وفقا لما أفادته وكالة أنباء أهل البيت (ع) الدولية ــ أبنا ــ لا تقتصر اقامة شعائر العزاء الحسيني في محرم الحرام وصفر ومناسبات استشهاد الائمة الاطهار لدى اهالي كربلاء المقدسة على اهالي محلاتهم السكنية بل يتعداه الى مواكب حسينية تخص فئات مهنية ومنها مهنة الصفارين الذين احيوا تلك الشعائر وخرجوا قرابة (15) جيلا من محبي اهل البيت في موكب الصفارين، وما زالوا على العهد مع امامهم الحسين عليه السلام.
ويقول كفيل الموكب الحاج "عباس الصفار" لوكالة نون الخبرية ان" موكب كربلاء المقدسة التي تسمى عزاء او هيئة او تكية تجد اغلبها تقريبا تأسست في سنوات متقاربة واعتقد انها كانت منافسة في احياء الشعائر، وموكب الصفارين كان الجيل الاول المؤسس له وحسب ما نقل لي اعمامي من كبار السن المتوفين قبل سنوات طوال هو "حجي جبر" ومعه مجموعة من اصحاب مهنة الصفار، ومن بعده تسلم منهم جدي "عباس الهر الخفاجي" كبير الصفارين المتوفي سنة (1960) واصبح هو من يقود الموكب وقائم بأمور العزاء والانفاق على الموكب واطعام المشاركين والزائرين، وجعل ثلث موارد احد البساتين التي يملكها وقفا للانفاق على عزاء الصفارين، ولكن تعرض هذا البستان الى التجريف، واوقفنا احد الملكيات التي تدر واردا للانفاق على الموكب على نفس منهج جدنا وآبائنا في الولاء لاهل البيت واحياء شعائرهم، ومقر الموكب الذي اسس عام (1300) هجرية اي منذ (147) سنة في نفس المكان منذ ان كان سوقا مستطيلا للصفارين فيه (40) محلا وثلاث منافذ على شارعي الامام علي وعلي الاكبر وسوق العلاوي متخصصا بطرف النحاس وصناعة الاواني".
احياء الشعائر
يعيد الحاج "الصفار" شريط الذكريات ويصف ما كان يفعله آبائه واجداده وزملائهم من اصحاب مهنة الصفار عند حلول عاشوراء بالقول ان" العزاء كان يقام داخل سوق الصفارين بعد ان يتم نصب التكية في بداية السوق على واجهة اثنان من المحال التي تغلق ويستغني اصحابها عن ارزاقهم طلبا للاجر والثواب، ويكون نصبها في ليلة اول يوم من شهر محرم الحرام، وفيها منبر ترصف عليه القناديل "اللالات"، والسر في رصف "اللالات" وجعلها منيرة هي ترحيبا وتبركا بوصول الامام الحسين (عليه السلام) الى مدينة كربلاء المقدسة قادما من مدينة مكة المكرمة في الثاني من شهر محرم الحرام من العام الهجري (61)، مثلما يستقبل الحاج العائد من اداء المناسك في وقتنا الحاضر باساليب فرح مختلفة، واصبح تقليد كربلائي سار عليه الاجداد والآباء والابناء والاحفاد، وكانت القناديل تعمل بمادة بالنفط الابيض ثم تحولت الى الكهرباء، وما زالت بعض المواكب تحتفظ بتلك "اللالات" النفطية المصنوعة في روسيا وغيرها، ويتم ايقادها عند غروب الشمس، اما المشعل الكبير الذي يشبه هيكله تصاميم السفينة فلم تكن الغاية من استخدامه وحمله امام الموكب لكونه جزء من الإكسسوارات بل لغرض اضاءة الطرق، والازقة، والدرابين، والاسواق التي تسير فيها المواكب لان المدينة كانت تفتقد للكهرباء او اعمدة الانارة وكان يعمل بالنفط الابيض ويدار بـ "البريمز"، اما "قبة القاسم" فترفع في الليلة المخصصة لعزاء القاسم بن الحسن (عليهما السلام)، وجميع ما يتم انارته سواء بالنفط الابيض او الكهرباء من التكية والمشعل والقبة تطفئ انوارها ليلة العاشر من المحرم وهي ليلة الحزن وحلول الفاجعة باستشهاد ابي عبد الله الحسين واولاده واخوته وابنائهم واصحابه وسبي عياله".
الخدمة والطعام
ويستطرد "الصفار" بذكر تاريخ موكبهم وباقي المواكب بالقول" عند حلول وقت العصر كنا نقيم مجلس حسيني داخل السوق ويفرش السجاد "المدة" ليجلس عليها المعزون ويقدم لهم "البقصم" وهي نوع من المعجنات والشاي والماء ثم يرتقي الخطيب المنبر ويلقي المحاضرة الدينية، ثم في الليل يشاركون بالعزاء بالمسيرة الراجلة بتوقيتات ثابتة، ومن اهم ما يميز موكب الصفارين ان موقعهم كان في وسط المدينة ويغلقون محالهم التجارية في كل مناسبة تخص استشهاد احد أئمة اهل البيت الاطهار (عليهم السلام)، وكانوا يضعون راية الحزن السوداء وتراقب باقي الاطراف رفع الراية وهي اعلان ان اليوم المقبل هو استشهاد الامام المعنى بالذكرى، وفي منتصف العقد السبعيني من القرن الماضي عندما صدر امر الطاغية المقبور بمنع اقامة الشعائر الحسينية انتهت جميع الشعائر العلنية، وفي عام (1988) وبعد جهود مضنية استحصل لنا السيد "صادق السندي" موافقة امنية لاقامة مجلس عزاء، واشترط علينا ان يقام الساعة السابعة "صباحا" وبدون مكبرات صوت وبهدوء تام دون سماع صوت الخطيب او الرادود خارج البيت ولمدة ساعة وبعدها يتفرق الجميع بسرعة، فأقمنا المجلس بصعوبة، اما في احداث العام (1991) فانتهى كل شيء واصبح المنع مطلق بالمجمل وتحولت الى مجالس ضئيلة ومحدودة العدد وداخل البيوت".
يوم سقوط الطاغية
ويصف مرحلة ما بعد انجلاء الغمة وسقوط الطاغية وانفراج الامور قائلا ان" سقوط النظام كان في السابع من شهر صفر واخذت الشخصيات المهتمة بالشعائر من قدامى اهالي كربلاء مثل "محمـد الرادود"، و"عبد الامير الاموي"، و"احمد الطعان" ، والسيد "حسن اللولجي"، والحاج "جواد الشمر"، والحاج "حسن علوان"، و"صاحب ابو السماعات"، وغيرهم الكثير من ابواب الخان، والسلالمة، والطاق، قرارا اتفقوا فيه على تنظيم نزول المواكب صباحا وعصرا مع المشاركة الجماعية من جميع اهالي كربلاء دون التقيد بأهالي الطرف فقط، فاصبحت المشاركة كبيرة، واقيم في نفس يوم سقوط الطاغية مجلس عزاء حسيني في حرم ابي الفضل العباس (عليه السلام)، احياه الرادود "صادق ملك" بقصيدة "خبريني كربلاء" وكانت الناس متعطشة للمجالس الحسينية فغص الحرم بالمعزين، واستمر منها اعادة اقامة الشعائر، وتكفلت المواكب باخراج مستلزماتها واعادة ترمم ما يحتاجونه او توفير بدائل عن المتضرر من ادواتهم بطريقة تضامنية وتعاون جماعي سواء بشرائه من الخارج او عن طريق اشخاص وفروها لهم، وعن طريق الحوزات الدينية او العتبات المقدسة، فأعيد تنظيم التكيات والمواكب من جديد بأكمل صورة، وتطورت المواكب وفعالياتها عام بعد آخر حتى وصلنا الى الموسم الحالي، وتمكنا من تخريج حوالي (15) جيلا حسينيا من طفولتهم الى ان يصبحوا شبابا وكهولا".
.....................
انتهى / 323
تعليقك