وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : مؤسسة السبطين العالمية
الجمعة

١٢ أبريل ٢٠١٣

٧:٣٠:٠٠ م
408691

ذكر بعض رؤياها (عليها السلام) ووصاياها قُبيل وفاتها.

تعتبر الرؤيا واحدةً من قنوات الغيب التي خصّ بها الله تعالى أهل البيت(عليهم السلام)، ومنهم: فاطمة الزهراء(عليها السلام)، وإليك جملةً من ذلك، خاصّةً فيما يتّصل بما بعد وفاة أبيها، فضلاً عنها، وإليك هذه البرهة الزمنية من أحداث ومواقف لها(عليها السلام).

روى ابن جرير الطبري بإسناده، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله(عليه السلام)، قال: «لمّا قُبض رسول الله(صلى الله عليه وآله)ما ترك إلاّ الثقلين: كتاب الله، وعترته أهل بيته، وكان قد أسرّ إلى فاطمة أنّها لاحقة به، وأنّها أول أهل بيته لحوقاً. فقالت(عليها السلام): بينا أنا بين النائمة واليقظانة بعد وفاة أبي بأيام، إذ رأيت كأنّ أبي قد أشرف عليّ، فلمّا رأيته لم أملك نفسي أن ناديت: يا أبتاه، انقطع عنّا خبر السماء. فبينا أنا كذلك إذ أتتني الملائكة صفوفاً، يقدمها ملكان، حتى أخذاني فصعدا بي إلى السماء، فرفعت رأسي فإذا أنا بقصور مشيّدة وبساتين وأنهار تطّرد([1])، وقصر بعد قصر، وبستان بعد بستان، وإذا قد اطّلع عليّ من تلك القصور جوار كأنّهن اللُّعب، وهنّ مستبشرات يضحكن إليّ، ويقلن: مرحباً بمن خُلقت الجنّة وخُلقنا من أجل أبيها، ولم تزل الملائكة تصعد بي حتّى أدخلوني إلى دار فيها قصور، في كلّ قصر بيوت فيها ما لا عين رأت ولا اُذن سمعت، وفيها من السندس والإستبرق على الأسرّة الكثير، وعليها اللحاف من الحرير والديباج بألوان، ومن أواني الذهب والفضّة، وفيها الموائد وعليها ألوان من الطعام، وفي تلك الجنان نهر مطّرد أشدّ بياضاً من اللبن، وأطيب رائحةً من المسك الأذفر، فقلت: لمن هذه الدار؟ وما هذه الأنهار؟ فقالوا: هذه الدار هي الفردوس الأعلى الّذي ليس بعده جنّة، وهي دار أبيك ومن معه من النبيّين ومن أحبّ الله، وهذا هو نهر الكوثر الّذي وعده الله أن يعطيه إياه. فقلت: فأين أبي؟ فقالوا: الساعة يدخل عليك. فبينا أنا كذلك إذ برزت لي قصور هي أشدّ بياضاً من تلك القصور، وفرش هي أحسن من تلك الفرش، وإذا أنا بفرش مرتفعة على أسرّة، وإذا أبي(صلى الله عليه وآله)جالس على تلك الفرش، ومعه جماعة، فأخذني وضمّني وقبّل ما بين عينيّ، وقال: مرحباً بابنتي، وأقعدني في حجره، ثمّ قال: يا حبيبتي، أما ترين ما أعدّ الله لك وما تقدمين عليه! وأراني قصوراً مشرفات، فيها ألوان الطرايف والحلي والحلل، وقال: هذا مسكنك، ومسكن زوجك، وولديك، ومن أحبّك، وأحبّهما، فطيبي نفساً، فإنّك قادمة عليّ إلى أيام. قالت: فطار قلبي، واشتدّ شوقي، فانتبهت مرعوبة.

قال أبو عبد الله(عليه السلام): قال أمير المؤمنين(عليه السلام): فلمّا انتبهت من رقدتها صاحت بي، فأتيتها وقلت لها: ما تشتكين؟ فأخبرتني بخبر الرؤيا...» الحديث([2]).

وروى العلاّمة النوري(قدس سره) عن كتاب وفاة الزهراء(عليها السلام) في حديث قال: «فلمّا كان في بعض الأيام دخل أمير المؤمنين(عليه السلام) على فاطمة وهي في الحجرة، فرآها قد عجنت عجيناً للخبز، ووضعت طيناً في الماء لتغسل رأس الحسن والحسين(عليهما السلام)، فتعجّب أمير المؤمنين(عليه السلام) من ذلك، وقال: يا بنت رسول الله، ما عهدتك تشتغلين بعملَين من أعمال الدنيا في يوم واحد، وما أظنّه إلاّ لسبب. فبكت فاطمة(عليها السلام)وتحدّرت عبرتها على وجناتها وقالت: يا أمير المؤمنين، هذا فراق بيني وبينك، اعلم أنّي رأيت البارحة في منامي أبي، وهو واقف في مكان مرتفع يلتفت يميناً وشمالاً كأنّه ينتظر أحداً، فقلت له: مضيت عنّي وتركتني فريدةً وحيدة، أبكي عليك نهاري وليلي، وعشيّتي وإبكاري، لا ألتذّ بطعام، ولا أتهنّأ بمنام، فقال لي: يا فاطمة، إنّي واقف هنا للانتظار، قلت: فلمن تنتظر يا أبتاه؟ قال: أنتظرك يا فاطمة، فإنّ مدّة الفراق قد تجاوزت، وليالي الهموم والأشواق قد تصرّمت([3])، وقَرب وقت الارتحال لتفوزي بالملاقاة والوصال، وتقلعي أطناب خيمة بدنك من المضائق السلفية، وتنصبيها في قضاء العلوم العلويّة، وتفرّي من مطمورة الدنيا، واسكني معمورة العقبى. يا فاطمة، عجّلي فإنّي في انتظارك، لا أبرح من مكاني حتى تأتي، فأسرعي وساُخبرك يا بنتي أنّ وقت وصلك إليّ في الليلة القابلة، فلمّا رأيت الرؤيا تيقّنت أنّي راحلة عنكَ في عشية هذه الليلة المستقبلة...» الخبر([4]).

العلاّمة النوري قال: وفي حديث وفاة فاطمة(عليها السلام)، فقال لها عليّ(عليه السلام): «من أين لك يا بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله)هذا الخبر، والوحي قد انقطع عنّا؟ فقالت: يا أبا الحسن، رقدت السّاعة فرأيت حبيبي رسول الله في قصر من الدرّ الأبيض، فلمّا رآني قال: هلمّي إليّ يا بنيّة، فإنّي إليكِ مشتاق، فقلت: واللهِ إنّي لأشدّ شوقاً منك إلى لقائك، فقال: أنت الليلة عندي، وهو الصادق لما وعد، والوفيّ لما عاهد...» الخبر([5]).

في ذكر وصاياها(عليها السلام) قبل وفاتها:

النصوص الشرعية طالما تؤكّد على الوصية وضرورة تهيئتها عند رأس الشخص، سواء أكانت بأُمور مادية أو معنوية، وإليك جملةً من وصايا الزهراء(عليها السلام):

ورد عن سليم بن قيس الهلالي في حديث قال: «فلمّا اشتدّ بفاطمة الأمر دعت عليّاً(عليه السلام)وقالت: يابن العمّ، ما أراني إلاّ لما بي، وأنا اُوصيك أن تتزوج بنت اُختي زينب تكون لوُلدي مثلي، واتخذ لي نعشاً فإنّي رأيت الملائكة يَصِفونه لي، وأن لا يشهد أحد من أعداء الله جنازتي، ولا الصلاة عليّ...» الحديث([6]).

وعن عليّ بن الحسين بن عليّ، عن أبيه الحسين(عليهم السلام) قال: «لمّا مرضت فاطمة بنت النبيّ(صلى الله عليه وآله)وصّت إلى عليٍّ ـ صلوات الله عليه ـ أن يكتم أمرها، ويخفي خبرها، ولا يؤذِن أحداً بمرضها، ففعل ذلك. وكان يُمرّضها بنفسه، وتُعينه على ذلك أسماء بنت عميس ـ رحمها الله ـ على استسرار بذلك كما وصّت به، فلمّا حضرتها الوفاة وصّت أمير المؤمنين(عليه السلام) أن يتولّى أمرها، ويدفنها ليلاً، ويُعفي قبرها، فتولّى ذلك أمير المؤمنين(عليه السلام)ودفنها، وعفّى موضع قبرها...» الحديث([7]).

وعن زرارة، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «أوصت فاطمة إلى عليٍّ(عليهما السلام) أن يتزوج ابنة اُختها من بعدها، ففعل»([8]).

الفتّال النيسابوري في روضته قال في حديث وفاتها(عليها السلام): «فلمّا نُعيَت إليها نفسها دعت اُمّ أيمن وأسماء بنت عميس، ووجّهت خلف عليٍّ وأحضرته، فقالت: يا بن عمّ، إنّه قد نُعيَت إليّ نفسي، وإنّني لأرى ما بي، لا أشك إلاّ أنّني لاحقة بأبي ساعةً بعد ساعة، وأنا اُوصيك بأشياء في قلبي.

قال لها عليّ(عليه السلام): أوصيني بما أحببتِ يا بنت رسول الله، فجلس عند رأسها وأخرج مَن كان في البيت.

ثمّ قالت: يا بن عمّ، ما عهدتني كاذبةً ولا خائنة، ولا خالفتك منذ عاشرتني.

فقال(عليه السلام): معاذ الله، أنت أعلم بالله، وأبرّ وأتقى وأكرم، وأشدّ خوفاً من الله أن اُوبّخك غداً بمخالفتي، فقد عزّ عليّ بمفارقتك وبفقدك إلاّ أنه أمر لابدّ منه، واللهِ جدّد عليّ مصيبة رسول الله(صلى الله عليه وآله)،وقد عظمت وفاتك وفقدك، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون من مصيبة، ما أفجعها وألمّها وأمضّها وأحزنها، هذه والله مصيبة لا عزاء عنها، ورزية لا خلف لها، ثمّ بكيا جميعاً ساعة، وأخذ عليّ رأسها وضمّه إلى صدره، ثمّ قال: أوصيني بما شئت، فإنّك تجديني وفيّاً أمضي كلّ ما أمرتني به، وأختار أمرك على أمري.

ثمّ قالت: جزاك الله عنّي خير الجزاء، يا بن عمّ، اُوصيك أوّلاً أن تتزوج بعدي بابنة اُختي اُمامة، فإنّها تكون لوُلدي مثلي، فإنّ الرجال لابدّ لهم من النساء.

قال: فمن أجل ذلك قال أمير المؤمنين(عليه السلام): أربعة ليس إلى فراقهنّ سبيل: بنت اُمامة أوصت بها فاطمة.

ثمّ قالت: اُوصيك يا بن عمّ، أن تتخذ لي نعشاً فقد رأيت الملائكة صوّروا صورته.

فقال لها: صِفِيه لي، فوصفته فاتخذه لها، فأول نعش عُمل في وجه الأرض ذلك، وما رأى أحد قبله ولا عمل أحد.

ثمّ قالت: اُوصيك أن لا يشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني وأخذوا حقّي، فإنّهم أعدائي وأعداء رسول الله(صلى الله عليه وآله)،ولا تترك أن يصلّي عليّ أحد منهم، ولا من أتباعهم، وادفُنّي في الليل إذا هدأت العيون ونامت الأبصار...» الحديث([9]).

قال ابن شهرآشوب في باب وفاتها(عليها السلام): إنّها دعت اُمّ أيمن وأسماء بنت عميس وعليّاً(عليه السلام)وأوصت إلى عليٍّ بثلاث:

أن يتزوج بابنة اُختها اُمامة لحبّها أولادها([10]).

وأن يتخذ نعشاً، كأنّها كانت رأت الملائكة تصوّروا صورته، ووصفته له.

وأن لا يشهد أحد جنازتها ممّن ظلمها.

وأن لا يترك أن يصلّي عليها أحد منهم([11]).

وروي: أنّ أبا جعفر(عليه السلام) أخرج سَفَطاً أو حُقّاً([12])، فأخرج منه كتاباً فقرأه وفيه وصية فاطمة(عليها السلام):

بسم الله الرحمن الرحيم

«هذا ما أوصت به فاطمة بنت محمد(صلى الله عليه وآله): أوصت بحوائطها السبعة إلى عليّ بن أبي طالب، فإن مضى فإلى الحسن، فإن مضى فإلى الحسين، فإن مضى فإلى الأكابر من وُلدي. شهد المقداد بن أسود والزبير بن العوام، وكتب عليّ بن أبي طالب»([13]).

وروى الطبري بإسناده، عن يحيى بن سليمان قال: قال لي محمد بن عليّ(عليهما السلام): ألا اُريك وصية فاطمة بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله)؟ فأخرج إليّ سفطاً في حُقٍّ، وأخرج منه كتاباً فيه:

«هذا ما أوصت فاطمة بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله)، بحوائطها السبعة: ذي الحسنى، والساقية، والدلال، والعراف، والبرقة، والهيثم، وما لاُمّ إبراهيم إلى عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، ومن بعد عليّ فإلى الحسن، ومن بعد الحسن فإلى الحسين، ومن بعد الحسين فإلى الأكبر فالأكبر من ولده، شهد الله على ذلك، وكفى به شهيداً، وشهد المقداد بن الأسود، والزبير بن العوام، وكتب عليّ بن أبي طالب»([14]).

وعن جعفر بن محمد، عن آبائه(عليهم السلام)«أنّ فاطمة(عليها السلام) أوصت لأزواج النبيّ(صلى الله عليه وآله)لكلّ واحدة منهنّ اثنتي عشرة اُوقيةً ولنساء بني هاشم مثل ذلك، وأوصت لاُمامة بنت أبي العاص بشيء»([15]).

وعن زيد بن عليّ: أنّ فاطمة بنت رسول الله تصدّقت بمالها على بني هاشم وبني عبدالمطّلب وأنّ عليّاً تصدّق عليهم وأدخل معهم غيرهم([16]).

وقبل وفاتها(عليها السلام) أوصت بعلها بهذه الأبيات، حيث قالت:

أبكِني إن بكيتَ يا خير هادي***واسبل الدمع فهو يوم الفرا