وفقا لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء ــ ابنا ــ صحيفة "ذا ماركر" الإسرائيلية تنشر تقريراً يتناول ظاهرة هجرة الأكاديميين الإسرائيليين إلى الخارج وأسبابها وتأثيراتها على التعليم والبحث العلمي في "إسرائيل".
أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:
تشهد "إسرائيل" نزيفاً متزايداً في صفوف الباحثين والعلماء. فبحسب معطيات دائرة الإحصاء المركزية التي نُشرت يوم الثلاثاء 16 كانون الأول/ديسمبر، سُجّلت في عام 2024 زيادة في نسبة الإسرائيليين الحاصلين على شهادة الدكتوراه الذين انتقلوا للعيش في الخارج لفترة تتجاوز ثلاث سنوات.
وتشير البيانات إلى ارتفاع عدد المقيمين في الخارج، سواء بين الباحثين الشباب أم بين مجموع الباحثين عموماً. فباحثون، استثمرت الدولة كثيراً في تعليمهم، وكان بإمكانهم تقديم إسهام حاسم للاقتصاد وللبحث العلمي في "إسرائيل"، يعملون ويعيشون اليوم خارج البلاد.
وتؤكد دائرة الإحصاء المركزية أنه في عام 2024 انتقلت "إسرائيل" إلى ميزان هجرة سلبي للأكاديميين؛ إذ غادر عدد من الأكاديميين الحاصلين على شهادة جامعية أولى فما فوق إلى الخارج بما يفوق عدد الأكاديميين الذين عادوا إليها. ووفق المعطيات، فإن العقول المهاجرة تتسم بالشباب، وارتفاع المستوى التعليمي، وتنحدر من التجمعات السكنية الميسورة في "إسرائيل"، ولا سيما من منطقة هشارون وتل أبيب.
وتتعلق هذه المعطيات بفترة الحرب والانقلاب القضائي، لكنها تعكس اتجاهاً تصاعدياً آخذاً في التعمق. فبحسب البيانات، يعيش اليوم أكثر من ربع الإسرائيليين الحاصلين على دكتوراه في الرياضيات (25.4%) خارج البلاد، وكذلك 21.7% من حاملي الدكتوراه في علوم الحاسوب، و19.4% في علم الوراثة، و17.3% في الأحياء الدقيقة، و17% في الفيزياء، و14% في الكيمياء، ونسب مشابهة بين حاملي الدكتوراه في الهندسة الكهربائية وعلم الأحياء.
إضافة إلى ذلك، تُظهر معطيات دائرة الإحصاء أن 23% من متخرجي الدكتوراه من معهد وايزمان يعيشون اليوم في الخارج، وكذلك 18.2% من متخرجي الدكتوراه من التخنيون (المعهد الإسرائيلي للتكنولوجيا)، و15% من متخرجي الدكتوراه في العلوم من جامعة تل أبيب. كما يعيش خارج "إسرائيل" 10% من متخرجي الدكتوراه في العلوم من جامعة أريئيل، و7% من متخرجي الدكتوراه من جامعة بار إيلان. واعتباراً من عام 2024، يعيش في الخارج 11.9% من الإسرائيليين الحاصلين على دكتوراه و8.1% من الحاصلين على درجة الماجستير.
وتتعلق المعطيات بأصحاب الشهادات الأكاديمية الذين حصلوا عليها بين الأعوام 1990 و2018، ما يعني أنه لا يمكن عزو الظاهرة فقط إلى من يُجرون أبحاث ما بعد الدكتوراه في الخارج، بل إلى أكاديميين إسرائيليين متعلمين يحملون شهادة الدكتوراه وانتقلوا للعيش خارج البلاد بشكل دائم.
وبحسب دائرة الإحصاء، سُجّلت في عام 2024 زيادة في عدد المغادرين الجدد من "إسرائيل"، مقابل تراجع في عدد العائدين إليها بعد إقامة طويلة في الخارج. وتُعرّف الدائرة العائدين من الخارج بأنهم من عاشوا خارج البلاد أكثر من ثلاث سنوات وعادوا قبل أكثر من عامين. فمنذ عام 2022 بدأت ظاهرة تراجع عدد العائدين، وفي المقابل، منذ عام 2023 بدأ ارتفاع عدد الإسرائيليين الذين ينتقلون للعيش في الخارج لفترات طويلة.
كما تُظهر المعطيات زيادة في نسبة الباحثين الشباب (الذين أنهوا دراستهم بين 2014 و2018) من حاملي الدكتوراه الذين انتقلوا إلى الخارج. فعلى سبيل المثال، بلغت نسبة الباحثين الشباب الحاصلين على دكتوراه في العلوم الدقيقة والهندسة والمقيمين في الخارج 14.9% في عام 2024، مقارنة بـ13.4% بين من حصلوا على الدكتوراه في الأعوام 2011–2013.
كذلك ارتفعت نسبة مجموع حاملي الدكتوراه (الذين أنهوا دراستهم بين 2015 و2018) المقيمين في الخارج في عام 2024 إلى 11.7%، مقارنة بـ11.4% في عام 2020، و10.7% في عام 2016، وهو ارتفاع قدره 9.3% خلال عقد واحد.
كما فحصت دائرة الإحصاء التوزيع الجغرافي للتجمعات السكنية التي ينتمي إليها الأكاديميون المقيمون اليوم خارج "إسرائيل". وتُظهر المعطيات أن نحو 11% من الأكاديميين الذين نشأوا في رمات هشارون (حتى سن 18) يعيشون اليوم في الخارج، إلى جانب نسب مرتفعة بين سكان تل أبيب، هرتسليا، عومر، إيفن يهودا، زخرون يعقوب، رعنانا، كفار سابا، كوخاف يائير، وهود هشارون.
الحكومة الإسرائيلية تدفع الأكاديميين إلى الخارج
إلى جانب الحرب والانقلاب القضائي، قد تعود أسباب الهجرة وتراجع الرغبة في العودة إلى "إسرائيل" لدى حاملي الدكتوراه إلى ظروف البحث العلمي وتعامل الحكومة الحالية مع الأكاديمية. فمنذ تشكيلها، تشن حكومة نتنياهو هجوماً متواصلاً على الأكاديمية ومؤسسات البحث، يقوده وزير التربية والتعليم يوآف كيش، الذي يعمل كذلك على فرض سيطرة على منظومة التعليم العالي.
إضافة إلى ذلك، تتعرض ميزانيات التعليم العالي في "إسرائيل" لتآكل مستمر. فقد جرى تقليص ميزانية التعليم العالي عدة مرات منذ تشكيل الحكومة، في وقت تُوزَّع فيه أموال ائتلافية. ونتيجة لذلك، تتراجع الموارد المخصصة للبحث العلمي وبناء البنى التحتية البحثية المتقدمة، ما يدفع الباحثين إلى الانتقال أو البقاء في الخارج، حيث تُعرض عليهم رواتب أعلى وميزانيات بحث وبنى تحتية أفضل.
بلغت ميزانية التعليم العالي لعام 2025 نحو 14 مليار شيكل، ومن المتوقع أن تبقى عند مستوى مشابه في عام 2026، وذلك رغم تراجع الإيرادات من منح البحث الأجنبية بسبب المقاطعة الأكاديمية المتصاعدة ضد "إسرائيل". وخلال السنوات الخمس الأخيرة، جرى تقليص ميزانية التعليم العالي بنحو 700 مليون شيكل، معظمها نتيجة تقليصات أفقية.
ومؤخراً، ومع افتتاح السنة الدراسية الأكاديمية في تشرين الأول/أكتوبر، أقرت الحكومة تقليصاً بقيمة 40 مليون شيكل من ميزانية التعليم العالي لتمويل زيادة ميزانية وزارة الأمن القومي. وقبل ذلك بشهر، جرى تقليص آخر بنحو 150 مليون شيكل لتمويل نفقات الدبلوماسية العامة لوزارة الخارجية.
وفي موازاة ذلك، تُفيد الجامعات الإسرائيلية بتراجع حجم المنح المقدمة من صندوق الأبحاث الأوروبي، وهو المموّل الرئيسي للنشاط البحثي في "إسرائيل". ويُرجّح أن يكون السبب هو المقاطعة الأكاديمية المتفاقمة، التي تشكل عاملاً إضافياً لهجرة الباحثين الإسرائيليين، إذ تعرقل حصولهم على مصادر تمويل والعمل المشترك مع باحثين بارزين حول العالم. والنتيجة: انتقال الباحثين الإسرائيليين إلى الخارج وانفصالهم عن الأكاديمية الإسرائيلية.
منذ مطلع عام 2000، سُجّل استقرار بل وحتى تراجع في عدد الأكاديميين الإسرائيليين المقيمين في الخارج، بما في ذلك حاملو شهادتي البكالوريوس والماجستير، ويُعزى ذلك إلى إنشاء الكليات الأكاديمية في فترة حكومة رابين، ما ساعد الباحثين على البقاء في البلاد ووسّع نطاق التعليم العالي.
وخلال الخمسة عشر عاماً الماضية، قاد مجلس التعليم العالي عدة برامج لـ«إعادة العقول»، ولا سيما الباحثين البارزين العاملين في الخارج، إلا أن نتائج هذه الجهود تراجعت بفعل الاتجاهات الأخيرة. ووفق معطيات دائرة الإحصاء، يعيش اليوم نحو 55 ألف أكاديمي إسرائيلي (من حملة البكالوريوس حتى الدكتوراه) في الخارج.
مع ذلك، تُظهر البيانات تراجعاً معتدلاً في نسبة حاملي شهادتي البكالوريوس والماجستير المقيمين في الخارج. فعلى سبيل المثال، انخفضت نسبة حاملي الماجستير في الطب المقيمين في الخارج من 5.2% في عام 2020 إلى 3.8% في عام 2024. كما تراجعت نسبة حاملي الماجستير المقيمين في الخارج إلى 3.2% في 2024 مقارنة بـ3.9% في 2016، وتراجعت نسبة حاملي البكالوريوس إلى 3.5% مقارنة بـ5.1% في 2016.
في المقابل، يعيش في الخارج 21% من متخرجي الماجستير في الموسيقى من المؤسسات الإسرائيلية، و16.7% من متخرجي الماجستير في علوم الحاسوب، و13.6% في الرياضيات، ونحو 15% في العلاقات الدولية، و13.1% في الفيزياء، ونحو 12% في الكيمياء.
أما بين متخرجي البكالوريوس، فيعيش في الخارج 25.8% من متخرجي الموسيقى، ونحو 20% من متخرجي اللغة الإنجليزية وآدابها، ونحو 20% من متخرجي العلاقات الدولية.
تعليقك