ثورة الإمام الحسین ثورة ضد الظلم والطغیان
إن الذي صان الإسلام وأبقاه حیاً حتی وصل إلینا... هو الإمام الحسین (ع) الذي ضحّی بکل ما یملک وقدم الغالي والنفیس، وضحّی بالشباب والأصحاب من أهله وأنصاره في سبیل الله عزّوجل، ونهض من أجل رفعة الإسلام ومعارضة الظلم.
لقد ثار الحسین (ع) بوجه تلک الإمبراطوریة التي کانت أقوی الإمبراطوریات القائمة آنذاک في هذه المنطقة، بعدد قلیل من الأنصار.
فانتصر وکان الغالب رغم استشهاده هو وجمیع من معه.
ونحن السائرون علی نهجه والمقتفون لآثاره، والمقیمون لمجالس العزاء التي أمرنا بها الإمام جعفر الصادق (ع) وأئمة الهدی (ع) إنما نکرر عین ما کان، ونقول ما کان یقوله الإمام ویروم تحقیقه، ألا وهو مکافحة الظلم والظالمین.
ونحن وخطباؤنا إنما سعینا لإبقاء قضیة کربلاء حیة ـ قضیة مواجهة الثلة المؤمنة القلیلة لنظام طاغوتي متجبر، ونهوضها بوجهه ـ مستمرة متواصلة.
إن البکاء علی الشهید یعدّ إبقاء علی اتقاد حذوة الثورة وتأججها، وما ورد في الروایات من أن من بکی أو تباکی أو تظاهر بالحزن فإنّ أجره الجنة، إنما یفسر بکون هذا الشخص یساهم في صیانة نهضة الإمام الحسین (ع).
لقد حفظت هذه المآتم شعبنا وصانته... فأعداؤنا کانوا قد درسوا أوضاع الشعب، وأمعنوا النظر في أحوال الشیعة فتواصلوا إلی حقیقة عدم تمکنهم من بلوغ غایاتهم وتحقیق مقاصدهم الخبیثة ما دامت هذه المجالس موجودة، وما دامت هذه المراثي تقرأ بحق المظلوم، وما دام یجري من خلالها فضح الظالم وممارساته...، ولذلک فقد ضیقوا الخناق... علی إقامة المواکب والمجالس الحسینیة ...، وصدّوا من حریة الخطباء والعلماء في ارتقاء المنبر وممارسة الخطابة والتبلیغ، شنوا حملة شعواء، فأعادونا القهقری ونهبوا کل ثرواتنا.
ظهرت الآن فئة تقول: لنترک المجالس وقراءة المراثي، إنهم یجهلون أبعاد ومرامي المجالس الحسینیة...، إنهم لا یعون أنّ البکاء علی الحسین یعني أحیاء لنهضته وإحیاء لقضیة إمکانیة نهوض ثلة قلیلة بوجه امبراطوریة کبری، إن هذه القضیة منهج حي لکل زمان ومکان، ف"کلّ یوم عاشوراء وکلّ أرض کربلاء" منهج یعني أن علینا أن نستمر في الثورة والقیام والنهوض امتداداً لتلک النهضة في کل مکان وفي کل یوم وطبقاً لهذا المنهج فالإمام الحسین (ع) ثار بعدد قلیل وضحی في سبیل الإسلام بکلّ شيء واقفاً بوجه امبراطوریة کبری لیقول "لا".
فلا یتصور أبناؤنا وشبّاننا أن القضیة بکاء شعب لا غیر! وأننا (شعب بکّاء)! علی ما یرید الآخرون أن یوحوا لکم به، إنهم یخافون من هذا البکاء بالذات. لأنّه بکاء علی المظلوم، وصرخة بوجه الظالم، وهذه المواکب التي تجوب الشوارع للعزاء إنما تواجه الظلم وتتحدی الظالمین، وهو ما ینغي المحافظة علیه، إنها شعائرنا الدینیة التي ینبغي أن تصان وهي شعائر سیاسیة یلزم التمسک بها. حذار من أن یخدعنکم هؤلاء الکتّاب الذین یهدفون إلی تجریدکم من کلّ شيء وذلک تحت أسماء ومرامي منحرفة مختلفة. فهم یرون أن مجالس العزاء هذه وذکر مصائب المظلوم وجرائم الظالم في کل عصر إنما تدفع إلی الوقوف بوجه الظالم.
إن هؤلاء الذین یطالبوننا بالکف عن المآتم والمجالس الحسینیة لا یعلمون أن هؤلاء المقیمین لهذه الشعائر إنّما یقدّمون لهذا البلد والإسلام أسمی الخدمات، وعلی شباننا أن لا ینخدعوا بتخرصات هؤلاء وادعاءاتهم، إنهم ـ أیها الشبّان ـ أناس خونة، هؤلاء الذین یوحون إلیکم بأنکم "شعبٌ بکّاء" فأسیادهم وکبراؤهم یخشون هذا البکاء ...، فینبغي أن لا یتصوّر شبابنا بأنهم یقدّمون خدمة عندما یغادرون المجلس حینما یتعرض الخطیب لذکر المصیبة، هذا تصرف خاطئ جداً، ینبغي أن تستمر المجالس بإقامة العزاء، ینبغي أن تذکر المظالم کي یفهم الناس ماذا جری، بل أن هذا یجب أن یقام کل یوم، فأن لذلک أبعاداً سیاسیة واجتماعیة غایة في الأهمیة.
علل وأسباب نهضة عاشوراء
في صدر الإسلام وبعد رحلة النبي الخاتم (ص) ـ مرسي أسس العدالة والحرية ـ أوشك الإسلام أن ينمحي ويتلاشى بسبب انحرافات بني أمية وكاد يسحق تحت أقدام الظالمين ويبتلع من قبل الجبابرة...
أوشكت حكومة يزيد وجلاوزته الجائرة أن تمحو الإسلام وتضيع جهود النبي (ص) المضنية وجهود مسلمي صدر الإسلام ودماء الشهداء، وتلقى بها في زاوية النسيان، وتعمل ما من شأنه أن يضيع كل ذلك سدى.
لقد كاد الدين الإسلامي يندثر ويتلاشى نتيجة انحرافات حثالات الجاهلية وخططهم الهادفة لإحياء الشعور الوطني والقومي برفعهم شعار "لا خبر جاء ولا وحي نزل" (1)، فقد عملوا على تحويل حكومة العدل الإسلامي إلى حكم ملكي امبراطوري وعزل الإسلام والوحي وإزوائهما...
لقد هدف بنو أمية للقضاء على الإسلام.
أوشك حكم بني أمية المنحط أن يظهر الإٍسلام بمظهر الحكم الطاغوتي ويشوه سمعة النبي الأكرم (ص)، وقد بدلا أساس عقيدة الوحي ومعالمها إلى نظام شيطاني.
ورأى سيد الشهداء (ع) أن معاوية وابنه ـ لعنة الله عليهماـ يعملان على هدم الدين وتقويض أركانه، وتشوية الإسلام وطمس معالمه، لقد جاء الإٍسلام ليقوم سلوك الإنسان، ولم يأت لكي يسخوذ على السلطة، بل ليعد الإنسان ويبنيه.
حاول ذلك الأب والابن (1) طمس معالم الدين وتشوية صورته الناصعة..، فمعاوية وابنه كانا يشربان الخمر، ويؤمان المصلين أيضاً، وكان مجلساهما من مجالس اللهو واللعب والطرب تمارس فيهما كل الانحرافات، ثم تقام بعد صلاة الجماعة، فيتقدمان هما لإمامة تلك الجماعة، تصوروا لاعب ميسر يصبح إمام جماعة، كانا يتوليان إمامة الجماعة، وكانا يؤمان الجمعة ويرتقيان منبر الخطابة فقد كانا خطيبين يتحر كان ضد رسول الله (ص) باسم خلافة رسول الله (ص).
يرفعان عقيرتهما بنداء (لا إله إلّا الله) يقفان بوجه الألوهية، لقد كانت ممارستهما وأعمالهما شيطانية في حين أنهما كانا يدعيان أنهما خلفاء رسول الله (ص).
..فبأي حجة قام سيد الشهداء (ع) ضد سلطان عصره؟ وبأي دليل ثار على من كان يعد نفسه (ظل الله).
ولما كان من غير المناسب مس السلطان، فلماذا ثار ضد سلطان عصره؟ ألم يكن سلطان عصره ينطق بالشهادتين ويقول إني خليفة رسول الله (ص)، لقد ثار الحسين (ع) بجهه لأنه كان شخصاً سيئاً، يريد أن يستغل الشعب ويأتي على ثرواته وينهب خيراته، ويستولي عليها هو وجلازوته.
إن نظام السلطنة وولاية العهد هو نفس ذلك المنط المشئوم من المحكومة التي ضحى سيد الشهداء (ع) واستشهد من أجل الحيلولة دون استمرار بقائه، ولما لم يكن يرغب في الخضوع لولاية العهد التي أسندت ليزيد ولم يرغب الاعتراف رسمياً بسلطنته، فقد قام وثار ودعاء المسلمين إلى القيام والثورة، فهذه الأمور (السلطنة وولاية العهد) ليست من الإسلام، ليس في الإسلام سلطنة وولاية عهد.
إن الخطر الذي كان يمثله معاوية ويزيد ضد الإسلام لم ينحصر في كونهما غاصبين للخلافة، فهو أهون من الخطر الأكبر الآخر وهو أنهما حاولا جعل الإسلام عبارة عن سلطنة وملكية وأرادا أن يحولا الأمور المعنوية إلى طاغوت، ومحاولتهما ـ وبذريعة أنهما خلفاء رسول الله (ص) ـ قلب حقيقة الإسلام إلى نظام طاغوتي. لقد كان هذا الأمر مهماً لدرجة أن من سيقوهم لم يضاهوهم في إلحاق الضرر بالإسلام ولم يبلغوا ما بلغاه. فقد حاولا قلب حقيقة الإسلام. لقد امتلأت مجالسهم بشرب الخمر ولعب القمار.
كان الواحد منهم يزعم أنه خليفة رسول الله (ص)، ويشرب الخمر في مجلسه ويلعب القمار! ثم يبقى خليفةً لرسول الله (ص) ويتوجه إلى الصلاة ويؤم صلاة الجماعة. إن هذا خطر كبير واجه الإسلام مما دفع سيد الشهداء (ع) للقيام لرفضه.
لم تكن القضية قضية غصب الخلافة فحسب، لقد كان قيام سيد الشهداء (ع) وثورته قياماً ضد السلطة الطاغوتية...تلك السلطنة التي كحانت تريد أن تصبغ الإسلام بصبغة أخرى ولو أنها نجحت في ذلك لأصبح الإسلام شيئاً آخر تماماً، ولصار مثل النظام الامبراطوري الذي كان قاظما لألفين وخمسمائة عام (في ايران).
إنهم أرادوا مواجهة الإسلام الذي جاء للقضاء على النظام الملكي وإزالة حكم السلاطين وإمامة الحكم الإلهي في العالم، وتحطيم الطاغوت. أرادوا أن يعيدوا عبادة الطاغوت ونفس الأوضاع التي كانت سائدة في الجاهلية.
كان بنو أمية يريدون القضاء على الإسلام من الأساس وقلع جذوره وإقامة حكم عربي سلطوي. غير أن ثورة سيد الشهداء (ع) أفهمت العرب العجم جميعاً ونبهت المسلمين كلهم إلى القضية ليست قضية عرب وعجم إنما هي: الله والإسلام.
عندما رأى يسد الشهداء إن هؤلاء يلوثون بأعمالهم سمعة الإسلام ويشوهون صورته باسم خلافة الرسول ويرتكبون المعاصي ويحكمون بالظلم والجور، وأن انعكاس ذلك على الصعيد العالمي هو أن خليفة رسول الله (ص) يمارس هذه الأعمال، رأى من واجبه أن ينهض ويثور حتى لو أدى الأمر إلى مقتله، المهم هو إزالة ما تركه معاوية وابنه من آثار على الإسلام.
لقد تحرك سيد الشهداء (ع) مع عدد قليل من الأنصار وثار بوجه يزيد الذي كان حاكماً متجبراً يرأس حكومةً غاشمة جائرة، ويتظاهر بالإٍسلام ويستغل قرابته وصلته العائلية بالإمام (ع). قد كان رغم تظاهرة بالإسلام وزعمه أن حكومته حكومة إسلامية وأنه خليفة رسول الله (ص) كان امراءاً ظالماً على مقدرات بلدٍ دون حق. لذا فإن الإمام أبا عبد الله الحسين (ع) ثار بوجه مع قله الأنصار لأنه رأى أن واجبه وتكليفه يقتضي ذلك، وأن عليه أن يستنكر ما يحدث وأن ينهي عن المنكر.
عندما يرى سيد الشهداء سلام الله عليه أن حاكماً ظالماً يحكم في الناس بالجور والعدوان فإنه يقول: من رأى حاكماً جائراً يحكم في الناس بالظلم والجور فعليه أن يقوم بوجهه ويمنعه من الظلم بمقدار ما يستطيع ولو كان معه بضة أنصار فقط يقفون معه بوجه ذلك الحاكم ذي الجيش العظيم الجرار.
لما أراد الحسين (ع) أن يثور خطب في الناس خطبة أوضح فيها أسباب الثورة وأسقط عذر من يتذرع.
قال أبو مخنف عن عقبة بن أبي العيزار: إن الحسين خطب أصحابه وأصحاب الحر بالبيضة فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "أيها الناس إن رسول الله (ص) قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنة رسول الله (ص) يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغير عليه بفعل ولا قول