وكالة أهل البيت (ع) للأنباء _ ابنا _ كان مشروع التقريب بين المذاهب الاسلامية من بين المنطلقات الفكرية التي نهض بها شهيد المحراب «السيد محمد باقر الحكيم» خلال الفترة التي سبقت استشهاده (ره)، حيث اخذ هذا الجانب بعدا كبيرا من اهتمامه كقائد سياسي ومثل رسالة دينية وسياسية للامة الاسلامية لتنطلق عبر هذه الثوابت لتؤسس نهضة فكرية واسلامية كبيرة تحت مختلف العناوين والمسميات باعتبار ان الامة الاسلامية انما هي بمنزلة الجسد الواحد.
لقد كان مشروع التقارب الذي حمل لوائه شهيد المحراب وادار واحدة من اهم مؤسساته هي (مؤسسة التقريب بين المذاهب) ينطلق من ثلاثة مديات رئيسية وهي ضرورة انفتاح المسلمين احدهما على الاخر من دون عقد او اراء او افكار منحازة ومتعصبة بشكل مسبق، اذ انه ومن دون هذا الشعور والاستعداد النفسي فان مفهوم التقارب لن يتقدم خطوة واحدة وسيقع المسلمون لفكرة سلبية عمادها التعصب والتطرف.
اما المحور الثاني فقد اكد سماحته على استثمار القواسم المشتركة بين ابناء الامة الاسلامية الذين يملكون تراثا ضخما من التعايش السلمي ما بين المكونات المذهبية. صحيح ان بعض الحوادث التاريخية التي دلت على حدوث نزاعات وصراعات دموية مذهبية كالتي شهدتها بغداد في اواخر العصر العباسي والتي من بينها احراق مشهد الامام موسى الكاظم (ع) والتي يوضحها المؤرخون بانها من نتاج السلطات الحاكمة التي ارادت ان تبث روح الفرقة والاختلاف بين المكونات الاسلامية من اجل ان تواصل ظلمها واستبدادها وهيمنتها على الامة الاسلامية وهوما كان يشير اليه شهيد المحراب (ره) في كتاباته ومؤلفاته.
اما المحور الثالث فكان يقوم على استثمار الروح الاسلامية العامة والمذهبية المعتدلة غير المتطرفة والحس الوطني ففي هذا الشان يقول "يوحدنا الاسلام، يوحدنا رسول الله، يوحدنا القرآن، يوحدنا الثقل الثاني أهل البيت (ع)، يوحدنا المراجع، يوحدنا الحسين في شعائره، يوحدنا هذا المسير، ويوحدنا أعداؤنا" فمن خلال هذه الرموز العظيمة يرى شهيد المحراب بانها ستكون المسار والمنطلق لتاسيس منظومة وحدوية متكاملة.
لقد كان شهيد المحراب ومن خلال ترأسه لمنظمة التقريب ما بين المذاهب يحرص على تطبيق هذه الافكار والشعارات بشكل عملي يكون القدوة للاخرين فهو ذو علاقات واسعة مع علماء ومفكري العالم الاسلامي، وله معهم حوارات وزيارات، اضافة الى المشاركة الفاعلة في المؤتمرات الدولية الخاصة بقضايا التقريب ما بين المذاهب والتي القى فيها العديد من الخطب والكلمات والدعوات لتاسيس الجماعة الاسلامية الصالحة التي تتجاوز الاطر الفكرية والمذهبية الضيقة وتنتقل الى عالم الاسلام الحقيقي الذي يقوم على التعايش المشترك واحترام الاديان والمذاهب ونبذ التعصب والتطرف والعنف.
لقد كان مفهوم التقارب بين ابناء الامة الاسلامية الواحدة يمثل مشروعا نهضويا عظيما حمل لوائه شهيد المحراب طيلة سنوات والذي اعاد الى الاذهان مشروع النهوض الذي قام به العديد من العلماء والمفكرين كالسيد «جمال الدين أسد آبادي» الذي كان رجلا علويا في حقيقيته، لكنه لم يتوقف عند حدود الاتنتماء المذهبي والطائفي في التعامل مع مشروع الاصلاح والنهوض بالامة الاسلامية، بل بادر الى الانتقال الى باقي البلدان الاسلامية ناشرا فيها طروحاته وافكاره وتصوراته لنهوض حقيقي واصلاحي لجسد الامة الاسلامية، حيث قدمت تجربة أسد آبادي الاصلاحية الكثير من الدعاة من تلاميذه الذين واصلوا مسيرته في اصلاح الامة ونهضتها بعد وفاته بالسم من قبل السلطات العثمانية التي شعرت بالخطر امام توجهاته الاصلاحية ودعواته لاجراء تغييرات سياسية في البلدان الاسلامية تقوم على العدالة والحرية والاستقلال.
لقد كان شهيد المحراب ينظر الى المصلحة الاسلامية اولا عملا بالحديث المنقول عن الامام الصادق (ع) بأن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) خطب الناس في مسجد الخيف، فقال نظّر الله عبداً سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلّغها من لم يسمعها، فربّ حامل فقه غير فقيه، وربّ حامل فقه الى من هو أفقه منه، ثلاثة لا يغل عليها قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله، والنصيحة لأئمة المسلمين، واللزوم لجماعتهم..)) الى آخر الحديث.
إذن، كان (ره) يرى لزوم الوحدة بين المسلمين وبين أهل الحق وبين اتباع اهل البيت (عليهم السلام)، لأنها وحدة المسلمين الحقيقية، كما حددها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) حينما شّرع الالتزام بمحورية أهل البيت (عليهم السلام) بقوله: "أهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف" وهذا هو محور الوحدة الحقيقي. بالإضافة إلى كل ذلك كان الشهيد الحكيم يرى ضرورة مشاركة الجميع في بناء العراق، فالعراق لكل العراقيين، فكان يدافع عن الاكراد، وكان يدافع عن المظلومين من السنة العرب، وكان يقول: إن في الاسلام نصيب حتى لابناء الاديان الاخرى إذ إن في عدالة الاسلام سعة يمكن أن تستوعب حتى ابناء الاديان الاخرى، ويدافع عن الصابئة والمسيحيين، ويطالب بحقوقهم، فضلاً عن الطبقات المستهدفة المظلومة بشكل استثنائي من قبيل الكرد الفيليين والتركمان وأمثالهم.
فكان يرى ضرورة مشاركة الجميع في بناء العراق؛ لانها ليست معركة يفوز بها بعض العراقيين في مرحلة من المراحل فيأخذون الأمر بقبضة من حديد ويضربون على رؤوس الآخرين ويستتب لهم الأمر لبرهة ثم تتغير الأمور ليأتي آخرون، بل كان يرى أن استقرار العراق لايتم الا من خلال مشاركة الجميع، والرجوع إلى الأمة و تحكيم وحضور الناس في الساحة، ويدل على ذلك إصراره على حضور صلاة الجمعة رغم المعلومات الواردة له حول وجود مخطط لإغتياله، من اجل اعطاء الامة الاسلامية دفعة قوية للتمسك بالوحدة والعمل على تفعيل المشتركات ونبذ الفرقة والاختلاف وسد باب الفتن والخلاف، خصوصا وان العراق بعد التغيير كان مستهدفا من قبل العديد من الجهات المشبوهة التي ارادت ضرب النسيج والتلاحم الوطني والاسلامي بين مكونات الشعب العراقي عبر استهداف رمزه الشهيد محمد باقر الحكيم (ره).
...............
انتهی/212