وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : خاص ابنا
الأحد

١٣ أكتوبر ٢٠١٣

٨:٣٠:٠٠ م
472202

الغيبة وآثارها في الحياة الإنسانية(5)

علاج الغيبة وكفاراتها وأحكامها

من مؤلفات الشیخ عبدالله علي أحمد الدقاق ، باحث اسلامي وعضو الجمعیة العامة للمجمع العالمي لأهل البیت(ع).

وفي هذا الفصل نتطرق إلى ثلاثة مباحث على النحو التالي:

المبحث الأول: علاج الغيبة

ذكر العلماء والباحثون عدّة أمور منها ما هو علاجي، أي، يحاول إزالة هذا الورم الخبيث من غور أعماق وجدان الإنسان المسلم، ومنها ما هو وقائي يعمل على تقويم حصن منيع للإنسان يمنع الغيبة من إقتحامه، ونحن هنا نذكر أهمها مع تقديم الوصفات الوقائية على الوصفات العلاجية في الترتيب قدر الإمكان كما يلي:

            الغيبة

1- علاج الغيبة بقطع أسبابها: فلابد من معرفة الأسباب التي أودت بالإنسان إلى وادي الغيبة وما يعتريه من مخاطر، وذلك لكي يأمن من الوقوع في المقدمات الموجبة لتحقق الغيبة، وقد تقدم في الفصل الثاني ذكر الأسباب التي تؤدي إلى الغيبة، ولنعم ما قيل (معرفة الداء نصف الدواء).

وفي الحقيقة ... كفى بالإنسان واعظاً ليتجنب الغيبة أن يعرف بأنّ منشأها الشعور بالنقص أمام الآخرين والحسد والحقد وغيرها من الرذائل الأخلاقية، فكم يشعر حينها بالحقارة والدناءة وهو يغتاب الآخرين لتلك الأسباب الخبيثة، فيكتشف حينها بأنه إنما يحطم نفسه بالتمادي في المعصية والإثم.

2- وزن الكلام قبل التفوه به: فعلى المسلم التروي في كل كلام يريد أن يتكلم به، فإن تضمن غيبة سكت، وإن تضمن فائدة لا يشوبها أيّ محذور شرعي أفاد بها وبهذا يحصل ترويض النفس على صون اللسان، ومع الاستمرار في هذه الطريقة يرتفع عن النفس الميل الجلي والخفي نحو الغيبة، وبعبارة أخرى إن الإهتمام بتزكية النفس وترويضها وتنويرها بالخلق السامي يجعل الإنسان مترفعاً عن هذا الداء الخطير.

3- تحري الدقة في الموارد الجائزة من الغيبة: حتى يأمن من الإنزلاق في الوادي الخطير، وقد تقدمت الموعظة البليغة للإمام الخميني العظيم في شأن ذلك في الفصل السابق.

4- مجانبة مجالس الغيبة: حيث أنّ مجالس السوء تعمل على تخريج الأشقياء.

5- تجنب صداقة المغتاب ومصاحبته: فالصديق مرآة لصديقه تنعكس عليها خصاله سواء كانت حميدة أم ذميمة، ولنعم ما قالـه بعض الحكماء: "إذا رأيت من يغتاب الناس فاجهد جهدك أن لا يعرفك، فإنّ أشقى الناس به معارفه"(1).

6- مجالسة أهل الطاعة واتخاذ العلماء الورعين قدوة: فحري بالمؤمن أن يتخذ لـه من العلماء المتقين وعباد الله الصالحين قدوةً يرجع إليهم في تشخيص مصاديق الغيبة حذراً من التيار العام أو الإقتداء الأعمى، فكثيراً ما نجد شخصاً يبرر اغتيابه لفلان بأن كل الناس يتكلمون عليه بذلك أو أنّ فلانَ الملتزم قد ذكره بذلك وما شابه ذلك.

جاء في الرواية الشريفة عن الإمام الصادق(ع) أنه قال: {سألوا عيسى بن مريم(ع) : يا روح الله من نجالس؟ قال(ع) : من يذكركم الله رؤيته ويزيد في علمكم منطقه، ويرغبكم في الآخرة عمله}(2).

7- الإشتغال بعيوبه ومساوئه عن عيوب الآخرين: حيث أنّ استحضار العيوب يمنع من تتبع عورات الآخرين وعيوبهم ومحاولة كشفها، قال الإمام الخميني العظيم (ره) : "من الجدير بالإنسان أن يبحث عن عيوبه قليلاً بمثل ما يتحرى عن عيوب الناس، وكم هو قبيح على الإنسان الذي فيه آلاف العيوب، أن يغفل عن عيوبه، ويتنبه لعيوب الآخرين وبذلك يضيف عيباً آخر على عيوبه. إذا تأمل الإنسان قليلاً في أحوالـه وأخلاقه وأعمالـه وانصرف إلى إصلاحها، لصلحت أعمالـه، وإذا اعتقد بأنه خالٍ من العيوب، كانت عقيدته هذه نتيجة غاية الجهل. ولا يوجد عيب أعظم من العيب الذي لا يلتفت الإنسان إلى عيبه، ويكون غافلاً عنه ومن أن الإنسان مجموعة عيوب ونقائص، فيترك عيوبه وينعطف على عيوب الآخرين"(3).

8- جعل النفس ميزاناً: روي عن الإمام الصادق(ع) وهو يروي عن رسول الله(ص) أنه قال: [اذكر أخاك إذا توارى عنك بما تحب أن يذكرك به إذا تواريت عنه، ودعه من كل ما تحب أن يدعك منه](4).

9- التفكر في أثر الأعمال: وهو أن يفكر الإنسان في الآثار الخيرة التي تترتب على كفه عن الغيبة، ويقارنها بالمضاعفات السيئة والآثار الشنيعة التي تترتب على الغيبة، ثم يعرض كلا الأمرين على العقل ويستهديه لما فيه الخير والصلاح، وهذا ما أسماه الإمام الخميني (ره) بالعلم النافع(5).

10- ذكر الله واستشعار مراقبته: وبذلك يكون الإنسان دائماً في محضر الله عزّ وجل قال الإمام الصادق (ع) : [فاذكر الخالق لا المخلوق، فيصير لك مكان الغيبة عبرة، ومكان الإثم ثواباً](6).

11- التمعن في الآيات والروايات التي تذم الغيبة: فالإكثار من قراءة الروايات والآيات بتأمل وتمعن يهزُّ الأعماق؛ فإنّ فيها ما تقشعر لـه القلوب، وسيأتي فصل خاص لذكر هذه الروايات ولكن هنا نذكر رواية واحدة، قال رسول الله(ص) : [لا تطلبوا عثرات المؤمنين، فإن من تتبع عثرات أخيه تتبع الله عثرته، ومن تتبع الله عثرته فضحه ولو في جوف بيته](7).

12- ردع المغتاب يساعد كثيراً في القضاء على الغيبة: بل يظهر من الروايات لزوم ووجوب رد الغيبة، وسنتطرق إلى ذلك في المبحث الثالث إن شاء الله تعالى.

روي عن الرسول الأعظم(ص) أنه قال: <ما من رجل ذكر عنده أخوه المسلم وهو يستطيع نصره ولو بكلمة ولم ينصره إلا أذلّه الله عزّ وجلّ في الدنيا والآخرة، ومن ذكر عنده أخوه المسلم فنصره، نصره الله في الدنيا والآخرة>(8).

 

خاتمة:

ونختم المبحث الأول بموعظةٍ بليغة للمربي الكبير الإمام الخميني العظيم (ره) حيث يقول: "وأما من الناحية العملية فلابد من كف النفس عن هذه المعصية لبعض الوقت مهما كان صعباً، ولجم اللسان، والمراقبة الكاملة للنفس، ومعاهدة النفس بعدم اقتراف هذه الخطيئة، ومراقبتها والحفاظ عليها ومحاسبتها. حيث يمكن أن يتم إصلاح النفس بعد مضي فترة قصيرة بمشيئة تعالى، وتستأصل مادة هذا الفساد، ويسهل عليك الأمر قليلاً قليلاً، وبعد فترة تحس بأنك تتنفر منها بحسب طبيعتك وتنزجر عنها. ثم تكون راحة النفس ومتعتها في ترك هذه المعصية"(9).

المبحث الثاني: كفارات الغيبة: