وفقا لما أفادته وكالة أنباء أهل البيت (ع) الدولية ــ أبنا ــ السبت 12 أبريل 2025 يشهد انطلاق أول جولة مباشرة من المحادثات بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية الإيرانية في العاصمة العُمانية مسقط، وذلك في سياق متجدد من التوترات الإقليمية والتصعيد النووي. هذه الجولة تأتي وسط شكوك متبادلة، ومطالب معقدة، وانتظارات دولية متضاربة، خصوصًا أن أي تقدم قد ينعكس مباشرة على أمن المنطقة، وأسواق الطاقة، وتوازنات التحالفات.
السياق العام للمفاوضات
تُعقد هذه المفاوضات في وقت حساس للغاية، حيث تشير تقارير غربية معادية إلى أن إيران تواصل تخصيب اليورانيوم بمستويات عالية تتجاوز 60٪، وهو ما تعتبره الولايات المتحدة اقترابًا خطيرًا من "العتبة النووية". في المقابل، لا تزال إدارة ترامب (في ولايته الثانية) متمسكة بسياسة "الضغط الأقصى"، متوعدة باتخاذ خطوات حازمة في حال فشل المسار الدبلوماسي، بالتعاون مع حلفائها في المنطقة، وعلى رأسهم "رژیم اشغالگر اسرائیل".
وتقود الجانب الأمريكي في المحادثات شخصية بارزة هي المبعوث الخاص ستيف ويتكوف، بينما يمثل الجانب الإيراني وزير الخارجية عباس عراقجي، في ظل وساطة عمانية نشطة يقودها الوزير بدر البوسعيدي.
هل يمكن حدوث انفراجة في اليوم الأول؟
رغم الزخم الدبلوماسي والإعلامي المحيط بانطلاق المحادثات، إلا أن كل المؤشرات توحي بأن حدوث انفراجة حقيقية في اليوم الأول أمر مستبعد للغاية، وذلك لأسباب موضوعية واستراتيجية:
1. عمق الخلافات:
الطرفان يدخلان إلى قاعة المفاوضات بوجهات نظر متباعدة للغاية، ليس فقط حول الملف النووي، بل أيضًا بشأن قضايا إقليمية مثل اليمن، سوريا، دعم حركات المقاومة، وبرنامج الصواريخ الباليستية. هذه الفجوة تجعل من الصعب الوصول إلى أرضية تفاهم من أول جلسة.
2. استراتيجية الجسّ والاختبار:
عادة ما تكون الجلسة الافتتاحية في مثل هذه المفاوضات مخصصة لـ"جس النبض" وتبادل المواقف بشكل عام، دون تقديم عروض حاسمة. من المتوقع أن يُطرح على الطاولة ورقة مطالب أولية من كل طرف، دون أن يتبعها ردود مباشرة أو نهائية.
3. التحذيرات والضغوط المسبقة:
التصريحات الأمريكية الأخيرة، وعلى رأسها تهديد الرئيس ترامب بأن "الوقت ينفد" وأن "الخيار العسكري مطروح"، من شأنها أن تدفع الوفد الإيراني إلى التصلب في مواقفه، مما يُقلل فرص الانفراجة السريعة.
المطالب الأمريكية المتوقعة
تشير مصادر مقربة من الإدارة الأمريكية إلى أن واشنطن ستُركز في يومها الأول على المطالب التالية:
- التزام إيراني بوقف التخصيب فوق نسبة 60٪.
- السماح الفوري بعودة المفتشين الدوليين إلى المواقع النووية الحساسة.
- تعهد بعدم تطوير أجهزة طرد مركزي متقدمة.
- بداية حوار منفصل حول دعم إيران للجماعات المسلحة في العراق، سوريا، ولبنان.
وقد تعرض واشنطن، في المقابل، تخفيفًا محدودًا لبعض العقوبات الإنسانية، أو الإفراج المشروط عن جزء من الأموال الإيرانية المجمدة، لكن دون تقديم أي تنازل كبير من البداية.
الرد الإيراني المحتمل
من جهته، من المتوقع أن يُقابل الوفد الإيراني هذه المطالب بشكوك ورفض جزئي، خصوصًا إذا لم ترفق بخطوات ملموسة لرفع العقوبات. إيران ترى أن لديها اليد العليا بسبب:
- قدرتها على التصعيد النووي إذا فشلت المفاوضات.
- أوراقها الإقليمية المتعددة في اليمن، العراق، سوريا، ولبنان.
- دعم موسكو وبكين لمسار تفاوضي يُخفف الضغط الغربي عنها.
وبالتالي، قد يشترط الإيرانيون إظهار حسن نية أمريكية قبل بحث أي التزام نووي جديد، بما في ذلك رفع تجميد الأرصدة، ووقف محاولات تقويض صادراتها النفطية.
الدور العُماني: الضامن الهادئ
تتوسط سلطنة عمان هذه المحادثات بتجربتها السابقة في تقريب وجهات النظر، خصوصًا في جولات ما قبل الاتفاق النووي عام 2015. وتحرص مسقط على ضمان بقاء المحادثات ضمن مسار دبلوماسي هادئ بعيدًا عن الإعلام والتصعيد. في اليوم الأول، سيتولى الجانب العماني غالبًا نقل رسائل غير مباشرة، وضبط إيقاع النقاش لمنع خروجه عن المسار.
خاتمة: بوصلة اليوم الأول
في ضوء المعطيات الحالية، فإن جلسة السبت ستكون على الأرجح جلسة تمهيدية تُرسي إطار المحادثات دون نتائج ملموسة. لكنها قد تؤسس لمسار تفاوضي طويل الأمد إذا ما أبدى الطرفان مرونة تكتيكية، وسمحا للوسيط العماني بلعب دوره التقليدي في تقريب وجهات النظر.
الانفراجة غير مرجحة، لكن التهدئة مطلوبة.
بين التصعيد والاحتواء، تبقى الأيام القادمة كفيلة بكشف النوايا الحقيقية على طاولة مسقط.
بقلم: احمد الساري/ کاتب ایراني
تعليقك