قال عالم الدين اللبناني «السيد علي فضل الله» في خطبة صلاة الجمعة "إنّا نرحّب بالحديث الجاري عن التقارب السعودي الإيراني، الذي لطالما دعونا إليه، والذي كنّا ولا نزال نؤكّد أنّه من أهمّ السّبل لتنفيس الاحتقان المذهبي والطائفي، وحلّ الكثير من المشكلات، ومعالجة العنف المستشري، الَّذي يهدّد أكثر من بلد عربي وإسلامي، سواء في لبنان أو سوريا أو العراق أو اليمن أو البحرين".

١٧ مايو ٢٠١٤ - ٠٨:٣٠
عالم الدين اللبناني «العلامة السيد فضل الله» يرحب بالتقارب السعودي الإيراني

وفقاً لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء ــ ابنا ــ ألقى عالم الدين اللبناني «العلامة السيد علي فضل الله» خطبة صلاة الجمعة، من على منبر مسجد "الإمامين الحسنين(ع)" في "حارة حريك" بلبنان، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين.

وجاء في خطبته: "إنّا نرحّب بالحديث الجاري عن التقارب السعودي الإيراني، الذي لطالما دعونا إليه، والذي كنّا ولا نزال نؤكّد أنّه من أهمّ السّبل لتنفيس الاحتقان المذهبي والطائفي، وحلّ الكثير من المشكلات، ومعالجة العنف المستشري، الَّذي يهدّد أكثر من بلد عربي وإسلامي، سواء في لبنان أو سوريا أو العراق أو اليمن أو البحرين. ومن شأن هذا التّقارب أن يعمل على طيّ ملفّ هذه الصّراعات، لمصلحة المزيد من التعاون العربي والإسلامي".

وأضاف "من هنا، فإننا ندعو إلى الإسراع في تحقيق اللّقاء الّذي نعتقد أنّه سيبدّد الكثير من المخاوف والهواجس التي أُريد لها أن تحكم علاقة هذين البلدين".

وفيما يلي نص الخطبة الثانية لسماحته:

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله. ومن التّقوى، أن نستهدي بهدى السيّدة زينب(ع)، ونحن نعيش ذكرى وفاتها في الخامس عشر من هذا الشَّهر؛ شهر رجب. أن نستهدي إيمانها، وحبّها لأخيها وإمامها الحسين(ع)؛ أن نستهدي عبادتها، وهي الّتي حرصت على أن لا تترك صلاة اللّيل حتى في كربلاء، في ليلة الحادي عشر من محرّم.

علينا أن نستهدي صبرها، وهي الّتي وقفت شامخة في كربلاء شموخ الإسلام، لتقول لله، وهي عند جسد أخيها الحسين الشّهيد، وأمام الأعداء: "اللّهمّ تقبّل منّا هذا القربان"؛ أن نستهدي عنفوانها، وهي تصرخ أمام يزيد، لتقهر كبرياءه وإحساسه بالنّصر والقوّة، وتقول له: "خسئت يا يزيد، كد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله، لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا".

لم يهدأ صوت زينب ولم يخفت، رغم عمق الآلام والجراح، وعظيم التحدّيات، وهول المصاب، وبقيت ثابتة، لم تهتزّ، ولم ترضخ، إلى أن انتقلت إلى رحاب ربها راضية مطمئنّة. هذه الرّوح التي أطلقتها السيدة زينب(ع)، والّتي انطلقت من أعماق دماء الحسين وأصحابه وأهل بيته، هي الّتي ساهمت في صنع انتصارات السّابقين، وحفظها في القلوب والعقول والأحاسيس، وكلّ ذلك ساهم في انتصارات الحاضر، ومن خلاله نملك القدرة على مواجهة كلّ التحدّيات.

لبنان: الفراغ الرّئاسيّ

والبداية من لبنان، حيث بات واضحاً من خلال مجريات الواقع السياسي، أنَّ البلد يتّجه نحو الفراغ في سدّة موقع رئاسة الجمهوريّة. ومع الأسف، بات الفراغ هو خبز اللّبنانيّين في كلِّ استحقاق، سواء كان حكوميّاً أو رئاسيّاً، بحيث اعتادوا عليه، وبات من سمات هذا البلد.

وعلى ما يبدو، فإنَّ الأمر مؤجَّل بانتظار جلاء الغبار عما يجري من لقاءات وحوارات على المستويين الإقليمي والدّولي. وبانتظار ذلك، ينفض المسؤولون أيديهم، ويعلنون عجزهم عن انتخاب رئيس يتوافقون عليه، أو تتوافق عليه أغلب الكتل السياسيّة.

 ورغم كلّ ذلك، فإنّنا نأمل وندعو أن تحمل لنا الأيّام القادمة عكس كلّ هذه التوقّعات، وأن ينتخب النوّاب رئيساً تجتمع عليه كلمتهم، فلا يعيش البلد تجربة الفراغ مجدَّداً، بكلّ ما يعنيه ذلك من مخاطر...

إنّنا أمام هذا الواقع، نعيد مناشدة جميع المسؤولين، للمزيد من العمل على تحصين البلد، وقطع الطّريق على أيّ سعاة للعبث مجدّداً بأمنه واستقراره، وإن كنّا نرى ـ وهو ما أكَّدناه في الأسبوع الماضي ـ أنَّ تسخين السّاحة اللّبنانيّة، بات مستبعداً في ظلِّ أجواء التبريد التي تعيشها منذ فترة، وذلك بفعل الرّغبة الدّوليّة والإقليميّة في استقرار لبنان، فضلاً عن رفع منع السّفر من قِبَل جهات لها تأثيرها وحضورها في الساحة اللّبنانيّة، لكن هذا لا يمنع دائماً في بلد مثل لبنان، الحذر، والحذر الشّديد.

الأزمة المعيشيّة بلا حلّ

ويبقى الهمّ المعيشيّ حاضراً، حيث كنّا نأمل أن تفضي اجتماعات المجلس النيابي، وقبل تحوّله إلى هيئة ناخبة، إلى إقرار سلسلة الرّتب والرّواتب، لإنصاف المعلّمين والقطاع العامّ، وما يتبعها من قرارات قد تساهم في إصلاح ما فسد على مستوى إدارات الدّولة، والتّعامل الأمين مع المال العام. ولكن، وكما كان متوقّعاً، لم تتطابق حسابات الموظّفين والمعلّمين مع حسابات من يريدون استمرار الهدر والفساد، ولا مع حسابات الّذين يتقاسمون الأملاك البحريّة والصّناديق المختلفة وغير ذلك، مما لا يراد له أن يمسّ.

ويبقى على الموظَّفين والمعلّمين أن يواصلوا طريقهم. وهنا نقول لهم: تابعوا تحرّككم، ولكن بعقلانيَّة وواقعيَّة تراعي مصلحة البلد، فما ضاع حقّ وراءه مطالب. ونقول للّبنانيّين بكلِّ تنوّعاتهم؛ أولئك الّذين انتفضوا وتحرّكوا، أن لا تكون حركتهم في مواجهة الفساد وهدر المال العام، ومن لا يريد لهم العيش الكريم، آنيّة أو انفعاليّة، أو أن تحكمها حسابات ذاتيّة، بل نريدها أن تستمرّ، ليشعر كلّ من هم في مواقع المسؤوليّة، ممن يمارسون فساداً أو يغطّونه، بأنَّ وجودهم مهدَّد، وبأنّ الشّعب يريد فعلاً تحقيق الإصلاح والتّغيير.

وقد قلناها سابقاً ونقولها الآن: أوقفوا الهدر والفساد، واللّبنانيّون كفيلون بحلِّ أزمات البلد، والمهمّ أن تعيدوا الثقة إلى إنسان هذا البلد.

الدّولة تتخلّى عن الصّحافة

ونحن أمام تعرّض بعض وسائل الإعلام للمحاكمة الدّوليّة، كما حصل مع قناة الجديد وجريدة الأخبار، نعيد دعوة الدّولة إلى تحمّل مسؤوليّتها في الدّفاع عن الحريّة الّتي منحها الدّستور والقوانين للمواطنين، والّتي يجب أن يتعامل مع الإعلام على أساسها. وهنا نتساءل: لماذا لم يتدخّل وزير الإعلام، ولا الجهات القضائيّة، عندما تمّ نشر هذه المعلومات الّتي تتمّ محاكمة الإعلام على أساسها أمام المحكمة الدّوليّة في هذه الأيّام؟

إنّنا، وبصرف النّظر عما قامت به المحكمة الدّوليّة، نرى أنّ من مسؤوليّة الدّولة أن تتحرّك للدّفاع عن هذه الحريّة، لا أن تترك مواطنيها يواجهون وحدهم المحكمة والمحاكمة.

أهميّة التّقارب الإيراني السّعودي

وفي هذا الجوّ، فإنّا نرحّب بالحديث الجاري عن التقارب السعودي الإيراني، الذي لطالما دعونا إليه، والذي كنّا ولا نزال نؤكّد أنّه من أهمّ السّبل لتنفيس الاحتقان المذهبي والطائفي، وحلّ الكثير من المشكلات، ومعالجة العنف المستشري، الَّذي يهدّد أكثر من بلد عربي وإسلامي، سواء في لبنان أو سوريا أو العراق أو اليمن أو البحرين. ومن شأن هذا التّقارب أن يعمل على طيّ ملفّ هذه الصّراعات، لمصلحة المزيد من التعاون العربي والإسلامي.

ومن هنا، فإننا ندعو إلى الإسراع في تحقيق اللّقاء الّذي نعتقد أنّه سيبدّد الكثير من المخاوف والهواجس التي أُريد لها أن تحكم علاقة هذين البلدين.

فلسطين: حتّى لا تتكرّر النّكبة

ونطلّ على فلسطين المحتلّة من بوابة النكبة، الّتي نعيش ذكراها في هذه الأيّام، والّتي نريدها أن تكون مناسبة لدراسة الأسباب الّتي أدّت إلى ضياع فلسطين، رغم كلّ قدرات العالم العربي والإسلامي، والّتي نخشى أن تتكرّر، في ما يعمل عليه لتهويد كلّ فلسطين.

ومن هنا، وفي يوم النكبة، ندعو الشعوب العربية والإسلامية ودولها، إلى إعادة الاعتبار لحضور فلسطين في وجدانها، فلا تضيع وسط الخلافات العربيّة والإسلاميّة، والانقسام المذهبي والطائفي، فضلاً عن الخلافات الداخليّة الّتي لا نريدها أن تستمرّ في الساحة الفلسطينيّة.

إنَّ فلسطين ينبغي أن لا تبقى أمانة في عنق الشعب الفلسطيني فحسب، بل أن تكون أمانة في أعناق كلّ الشعوب العربيّة والإسلاميّة، وكلّ المستضعفين والأحرار أيضاً. ولا بدَّ لنا في هذا المجال، من أن نشدَّ على أيدي المجاهدين الَّذين يصنعون من الضّعف قوّة، والّذين سطّروا ولا يزالون يسطّرون ملاحم من البطولة؛ من ثبات آلاف الأسرى الّذين يعانون أقسى الظّروف في سجون العدوّ، إلى صمود الشّعب الفلسطيني الَّذي لا يبخل في تقديم الشّهداء من أجل هذه القضيَّة، وآخرهم شهداء أمس أمام سجن عوفر، وكلّ الّذين يدعمون قضيّة فلسطين والقدس، وكلّ من يعمل على بقاء فلسطين حيّة في الأدب والشّعر والفنّ والإعلام.

17 أيّار: اتّفاق العار

ويبقى أخيراً أن نستذكر اتّفاق 17 أيّار؛ هذا الاتّفاق المشؤوم الّذي أريد من خلاله إدخال الكيان الصّهيوني إلى قلب السّاحة اللّبنانيّة، وشرعنة احتلال هذا العدوّ؛ نستذكر من خلاله الصّوت الّذي ارتفع آنذاك من مسجد بئر العبد؛ مسجد الإيمان والوعي والجهاد، حيث سقط الشّهيد محمد نجدي في هذا الطّريق، وكانت شهادته الشّرارة الّتي أدّت إلى إسقاط هذا الاتّفاق بأيدي المجاهدين والمقاومين، ليؤكّد مجدّداً قدرة الشّعب على امتلاك حريّته وعزّته عندما يريد، وليقدّم أنموذجاً للعالم في مقاومة شعب قرّر أن ينتصر، فانتصر بعون الله وتوفيقه.



.................

انتهى/212

سمات