وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : خاص ابنا
الأربعاء

١٨ ديسمبر ٢٠١٣

٨:٣٠:٠٠ م
489890

الغيبة وآثارها في الحياة الإنسانية(6)

آثار الغيبة على الفرد والمجتمع وإفرازاتها

من مؤلفات الشیخ عبدالله علي أحمد الدقاق ، باحث اسلامي وعضو الجمعیة العامة للمجمع العالمي لأهل البیت(ع).

من الواضح لكل ذي عقل راجح أنّ لهذه الآفة المهلكة (الغيبة) مساوئ وأضرار لو قدّر لها أن تستمر لجثت على جسد المجتمع الإسلامي لقطع عنقه وفصل عروقه وتمزيق أحشائه، ومن هنا نحاول في هذا الفصل إحصاء بعض مساوئ هذا الداء العضال مع دراسة بعض المفاهيم التي قد يكون لها مدخليّة في هذا المفهوم أو قد تكون قريبة منه مع الإختصار قدر الإمكان، ومن هنا يوجد لدينا مبحثان:

المبحث الأول: آثار الغيبة على الفرد والمجتمع وافرازاتها:

أولاً: آثار الغيبة على الصعيد الفردي وإفرازاتها:

1- تساهم هذه الرذيلة بشكل فعّال في اسقاط شخصيّة فاعلها وتحطيمها، بل إنّ هذه الشخصية تصبح ممقوتةً في المجتمع ومكروهة، حيث ان الناس يكرهون مثل هذه الشخصيات؟ لأن من يتكلم أمامهم بعيوب الناس ومساوئهم بلا حدود ولا حواجز سوف لن يوقفه أيُ حاجز عن ذكر معايبهم في ظهر غيبهم.

2- إن الشخص المبتلى بهذا الداء الخطير سوف تنعكس آثار هذا المرض على واقعه النفسي بشكل كبير، وبالتالي سوف تتولد لديه رذائل أخرى ليست أقل خطورة من هذه الرذيلة، ومن هذه الرذائل (الحسد) و (البغضاء) وغيرهما من الأمور التي تقضي على صاحبها قبل أن ينال من الآخرين شيئاً، وذلك لأن من يرتكب هذه المعصية يستشعر في نفسه النقص خصوصاً إذا لم يجد تجاوباً من السامع، فيحقد عليه ويُضمر هذه الواقعة في نفسه، ويتنامى هذا الحقد ليولد حسداً تجاه ذلك الشخص الذي حاول أن ينزه نفسه عن الوقوع في المعصية، وبذلك تشتعل النيران في أعماق وجود المغتاب قبل أن تقذف بلهبها على الآخرين.

3- إنّ آثار الغيبة على المستوى الشخصي لا تقتصر على اسقاط الشخصية أو توليد الرذائل الأخرى بل تتعدى كل ذلك لتؤثر على علاقة الإنسان بربه، فتساهم بشكل فعّال في إبعاد هذا الشخص روحيّاً عن الله تبارك وتعالى، وما ذلك إلا لسيطرة المعاصي والآثام على قلب المغتاب واستحكامها وبذلك تتولد لديه الجرأة على إرتكاب المعاصي والإنغماس فيها فتجره إلى الهلاك الأبدي والبعد عن ساحة القدس الإلهي.

4- "ينبغي أن يعلم المغتاب أن الغيبة تحبط حسناته وتزيد في سيئاته، لما ثبت من الأخبار الكثيرة: أن الغيبة تنقل حسناته يوم القيامة إلى من اغتابه، وإن لم تكن لـه حسنة نقل إليه من سيئاته، قال رسول الله(ص) : " يؤتى بأحدكم يوم القيامة، فيوقف بين يدي الله تعالى، ويدفع إليه كتابه، فلا يرى حسناته، فيقول: الهي ليس هذا كتابي، فإني لا أرى فيه طاعتي، فيقول لـه: إنّ ربك لا يضل ولا ينسى، ذهب عملك باغتياب الناس. ثم يؤتى بآخر ويدفع إليه كتابه، فيرى فيه طاعات كثيرة، فيقول: إلهي ما هذا كتابي، فإني ما عملت هذه الطاعات، فيقول لـه: إنّ فلاناً اغتابك فدفعت حسناته إليك< وفي معناه أخبار أخر"(1).

ثانياً: آثار الغيبة على الصعيد الإجتماعي وافرازاتها:

1- "ترسيخ جذور الفساد في المجتمع، وغرس النفاق فيه"(2)، "فمن مساوئها: أنها تبذر سموم البغضة والفرقة في صفوف المسلمين فتعكر صفو المحبة، وتفصم عرى الصداقة، وتقطع وشائج القرابة"(3)، فالغيبة تساهم بشكل أساسي في إشاعة الأجواء المشحونة بالتباغض بين أفراد المجتمع.

2- "ضعضعة وحدة المجتمع وتضامنه، ووهن أساس الديانة، وفي النهاية تزداد في المجتمع القبائح والفساد"(4)، فإنتشار الغيبة لـه أثر كبير في تفكيك المجتمعات حيث أنه تنعدم الثقة بين أفراد المجتمع وخصوصاً إذا طالت القيادات الفاعلة في المجتمع، حيث أنهم يمثلون اللبنة الأساسية للحركة الاجتماعية، فإذا ما تم تشويه صورتهم أمام الناس قُضي على روح الثقة الكبيرة التي تعطى إليهم وبالتالي تهتز اللبنات الأساسية للحركة الاجتماعية مما يؤذن بإنهيار المجتمع والعمل الإجتماعي.

3- إن انتشار الغيبة في مجتمع ما، وما يستتبعه من وهن وضعف لذلك المجتمع يجعل المجتمع فريسةً سهلة للإشاعات المغرضة التي تبثها مراكز الإرهاب الحكوميّة والعالمية لإلهاء المجتمع عن قضاياه الأساسية والمصيرية.

        

4- إن شيوع هذه الظاهرة الخطيرة وتفشيها في المجتمع يعمل على هتك قدسية ذلك المجتمع نفسه، حيث أن تداول المعاصي والتحدث بها وتردد ذكرها في مختلف المحافل على ألسن مختلفةٍ يجعل المجتمع يتهاون بالمعاصي، وبالتالي تغيب الغيرة الإسلامية التي تدفع بالمؤمن إلى إنكار المنكر وإحقاق الحق، حيث أن المجتمع قد تعوّد على ذلك، أي أنّه قد تخدر بالواقع السيء، فلم يعد أفراد المجتمع يبصرون المعنى الحقيقي للعاصي، ولذلك لن يتهيبوا منها.

5- إن ظاهرة الغيبة قد تتعدى بآثارها السلبية إلى حدودٍ اكبر من تفكيك المجتمع وأعمق، حيث أنها قد تساهم في تحويل أجهزة المخابرات الحكومية والعالمية بوجبات دسمة من الأسرار والمعلومات مجاناً، حيث أن تناقل العيوب والمساوئ وشياعها في الوسط الإجتماعي يوصل الكثير من المعلومات إلى أسماع المخابرات العالميّة بكل سهولة من دون بذل أدنى جهد.

 المبحث الثاني: المفاهيم المرتبطة بمفهوم الغيبة:

في هذا المبحث نتناول بعض المفاهيم التي قد يكون لها ارتباط وثيق بالغيبة مما يؤدي إلى الخلط بين تلك المفاهيم والغيبة أو عدم التمييز بين المفاهيم تمييزاً دقيقاً، وفي الحقيقة عندما نمعن النظر في جميع تلك المفاهيم نلاحظ أنّ حرمة أغلبها إن لم نقل جميعها نابعة من مفهوم واحد، ألا وهو مفهوم هتك حرمة المؤمن ، فقد أولى الإسلام أهمية بالغة للمؤمن فهو اللبنة الأساسية في بناء المجتمع الإسلامي، ومن هنا سعت الشريعة المقدسة للحفاظ على دمه ومالـه وعرضه، والذي يهمنا في المقام هو الأمر الأخير وهو عرض المؤمن، ومن هنا لابد أن يتضح مفهوم هتك عرض المؤمن قبل الشروع في بيان بقية المفاهيم التي قد تكون نابعة من مفهوم هتك عرض المؤمن.

 مفهوم هتك عرض المؤمن:

"الهتك: خرق الستر عمّا وراءه، والإسم الهُتكة، بالضم، والهتيكة: الفضيحة ...والهتك: أن تجذب ستراً فتقطعه من موضعه أو تشق من طائفة يرى ما وراءه، ولذلك يقال: هتك الله ستر الفاجر"(5).

"وعِرضُ الرجل حسبه، وقيل نفسه، وقيل خليقته المحمودة، وقيل ما يمدح به ويذم. وفي الحديث: إن أعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا"(6).

ومما تقدم يمكن أن يقال ما يلي:

1- إن العرض هو كل ما يمدح ويذم من الإنسان فيشمل عمله ووصفه وأخلاقه ونفسه وكل من يلزمه أمره من إخوة وأقارب وما شاكل ذلك.