ابنا : «لَبَّيْكَ دَاعِيَ اللَّهِ إِنْ كَانَ لَمْ يُجِبْكَ بَدَنِي فَقَدْ أَجَابَكَ قَلْبِي وَشَعْرِي وَبَشَرِي وَرَأْيِي وَهَوَايَ عَلَى التَّسْلِيمِ لِخَلَفِ النَّبِيِّ الْمُرْسَلِ وَالسِّبْطِ الْمُنْتَجَبِ وَالدَّلِيلِ الْعَالِمِ وَالأَمِينِ الْمُسْتَخْزَنِ وَالْمُوصِيَ الْبَلِيغَ وَالْمَظْلُومَ الْمُهْتَضَم».
إنّ الحديث عن عقيدتنا بعاشوراء ليس من جهة اثباتها، فثورة الامام الحسين (ع)ومعركة كربلاء تجلّت في التاريخ كما تجلّت الشمس في رابعة النهار، ولهذا نرى أنّ المسلمين لا ينكرون معركة كربلاء، وما حدث فيها من قتل للإمام الحسين بأفظع صورة، ولا سبي النساء والاطفال.
ان إحياء عاشوراء سنوياً يأتي لعدة أمور:
1 - إنّ من قام بهذه النهضة هو الإمام الحسين بن علي (ع)، والمسلمون يعرفون مكانة الإمام الحسين (ع)، وأنّه يمثل رسول الله (ص)، وبهذا نطقت الآيات الكريمة، والأحاديث الشريفة الواردة في أمهات كتب الصحاح عند المسلمين، وبهذا أشار الإمام الحسين (ع) عند خروجه قائلاً» إنّما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي رسول الله» فالإمام (ع) يتكلم من موضع المسؤولية الكبرى وهو يمثل القيادة للامة الإسلامية.
2 - قضية كربلاء ليست قضية بسيطة أو عادية، ففي التاريخ الإسلامي والإنساني كثير من الأحداث، لكنّ يمكن القول ـ وبضرس قاطع ـ أنه ليست هناك حادثة وقضية توازي حادثة كربلاء، فليس هناك حادثة مستقبلية تحدّث عنها رسول الله (ص) بالاهتمام الذي تحدّث به عن واقعة كربلاء.
3 - إنّ العقل والمنطق السليمين يحثان على التوقف والتأمل في الحوادث التاريخية ليأخذ الدرس والعبر من تلك الحوادث، وبهذا صرّح القران الكريم في قوله تعالى ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾.
ولهذا لا عجب أن تقتحم عاشوراء كل هذا الطود المتراكم من السنين وتتجاوز الحدود الجغرافية إلى رحاب العالمية، وعاشوراء إنْ كانت نهضة من أجل الدفاع عن قيم الدين وثوابته، لكنّ الحسين (ع) كشف في خطابه العاشورائي إنما هو نابع من صميم الفطرة الانسانية الداعية إلى رفض كافة أنواع الاستبداد والظلم والجور والفساد على جميع الاصعدة والاتجاهات.
ان من أهمّ القيم التي ركزت عليها نهضة الإمام الحسين(ع) وهي:
1 - تحمل مسؤولية الاصلاح:
تحمّل مسؤولية الاصلاح والتغيير للواقع الفاسد سواء كان على مستوى الفرد أو على مستوى المجتمع ولذلك قال : «إنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي، اريد أن آمر بالمعروف وانهى عن المنكر»، بعد أن درس الواقع الإسلامي كلّه، ودرس المسألة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولهذا نرى الإمام الحسين (ع) لم يقم بالثورة في عهد معاوية لأن الظروف لم تكن ملائمة.
كما أنه لم يشر إلى موقع معيّن من الفساد، مما يعني أنه يتحدث عن فساد شامل يراد من خلاله إيجاد إصلاح شامل.
وهذا مما ينبغي لنا أن ندرسه جيداً في حياتنا، إنّ موضوع الاصلاح مرتبط بالجميع فليس هناك شخص خارج عن المسؤولية يقول الله تعالى: ﴿ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ ﴾الصافات24.
2 - الارتباط بأهل البيت (ع) :
ورد أن الإمام الحسين (ع) خطب في الناس عند خروجه من مكة المكرمة وكان مما جاء «رضا الله رضانا أهل البيت»، وأنّ الارتباط بأهل البيت (ع) يمثل الارتباط بالرسالة الإسلامية ذات الأبعاد المتعددة العقائدية والفكرية والثقافية والتاريخية والاجتماعية.. فهم امتداد للنبوة في خط الإمامة، وولاة الأمر الذين أوجب الله طاعتهم وولايتهم ومودتهم. والسؤال الذي يطرح: كيف نفهم ولاية أهل البيت (ع) في خط التطبيق من خلال الارتباط الولائي بهم واتّباعهم؟
وهناك نقطة هامة لابد أن نفهمها جيداً وهي أنّ الولاية ليست حالة عاطفية بحتة تربط الإنسان بالشخص، بعيداً عن خطِّه الفكري والعملي في حركة الرسالة الإسلامية، ﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾، فمحبة الله سبحانه الذي يطلبها العبد تأتي بعد اتباع الرسول (ص) .
3 - العفو عن المخالفين وقبولهم توبتهم
ومن أخلاق النهضة الحسينية قبول توبة المخالفين، ورفض الفتك بالأعداء وعدم استخدام العبارات غير المهذبة، وبهذه الأخلاق استطاعت النهضة الحسينية أن تحقق النصر بعد أن أيقن المسلمون أنها نهضة سليمة جاءت لإصلاح الواقع، وبعد أن جسدت هذا الإصلاح وهذا التغيير في سلوكها وأخلاقها.
فالحر بن يزيد الرياحي الذي جعجع بالحسين (ع) ورفض كل عروض الحسين (ع) كالذهاب إلى الكوفة، أو العودة إلى المدينة، رغم إحسان الحسين (ع) إليه وانقاذه وجيشه من العطش المهلك.
ولكنّه عندما يؤوب إلى رشده ويندم على ما فعل ويعتذر إلى الحسين (ع) ويطلب التوبة يقول له الحسين (ع) "إنْ تبتَ تاب الله عليك".
أما عن كيفية حفاظ أئمة أهل البيت (ع) على مبادئ وقيم الإمام الحسين (ع) فكان ذلك من خلال:
اولاً: المجالس الحسينية
ورد عن الامام الصادق (ع) أنه قال للفضيل بن يسار، يا فضيل أتجلسون وتتحدثون؟
قال: نعم، جلعت فداك.
قال (ع) : " أما إني أحبّ تلك المجالس فأحيوا أمرنا فإن من جلس مجلساً يحيى فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب ".
وأهم مصداق للمجالس الحسينية هو المنبر الحسيني حيث يعدّ القناة الرئيسية لتوعية الأمة الإسلامية بأبعاد النهج الحسيني وأثره في حفظ الرسالة الاسلامية، مؤكداً على أن:
1 - أهم الأركان للمنبر الحسيني هو اختيار الخطيب الحسيني المناسب الذي يستطيع أن يعطي للجمهور الأفكار الصحيحة.
2 - مشاركة الجمهور في المواضيع التي تطرح من حيث النقد البنّاء وتقييم هذه المواضيع ومدى فاعليتها عند الجمهور المستمع.
3 - المواضيع المهمة التي تطرح على المنبر يجب أن تكون ذات صلة بما يحتاجه المجتمع من ثقافة ويكون ذلك عبر استبيان يعمل ويوزع على الجمهور بكتابة أهم المواضيع والعناصر المرتبطة بها.
ثانياً: البكاء على الامام الحسين (ع) :
أخذت مسألة البكاء على الحسين (ع) نصيباً وافراً من الروايات الصادرة عن أهل البيت (ع) . فالروايات التي تعرّضت لذكر البكاء والتباكي عليه كثيرة حوتها كتب الحديث والتاريخ، وقد تضمنت هذه الروايات ذكر ثواب البكاء عليه، والجزاء الذي يكتسبه الإنسان.
لأنّ البكاء يمثل حالة عاطفية محرّكة نحو الحسين (ع)، لأنّ الإنسان المسلم حينما تدمع عينه يخشع قلبه وسيكون قابلاً لاستلهام المعاني الحيّة لتعاليم الدين، عندها يفكر في الحسين (ع) الذي قُتِلَ من أجل الدين من أجل المحافظة على الصلاة، من أجل إصلاح كلّ نفس، وهكذا يبدأ بتحريك عاطفته الممتلئة حبّاً وشوقاً إلى الحسين (ع) .
لذلك نحن نرى أنّ المؤمن المقيم للشعائر الحسينية يتحول إلى إنسان نزية نظراً إلى أنّ دموعه التي يذرفها وقلبه الذي يخشع يدفعانه للتوبة والتطهر من الذنوب.
وقد روي عن الامام أبي الحسن الرضا (ع) » أنه قال: «فعلى الحسين فليبكِ الباكون، فإنّ البكاء عليه يحط الذنوب العظام».
ثالثاً: زيارة الامام الحسين (ع) :
وردت روايات عديدة في فضيلة زيارة الإمام الحسين (ع) وثوابها، فقد حوال الأئمة (ع) دفع الشيعة إلى زيارة الحسين (ع) ببيان فضلها والأجر الذي يُكتب للزائر عند زيارته.
روى عبد الله بن الفضل الهاشمي قال: كنت عند أبي عبدالله جعفر بن محمد الصادق (ع) فدخل رجل من أهل طوس، فقال: يا بن رسول الله ما لمن زار قبر أبي عبد الله الحسين بن علي (ع) ؟ فقال: من زار قبر الحسين (ع) وهو يعلم أنه إمام من قِبَل الله مفترض الطاعة على العباد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وقبل شفاعته في خمسين مذنبا، ولم يسأل الله حاجة عند قبره إلا قضاها له...».
ولهذا وجّه الأئمة (ع) الشيعة نحو الزيارة للإمام الحسين (ع) لخدمة هدف كبير وهو إبقاء الصلة حيّة ونابضة بين الإسلام الحي وبين الإنسان الشيعي، لئلا يتحول الإسلام في ذهنه إلى مجرد طقوس وممارسات ميتة.
فالنصوص الواردة في زيارتهم (ع) تسلّط الضوء على جهودهم الإسلامية ونشر الدعوة إلى الله، وتشتمل على تعهد أمام الله ينشئه الإنسان الشيعي مع المزور بوجه خاص ومع الرسول وأئمة أهل البيت(ع) بوجه عام على أن يبقى أميناً على عهدهم وطريقتهم وسنتهم.
ثبتنا الله على ولايتهم والسير على نهجهم "اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا اَبا عَبْدِاللهِ وَعَلَى الاَْرْواحِ الَّتي حَلَّتْ بِفِنائِكَ عَلَيْكَ مِنّي سَلامُ اللهِ اَبَداً ما بَقيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَلا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنّي لِزِيارَتِكُمْ، اَلسَّلامُ عَلَى الْحُسَيْنِ وَعَلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَعَلى اَوْلادِ الْحُسَيْنِ وَعَلى اَصْحابِ الْحُسَيْنِ".
.........
انتهى /214