وفقا لما أفادته وكالة أنباء أهل البيت (ع) الدولية ــ أبنا ــ لقد ظلّ الصراع السياسي بين الولايات المتحدة وإيران يتموضع بين مستويين أساسيين: الخطاب والحراب. فمنذ عقود، لم ينقطع هذا التوتر الذي يراوح بين التصعيد اللفظي، والحروب غير المباشرة، التي تتخذ أشكالًا متعددة ضمن مفهوم ... الحرب الناعمة ... وغالبًا ما يشكّل تصعيد الخطاب مؤشّرًا على اقتراب مرحلة أكثر توترًا، لكنه لا يصل عادة إلى مستوى المواجهة المباشرة بالسلاح، إذ يُدرك الطرفان أن ثمن الحرب الشاملة سيكون باهظًا.
في الحالة الإيرانية-الأمريكية، فإن المواجهة الساخنة ستظل قائمة على مستوى الخطاب والمناورة الإعلامية والسياسية، بينما تسعى كل من واشنطن وطهران لتفادي الانزلاق إلى صراع عسكري مباشر. ومع ذلك، تبقى إمكانية التفاهم قائمة، شرط أن يتحرر الأمريكيون من الرؤية المنقوصة التي تُصاغ غالبًا من خلال أطراف ثالثة، لا تنقل الواقع الإيراني كما هو، بل كما ترغب في تسويقه ضمن سياقات إقليمية تسعى إلى تحجيم الدور الإيراني أو القضاء عليه بالوكالة.
إن إدراك الولايات المتحدة لحقيقة ومضمون الخطاب الإيراني، لا سيما ما يرتبط بملف السلاح النووي، يمكن أن يفتح الباب أمام تفاهمات حقيقية. واحدة من أهم الدلالات على مصداقية هذا الخطاب هي فتوى السيد علي الخامنئي بتحريم استخدام السلاح النووي. هذه الفتوى لا تمثل فقط موقفًا دينيًا أو أخلاقيًا، بل تحمل في طيّاتها رسالة سياسية واضحة بأن إيران لا تسعى لامتلاك هذا السلاح لأغراض هجومية، وإنما تعتبره سلاحًا ظالمًا، لا يميز بين بريء ومذنب.
مع ذلك، لا تنفي إيران الطابع الرادع لهذا السلاح، لكنها في الوقت ذاته تحافظ على الطابع المدني لبرنامجها النووي، وهو ما يمكن أن يشكل نقطة ارتكاز لأي تفاهم إذا ما أُخذ بجدية. ومن هنا، تصبح الفتوى بمثابة ضمانة أخلاقية وعقائدية، إذا أحسنت واشنطن قراءتها واستثمارها سياسيًا، بعيدًا عن الضغط الذي قد يدفع إيران إلى تغيير موقفها.
الفكر الشيعي الذي يتبناه النظام الإيراني، ينبني على رفض الذل ورفض الابتزاز السياسي. ولذلك فإن محاولة فرض شروط تفاوضية تُشعر الطرف الإيراني بأنه في موقع الاختيار بين .. السلّة أو الذلّة ... ستكون بمثابة استفزاز خطير قد يدفع إلى تغيّر قواعد الاشتباك الإقليمي والدولي، بل ويُحدث تحولات عميقة في توازنات القوى التاريخية.
السبيل لتجنب ذلك يبدأ من فهم الخطاب الإيراني كما هو، وليس كما يُراد له أن يُفهم. الابتعاد عن أدوات الحرب بالوكالة، وفتح قنوات تواصل مباشر دون وسطاء يسعون لتصفية حساباتهم، هو ما يمكن أن يخلق أرضية لحوار عقلاني يُنتج تفاهمات تترجم إلى استقرار إقليمي.
إن مصداقية الخطاب الإيراني لا تُقاس بالشعارات، بل بسلوك متماسك يمتد عبر سنوات من المواقف المعلنة والمتسقة. وفي لحظة يتشابك فيها الإقليمي مع الدولي، تصبح القراءة الموضوعية لهذا الخطاب ضرورة استراتيجية لا خيارًا تكتيكيًا، خاصة لمن يراهن على استقرار المنطقة أو يحاول أن يصوغ ملامح نظام عالمي جديد.
جليل هاشم البكاء
تعليقك