وفقا لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء ــ ابنا ــ استغلت هذه الحسابات -بينها حسابات إسرائيلية رسمية وأخرى دعائية- صفحة "نبذة عن هذا الحساب" في المنصة لعرض بيانات غير دقيقة على أنها تمثل "موقع المستخدم الحقيقي"، مما أثار موجة من الجدل والتساؤلات.
وقدّمت الحملة تلك البيانات باعتبارها "أدلة قاطعة" تشكك في وجود صحفيين فلسطينيين داخل غزة، وفي مقدمتهم مؤثرون وناشطون يوثقون القصف والمعاناة اليومية، أو تزعم أنهم "أشخاص مزيفون" لا صلة لهم بالواقع الميداني.
حسابات رسمية تطلق الشرارة
وأطلقت وزارة الخارجية الإسرائيلية شرارة الحملة بنشر صورة على منصة "إكس" تزعم من خلالها أن الصحفي الفلسطيني معتصم دلول خدع ما يقارب 200 ألف من متابعيه وأنه "ليس موجودا في غزة".
وتظهر الصورة نبذة عن حساب الصحفي الغزي الذي زعمت ميزة "إكس" أنه مدرج في بولندا، غير أن مستخدمين أوضحوا أن ظهور هذا الموقع لا يعني وجود الصحفي هناك، بل يرجّح أن يكون مرتبطا باستخدام شريحة إلكترونية دولية (eSIM) توفرها شركات بولندية، مما يجعل بيانات الاتصال تمر عبر خوادم تلك الشركات.
وذكرت الخارجية الإسرائيلية، في تغريدة (مؤرشفة) حصدت نحو مليوني مشاهدة على "إكس"، أن الميزة الجديدة في المنصة كشفت أن دلول الذي يعمل مراسلا لموقع "ميدل إيست مونيتور" (MEMO) من غزة "موقعه الفعلي في بولندا"، مضيفة أن "التقارير التي يقدمها دلول من القطاع مزيفة وغير موثوقة".
كما نشرت حسابات إسرائيلية صورة أخرى استخدمتها دليلا على وجود الصحفي نفسه في بولندا، إذ ظهر بارزا في مقدمة اللقطة حاملا "كعكة"، بينما تقف خلفه سيدة مسنّة.
ما حقيقة الصورة؟
وتمكن فريق "الجزيرة تحقق" من الوصول إلى مصدر الصورة التي تبين لاحقا أنها "مفبركة"، إذ نشرت الصورة الأصلية -قبل التعديل- على حساب مؤثر فلبيني يدعى iamdocgelo في إنستغرام بتاريخ 26 مايو/أيار الماضي، مشيرا إلى أنها التقطت خلال رحلته في بولندا.
وخرج الصحفي الفلسطيني معتصم دلول عن صمته، ورد على هذه المزاعم بسلسلة صور ومقاطع فيديو مصورة حديثا، تظهر وجوده داخل قطاع غزة بين المنازل المدمّرة وخيام النزوح، ونشرها على حسابه في منصة "إكس"، لينسف بذلك ما وصفها "بالبروباغندا الإسرائيلية".
ويعمل الصحفي الفلسطيني معتصم دلول الذي يعيش في مدينة غزة بمهنة الصحافة منذ أكثر من 20 عاما، وفق ما ذكر عبر حسابه في منصة "إكس" في وقت سابق.
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أدان "منتدى الإعلاميين الفلسطينيين" تحريض الناطق باسم جيش الاحتلال باللغة الإنجليزية على دلول، من خلال اتهامه بأنه "إرهابي وجهادي وليس صحافيا"، معتبرا أن هذه محاولة تهدف إلى "تشويه سمعته، وتهديد أمنه وسلامته".
سردية موحدة للتشكيك
وفي مثال آخر، زعمت حسابات إسرائيلية أن الصحفي الفلسطيني الشاب "أبو بكر عابد" ينشر أخبارا ومقاطع فيديو مزيفة على أنها من القطاع، رغم أنه موجود خارج غزة، استنادا إلى بيانات منصة "إكس" أيضا.
لكن هذه الادعاءات مضللة، إذ غادر الصحفي القطاع في 17 أبريل/نيسان الماضي، إثر تدهور حالته الصحية، بعد 560 يوما قضاها في تغطية المجازر المستمرة في القطاع، ونقل ما يحدث في غزة إلى العالم باللغة الإنجليزية، كما ظهر في منشورات على حساباته بمواقع التواصل في أيرلندا مؤخرا.
وتبين لفريق "الجزيرة تحقق" أن هذه الحملة لم تستهدف الصحفيين الفلسطينيين فحسب، بل امتدت لتشمل صفحات مؤثرة تعمل على نقل معاناة الغزيين إلى العالم عبر منصات التواصل الاجتماعي.
غزيون يفضحون التضليل
اللافت أن هذه الحملة شملت الأطفال أيضا، إذ اضطرت الطفلة الغزية مها ياسر إلى نشر صور ومقاطع فيديو حديثة لها بتاريخ 24 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري وسط الأنقاض في القطاع، ورفعت لافتة ورقية كتبت عليها: "صورتي اليوم من قلب غزة".
وكانت حسابات إسرائيلية قد اتهمتها بأنها تغرد على حسابها في "إكس" بينما هي في بولندا، على غير الحقيقة، رغم ظهورها سابقا في مقاطع فيديو وهي تقوم بأنشطة مختلفة مثل الطبخ وتوثيق الدمار في غزة.
كما تكرر الأمر مع الشاب الغزي محمد حسين الذي دفعته بيانات "إكس" المزعومة إلى نشر مقاطع فيديو حديثة تؤكد وجوده وعائلته داخل غزة، بعد نشره تغريدة تظهر موقعه في "إسرائيل" وحصدت أكثر من مليوني مشاهدة.
سجال عالمي
ولم يكن هذا الجدل مقتصرا على الحسابات الفلسطينية فقط، بل أثارت الميزة الجديدة على "إكس" جدلا عالميا، إذ أظهرت بيانات جغرافية غير دقيقة لحسابات معتبرة ورسمية يتابعها الملايين في دول مختلفة.
ففي الولايات المتحدة، انتشر ادعاء بأن وزارة الأمن الداخلي (DHS) تدير حسابها الرسمي من تل أبيب، اعتمادا على لقطة شاشة حصدت أكثر من 40 مليون مشاهدة.
وقد نفى رئيس قسم المنتجات في "إكس"، نيكيتا بير، صحة الرواية واصفا إياها بأنها "أخبار زائفة"، رغم تأكيد حسابات عدة أن المنصة اضطرت إلى تعديل معلومات الحساب الذي يتابعه 3 ملايين شخص، بعد دقائق من تداول التغريدات.
أخطاء تقنية
وبحسب مواقع تقنية متخصصة مثل "تيك كرانش" و"ذا فيرج"، فإن الميزة الجديدة "لا تعتمد على موقع المستخدم الفعلي فقط"، بل على مؤشرات شبكية متعددة تشمل عناوين (IP) السابقة، وطبيعة الاتصال، ووجود خوادم وسيطة أو استخدام تطبيقات الشبكات الخاصة الافتراضية (VPN).
وأقرت إدارة "إكس" في تصريحات بوجود أخطاء في بيانات الميزة، فضلا عن خلل في آلية عملها خلال الأيام الأولى من إطلاقها، إذ تعهدت الشركة بإضافة إيضاحات وتحذيرات تبين للمستخدمين أن المعلومات المعروضة "قد لا تعكس الموقع الحقيقي وأنها عرضة للتغير"، وفقا لهذه المواقع.
يذكر أن "إكس" ليست أول منصة تعتمد ميزات لتعزيز شفافية الحسابات، إذ يوفر إنستغرام منذ سنوات خاصية "حول هذا الحساب" التي تمكن المستخدمين من الاطلاع على معلومات موثوقة تساعدهم على التحقق من هوية الحسابات المؤثرة.
تعليقك