان للإعلام وذر الرماد في العيون وإسكات المنظمات الحقوقية المطالبة بالإصلاح.
والحوار بنتيجة بعيدة عن سقف المطالب الشعبية والتي تفرضها ضرورة الإصلاح حوارٌ هازل لا جدّية فيه وهو للهزء لا للحل.
والحوار لا يكون بلا سقفٍ زمني محدد، ولا جدول أعمال متفق عليه..
أن يكون حوارٌ فليكن جاداً متوفراً على العدل في الاعتبار للأطراف ووزن المعارضة وعلى كافة الشروط التي تمكّن له أن يحقق نتيجة متوافقاً عليها وأن يؤدي إلى إصلاح حقيقي يمثل الحل.
والحوار ليس حرباً ولا محاكمة، ولا جدلاً عقيماً ولمجرد إحراج الآخر.. الحوار المطلوب حوارٌ يمثل مقدمة قادرة على أن يصير بالوضع إلى الإصلاح وينقذ من الأزمة ويفضي إلى حل.
.................
انتهى/212