وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : خاص ابنا
الجمعة

١٤ مارس ٢٠١٤

٨:٣٠:٠٠ م
514050

حقيقة مصحف الإمام علي (ع) عند الفریقین(11)

موقف الخلافة من المصحف العلوي ومصيره بعد ذلك

من مؤلفات الشیخ عبدالله علي أحمد الدقاق ، باحث اسلامي وعضو الجمعیة العامة للمجمع العالمي لأهل البیت(ع).

موقف الخلافة من مصحف الإمام علي(ع)

اختلفت مصادر الشيعة وأهل السنة في بيان موقف الخلافة من مصحف الإمام علي(ع)، فروايات الشيعة تشير إلى أن الخلافة قد رفضت المصحف العلوي، بل حاولت أن توجد البديل عن طريق جمع القرآن مرة أخرى لكي تستغني عن مصحف الإمام علي(ع)، بينما روايات أهل السنة تشير إلى إمضاء الخلافة للمصحف العلوي وتحاول أن تثبت أن الإمام علياً(ع) قد بايع أبا بكر عن اختيار خلافاً لروايات الشيعة التي تنفي مبايعته له، وإذا تمت فعن إكراه، ولا بأس بالتطرق إلى روايات الفريقين التي تثبت الموقفين، وهما:

1- رفض المصحف العلوي:

تؤكد الروايات الواردة في مصادر الشيعة الإمامية أن الخلافة قد رفضت مصحف الإمام علي(ع)، وإليكم بعض الروايات الدالة على ذلك، وهي:

1- ما جاء في رواية سليم بن قيس الهلالي: (فجمعه في ثوب واحد وختمه، ثم خرج إلى الناس وهم مجتمعون مع أبي بكر في مسجد رسول الله. فنادى علي(ع) بأعلى صوته: (يا أيها الناس، إني لم أزل منذ قبض رسول الله(ص) مشغولا بغسله ثم بالقرآن حتى جمعته كله في هذا الثوب الواحد. فلم ينزل الله تعالى على رسول الله(ص) آية إلا وقد جمعتها، وليست منه آية إلا وقد جمعتها وليست منه آية إلا وقد أقرأنيها رسول الله(ص) وعلمني تأويلها). ثم قال لهم علي(ع): لئلا تقولوا غدا: (إنا كنا عن هذا غافلين). ثم قال لهم علي(ع): لئلا تقولوا يوم القيامة إني لم أدعكم إلى نصرتي ولم أذكركم حقي، ولم أدعكم إلى كتاب الله من فاتحته إلى خاتمته. فقال عمر: ما أغنانا ما معنا من القرآن عمّا تدعونا إليه)(1).

2- ما جاء في رواية الصفار: (أخرجه علي(ع) إلى الناس حيث فرغ منه وكتبه فقال لهم هذا كتاب الله كما أنزل الله على محمد وقد جمعته بين اللوحين قالوا هو ذا عندنا مصحف جامع فيه القرآن لا حاجة لنا فيه قال أما والله لا ترونه بعد يومكم هذا أبداً إنما كان عليّ أن أخبركم به حين جمعته لتقرؤوه)(2).

3- ما جاء في رواية المسعودي: (ثم ألّف(ع) القرآن، وخرج إلى الناس وقد حمله في إزار معه، وهو ينط من تحته، فقال لهم: هذا كتاب الله قد ألفته كما أمرني وأوصاني رسول الله(ص) كما أنزل، فقال له بعضهم: اتركه وامضِ، فقال لهم: إن رسول الله(ص) قال لكم: إني مخلف فيكم الثقلين، كتاب الله، وعترتي، لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فإن قبلتموه فاقبلوني معه، أحكم بينكم بما فيه من أحكام الله. فقالوا: لا حاجة لنا فيه ولا فيك، فانصرف به معك لا تفارقه ولا يفارقك. فانصرف عنهم)(3).

4- ما جاء في رواية أبي ذر الغفاري: (لما توفي رسول الله(ص) جمع علي(ع) القرآن وجاء به إلى المهاجرين والأنصار وعرضه عليهم لما قد أوصاه بذلك رسول الله(ص)، فلما فتحه أبو بكر خرج في أول صفحة فتحها فضائح القوم، فوثب عمر وقال: يا علي اردده فلا حاجة لنا فيه، فأخذه(ع) وانصرف ثم أحضروا زيد بن ثابت - وكان قاريا للقرآن - فقال له عمر: إن عليا جاء بالقرآن وفيه فضائح المهاجرين والأنصار، وقد رأينا أن نؤلف القرآن ونسقط منه ما كان فيه فضيحة وهتك للمهاجرين والأنصار، فأجابه زيد إلى ذلك، ثم قال: فإن أنا فرغت من القرآن على ما سألتم وأظهر علي القرآن الذي ألفه أليس قد بطل كل ما عملتم؟)(4).

5- ما جاء في رواية الطبرسي: (ولقد أحضروا الكتاب كملاً مشتملا على التأويل، والتنزيل. والمحكم، والمتشابه، والناسخ، والمنسوخ، لم يسقط منه: حرف ألف ولا لام، فلما وقفوا على ما بيّنه الله من أسماء أهل الحق والباطل، وأن ذلك إن أظهر نقض ما عهدوه قالوا: لا حاجة لنا فيه، نحن مستغنون عنه بما عندنا)(5).

6- ما جاء في رواية ابن شهرآشوب: (يؤلف القرآن ويجمعه فانقطع عنهم مدة إلى أن جمعه ثم خرج إليهم به في ازار يحمله وهم مجتمعون في المسجد فأنكروا مصيره بعد انقطاع مع اُلبَتِهِ، فقالوا: الأمر ما جاء به أبو الحسن، فلما توسطهم وضع الكتاب بينهم ثم قال: ان رسول الله قال: انى مخلف فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي وهذا الكتاب وانا العترة، فقام إليه الثاني فقال له: ان يكن عندك قرآن فعندنا مثله فلا حاجة لنا فيكما، فحمل(ع) الكتاب وعاد بعد ان ألزمهم الحجة. وفي خبر طويل عن الصادق (ع) انه حمله وولى راجعاً نحو حجرته وهو يقول: {فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ}(6))(7).

فنلاحظ أن جميع هذه الروايات تؤكد إعراض الخلافة عن المصحف العلوي، ورفضها له، بل إن بعض روايات الوصية، يؤكد هذه الحقيقة قبل أن تقع، فقد ورد فيها أن النبي(ص) قد أعلم علياً(ع) بعدم استجابتهم، وأوصاه بالصبر على ذلك، كما جاء في رواية الشريف الرضي حيث يقول النبي(ص) لعلي(ع): (والذي بعثني بالحق لقد قدمت إليهم بالوعيد بعد أن أخبرتهم رجلا رجلا ما افترض الله عليهم من حقك، وألزمهم من طاعتك، وكل أجاب وسلم إليك الامر، وإني لأعلم خلاف قولهم، فإذا قبضت وفرغت من جميع ما أوصيك به وغيبتني في قبري فالزم بيتك، واجمع القرآن على تأليفه، والفرائض والاحكام على تنزيله ثم امض على غير لائمة على ما أمرتك به، وعليك بالصبر على ما ينزل بك وبها حتى تقدموا علي)(8).

إذن إعراض الخلافة عن المصحف العلوي من مسلمات مداليل روايات الإمامية، لكن يا ترى هل السبب الحقيقي لإعراضهم هو وجود قرآن عندهم؟؟؟

الحق والإنصاف إننا لو تأملنا في الروايات السابقة لوجدنا عكس ذلك من خلال قرينتين:

القرينة الأولى: ما ذكر من أن الخلافة قد أعرضت عن المصحف حينما رأت الفضائح فخشيت من ذلك، كما في الرواية: (فلما فتحه أبو بكر خرج في أول صفحة فتحها فضائح القوم، فوثب عمر وقال: يا علي اردده فلا حاجة لنا فيه)(9)، فنلاحظ أن الإعراض جاء كردة فعل على ما جاء في المصحف من فضائح، فكان الإعراض عنه لإخفائها.

القرينة الثانية: ما ورد من أنهم حاولوا جمع القرآن بعد إعراضهم عن مصحف علي(ع)، مما يعني أن القرآن لم يكن مجموعاً عندهم عندما اعترضوا على المصحف العلوي، حتى أن أسامة ابن زيد قال لهم ماذا ستفعلون لو جمعتم القرآن ثم أخرج لكم الإمام علي(ع) مصحفه مرة أخرى، بل أن بعض الروايات أشار فيها الإمام(ع) إلى أنهم بادروا إلى جمع القرآن فراراً عمّا جمعه(ع) من القرآن كما في رواية رواية الطبرسي: (فلما وقفوا على ما بيّنه الله من أسماء أهل الحق والباطل، وأن ذلك إن أظهر نقض ما عهدوه قالوا: لا حاجة لنا فيه، نحن مستغنون عنه بما عندنا، وكذلك قال:{فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ}(10). دفعهم الاضطرار بورود المسائل عليهم عمّا لا يعلمون تأويله، إلى جمعه، وتأليفه، وتضمينه من تلقائهم ما يقيمون به دعائم كفرهم، فصرخ مناديهم: من كان عنده شيء من القرآن فليأتنا به، ووكلوا تأليفه ونظمه إلى بعض من وافقهم على معاداة أولياء الله، فألفه على اختيارهم)(11).

بما أن روايات الإمامية الدالة على إعراض الخلافة عن مصحف الإمام علي(ع) كثيرة، يحصل لدينا اطمئنان بأن اعراض الخلافة عنه كان قد وقع وتحقق، بخلاف روايات السنة الدالة على الإمضاء، فإنها قليلة، لاتصمد أمام روايات الشيعة كما سيأتي.

إذن الموقف الذي نرى صحته ووقوعه من قبل الخلافة هو الإعراض عن مصحف الإمام علي(ع) ورفضه، بل ومحاولة ايجاد البديل. وليس الإمضاء الذي لم نلمس له أثراً في حياتهم.

2- إمضاء المصحف العلوي:

تشير الروايات الواردة في مصادر أهل السنة إلى أن الخلافة قد أمضت مصحف الإمام علي(ع)، وقد وردت في سياق نفي إعتراضه على بيعة أبي بكر، وإثبات أنه(ع) قد بايع إختياراً، وإليكم الروايات الدالة على ذلك، وهي:

1- ما ورد في رواية ابن أبي شيبة: (لما استخلف أبو بكر قعد علي في بيته فقيل لأبي بكر، فأرسل إليه: أكرهت خلافتي؟، قال: لا، لم أكره خلافتك، ولكن كان القرآن يزاد فيه، فلما قبض رسول الله (ص) جعلت عليّ أن لا أرتدي إلا إلى الصلاة حتى أجمعه للناس، فقال أبو بكر: نعم ما رأيت)(12).

2- ما ورد في رواية ابن الضريس: (لما كان بعد بيعة أبي بكر، قعد علي بن أبي طالب في بيته، فقيل لأبي بكر: قد كره بيعتك. فأرسل إليه، فقال: أكرهت بيعتي؟ فقال: لا والله، قال: ما أقعدك عني؟ قال: رأيت كتاب الله يُزاد فيه، فحدّثت نفسي أن لا ألبس ردائي إلا لصلاة جمعة حتى أجمعه، فقال له أبو بكر: فإنك نعم ما رأيت)(13).

3- ما ورد في رواية ابن ابي الحديد المعتزلي: (فقال أبو بكر: لقد أحسنت، قال: فكتبه عليه الصلاة والسلام كما أنزل، بناسخه ومنسوخه) (14).

4- ما ورد في رواية المستغفري: (فلما قبض رسول الله(ص) لزم علي بن أبي طالب بيته، فقيل لأبي بكر، إن علياً كره إمارتك، فأرسل إليه أبوبكر فقال له: تكره إمارتي؟ فقال: لا، ولكن كان النبي(ص) حياً والوحي ينزل، والقرآن ُيزاد فيه، فلما قبض النبي(ص)، جعلت على نفسي أن لا أتردى بردائي حتى أجمعه للناس، فقال أبوبكر: أحسنت)(15).

إذا تأملنا في هذه الروايات نلاحظ أنها تحاول بشكل واضح أن تبرر تأخر بيعة الإمام علي(ع) لأبي بكر، وتحاول أن تبرر ذلك التأخير بالتشاغل لجمع القرآن، مع أن امتناع الإمام(ع) عن بيعة أبي بكر من مسلمات مذهب الإمامية، كما أنها تنص على أن أبا بكر قد أثنى على جمع علي(ع) للقرآن بقوله: أحسنت أو نعم ما صنعت، والحال أننا لم نجد أثراً لهذا الإقرار والثناء في حياتهم العملية، فأين هو مصحف علي(ع) في حياة الخلافة؟؟ ولماذا لم تحمل الناس عليه، ولجأت إلى تكليف زيد بن ثابت بجمع وكتابة القرآن؟؟ إن دعوى إقرار الخلافة لمصحف علي(ع) يتنافى مع مضامين روايات جمع القرآن عند أهل السنة، فقد ذكروا أن السبب في إقدام أبي بكر على جمع القرآن هو خشيته على زوال القرآن بزوال حافظيه، بعد أن استشهد في واقعة اليمامة عدد كبير من حفاظ القرآن، فأشار عمر على أبي بكر بجمع القرآن، فأجاب أبوبكر: كيف أفعل مالم يفعله رسول الله(ص)(16)، مما يكشف عن أن هذه الروايات لا تعترف بجمع للقرآن قبلهم، لأن الرسول(ص) لم يفعل ذلك، على أن أكثر روايات العامة التي تطرقت للجمع العلوي لم تذكر موقف الخلافة منه، فهي ساكتة بالنسبة إلى هذه الحيثية، ولم يرد الإمضاء إلا في الروايات المعدودة التي ذكرناها، لكن مضمونها يتنافى مع رواية البلاذري وابن ابي الحديد اللتين تنصان على الإقدام على إحراق دار علي(ع) إن لم يخرج لمبايعة أبي بكر، وبالتالي نلحظ أثر الوضع في الروايات الدالة على إمضاء الخلافة للمصحف العلوي، على أنها قليلة عدداً لا تصمد أمام تيار روايات الإمامية الدالة على إعراض الخلافة عن المصحف، كما أننا لم نلمس أثراً عملياً لهذا الإمضاء، بل إننا نجد بعض علماء أهل السنة، يسلم بإعراضهم، ويستنكر ذلك عليهم، فهذا هو الشهرستاني يقول:

(كيف لم يطلبوا جمع علي بن أبي طالب؟! أوَ ما كان أكتب من زيد بن ثابت؟! أوَ ما كان أَعرب من سعيد بن العاص؟! أوَ ما كان أقرب إلى رسول الله(ص) من الجماعة؟! بل تركوا بأجمعهم جمعه واتخذوه مهجوراً، ونبذوه ظهرياً، وجعلوه نسياً منسياً، وهو(ع) لما فرغ من تجهيز رسول الله(ص) وغسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه، آلى أن لا يرتدي بُرداً إلا لجمعة حتى يجمع القرآن، إذ كان مأموراً بذلك أمراً جزماً، فجمعه كما أنزل من غير تحريف وتبديل، وزي