وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : خاص ابنا
الأحد

١ أبريل ٢٠١٢

٧:٣٠:٠٠ م
305868

في ذكری استشهاد السيد محمدباقر الصدر ـ 1

آیة الله الشهید محمد باقر الصدر (ره) وفکره الفلسفي

يعتبر السيد الشهيد أحد مبدعي هذا القرن ، فقد امتاز رحمه‏الله عن غيره أنه ما كتب في مجال ما إلاّ وجاء بشيء جديد فيه ولعمري هذه هي العبقرية حقاً ، وسوف نتاول في مقالنا هذا أحد الجوانب التي أبدع فيها السيد الشهيد وهي الفلسفة.

ابنا: یمکن بحث آراء الشهید الصدر من خلال السفرين الجليلين اللذين خلفهما وهما « فلسفتنا » و « الاُسس المنطقية للاستقراء » ومن خلال ما نشره بعض تلامذته من آراء .

تناول السيد في كتابه الأول المدرسة الفلسفية الأكثر شيوعاً بين أوساط فلاسفة المسلمين وهي المدرسة الأرسطية ، وبني دفاعه عن الفكر الاسلامي علي أساسها ، كما تناول مختلف المدارس الاُخري ، ونظرياً فإن السيد لم يأت بجديد من الناحية الفلسفية ، إلاّ أنّ ذلك لا ينقص من قيمة الكتاب أبداً ، وذلك لعدة أسباب منها :

أولاً : تميز الكتاب بالاُسلوب العلمي الواضح فلم يقع السيد في مستنقع المصطلحات الفلسفية التي لايفهمها إلاّ من قضي شطراً من حياته في مثل هذه الدراسات بل طرحه السيد بشكل يناسب الشاب المسلم المثقف بثقافة عصره ، ولهذا فلقد نال الكتاب نصيباً وافراً من الشهرة ، و خاصة بين طلبة الجامعات .

ثانياً : بث السيد الروح في الفلسفة من خلال هذا الكتاب ، إذ إنّه عندما قام بطرح البحوث الفلسفية لم يطرحها كبحوث مجردة لا صلة لها إلاّ بمناقشات سادت في عصور سالفة ، بل طرحها كبحوث علمية صالحة لمناقشة مواضيع تمس الواقع الحالي ، فعندما تناول قانون العلّية لم يتناول اُسسه الفلسفية وحسب بل ربطه وبشكل وثيق مع ما طرح في شتي الميادين العلمية كعلم الميكانيكا والميكروفيزياء ، وهكذا الحال حينما تناول مسألة الادراك فقد أشبعها بحثاً في مختلف جوانبها العلمية سواء من الناحية البيولوجية أو الفيزيائية أو الكيميائية وهذا ليس بالأمر السهل لأن ذلك يتطلب إلماماً بمختلف الميادين العلمية وهذا ما ميز السيد عليه الرحمة والرضوان .

ثالثاً : عكس هذا الكتاب الفهم العميق للسيد الصدر لهذه المدارس الفلسفية المختلفة وخاصة المدرسة الأرسطية ، فتبسيط وتحديث هذه المادة الفلسفية ليس بالأمر الهين ما لم يكن المرء علي إلمام ودراية كاملة بذلك .

إلّا أنّ كتاب « الاُسس المنطقية للاستقراء » يعد الكتاب الأهم من بين الكتابين والسبب في ذلك أن السيد ضمن في هذا الكتاب خلاصة فكره الفلسفي وأخرج للعالم مدرسة فلسفية اسلامية جديدة ، إلاّ أ نّه ولشديد الأسف لم يقابل هذا الكتاب وخاصة في أوساط الفلاسفة المسلمين بما يستحقه ، بل أهمل الكتاب و بشكل ملحوظ ، أما السبب في ذلك فقد يكون لأمرين ، الأول : أن السيد وإن تناول موضوعاً فلسفياً بحتاً فقد ضمنه ببحث متكامل عن الاحتمالات والتي تناول فيها نظريات الاحتمالات بشكل عميق ، ونظراً لأن لغة الاحتمالات ليست اللغة المعتادة التي يتحدث بها الفلاسفة فقد بدا البحث غريباً نوعاً ما وغامضاً للبعض .

أما السبب الثاني فهو أن الكتاب تناول المدرسة الرئيسة في الفكر الفلسفي الاسلامي

وهي المدرسة الأرسطية بالنقد والتمحيص و اختلف معها اختلافاً شديداً ولهذا فلم يعر الكتاب أية أهمية لدي البعض .

تناول السيد في كتابه مشكلة الاستقراء وما هي الاُسس العقلية التي يعتمد عليها ، ويحسن بنا في البداية أن نتحدث عن نوعي الاستدلال المستخدم في الفكر البشري وهما الاستنباط والاستقراء .

يعرف الاستنباط بأنه الدليل الذي يسير من العام الی الخاص فمثلاً عندما نقول إن زيداً انسان وكل انسان يموت فهذا يعني أن زيداً سيموت .

إنّ القاعدة العقلية التي اعتمد عليها هذا النوع من الاستدلال هي قاعدة‏ استحالة اجتماع النقيضين في موضوع واحد إذ إننا عندما قلنا بأن الانسان يموت فلابد أن نقول إن زيداً سيموت وإلاّ فانّ ذلك يعني امكان اجتماع النقيضين في موضوع واحد وهذا محال عقلاً .

أما الاستقراء فهو سير من خاص الي عام أو من الجزء الي الكل ، ويقسم المذهب الأرسطي الاستقراء الي‏قسمين وهمااستقراء كامل وآخر ناقص ، ويعرف الاستقراء الكامل بأن الاستقراء الذي يشمل جميع الأفراد ، وأما الاستقراء الناقص فيشمل بعض الأفراد .

لقد آمن المذهب الأرسطي بالاستقراء الكامل وأكد قيمته العلمية ، واما الاستقراء الناقص فقد أشكل عليه المذهب الأرسطي واعتبر أن نتائجه لا توصل الي اليقين ، يقول اليزدي : « وأما الاستقراء الناقص فهو يعني مشاهدة أفراد كثيرة لماهية معينة وملاحظة خاصة مشتركة بينهما ثم تعميم هذه الخاصة لتشمل جميع أفراد الماهية ، ولكن مثل هذه الحركة الفكرية لا تؤدي الي اليقين »(1) .

إلاّ انّ المذهب الأرسطي في نفس الوقت لا يستطيع أن ينفي أن هناك أموراً يؤمن العقل البشري بصحتها توصل اليها باستقراء ناقص مثل أن الماء يذهب العطش وأن قطع رقبة الانسان تؤدي به الي الهلاك ، فكيف توصل العقل البشري الی صحتها؟

يؤمن المذهب الأرسطي بأن هناك نوعين من التعميمات الاُولي تعميم ظاهرة استهدفناها من استقرائنا لحالات تختلف في بعض الخصائص الملحوظة عن الحالات التي شملها الاستقراء و اُخري تعميم ظاهرة مماثلة للحالة التي شملها الاستقراء .

يؤمن المذهب الأرسطي أن التعميم الأول غير صحيح ، وأما التعميم الآخر فيؤمن المذهب الأرسطي بصحته ولكن لا علی أساس مجرد التجمع العددي للأمثلة بل لأن هذه الظاهرة أمر مرتبط برابطة السببية أما كيف أن الاستقراء أوجد هذه الرابطة السببية فيرجع الی قاعدة قبلية آمن بها المذهب الأرسطي وهي « أن الصدفة لا تتكرر بشكل دائمياً أو اكثرياً » وعليه فان تكرار المشاهدات لا يمكن أن يكون محض صدفة فلابد وأن تكون هناك رابطة سبيبة .

وقد اختلف السيد الصدر مع المذهب الأرسطي في نقطتين أساسيتين تتعلق الاُولی بالاستقراء الكامل ، فالسيد يعتقد أنه من غير الصحيح أن نقول إن هناك استقراء كاملا لأن الاستقراء تعميم حكم من مجموعة حالات ، فهو سير من خاص الي عام والاستقراء الكامل سير من عام الي عام ، وأما بالنسبة للاستقراء الناقص فقد اعترض السيد علی المذهب الأرسطي اعتراضاً شديداً وذلك لأنه وبمجرد المقارنة بين القاعدتين العقليتين والتي تبرر احدهما الدليل الاستنباطي والاُخری الدليل الاستقرائي نجد أن بينهما بوناً شاسعاً ، فالاُولی قاعدة عقلية متينة ولا يمكن لنا أن نتصور بحال من الأحوال اجتماع النقيضين ، أما القاعدة الاُخري فليست بمتانة الاُولی اذ إن العقل يستطيع أن يتصور أن تتكرر الصدفة بشكل كبير ولا يجد غضاضة في افتراض مثل هذا الامر .

نظرية السيد الشهيد في الاستقراء :

بعد أن تناول السيد موقف المذهب الأرسطي وأوضح عجزه عن تفسير مسألة الاستقراء تناول المذهب التجريبي وانتقده أيضاً واعتبره غير قادر علی تفسير مسألة الاستقراء، عرض السيد نظريته العملاقة حول هذه المسألة وقد اعتمد في حلّه علي ما يعرف بالمذهب الذاتي و قوانين الاحتمالات وخلص الي نتيجة مفادها أنه ومن خلال تطبيق قوانين الاحتمالات يتحول الاحتمال الاستقرائي الی يقين موضوعي يقول الصدر في كتابه عن التوالد الذاتي : « بالامكان أن تنشأ معرفة ويولد علم علي أساس معرفة اُخری ، دون التلازم بين المعرفتين ، فبينما كان المبرر لنشوء معرفة من معرفة اُخری في حالات التوالد الموضوعي هو التلازم بين الجانبين الموضوعيين للمعرفة ، وكان التلازم بين الجانبين الذاتيين للمعرفة تابعاً للتلازم بين الجانبين الموضوعيين ، نجد في حالات التلازم بين الجانبين الذاتيين للمعرفة أن المبرر لنشوء معرفة من معرفة اُخری هو التلازم بين الجانبين الذاتيين للمعرفة ، وأن هذا التلازم ليس تابعاً للتلازم بين الجانبيين الموضوعيين . »(2) .

ومثال المعارف الثانوية المستنتجة بطريقة التوالد الذاتي : « كل التعميمات الاستقرائية المستنتجة من مجموعة أمثلة وشواهد لا يوجد أي تلازم بينها وبين ذلك التعميم ، فالعلم بالتعميم ينشأ عن طريق العلم بتلك الأمث