وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : خاص ابنا
الخميس

٢٤ نوفمبر ٢٠١١

٨:٣٠:٠٠ م
280240

في کلام السید محمد باقر الصدر(ره)

التغيير والتجديد في النبوة

نقدم لکم محاضرة للشهید آیة الله محمد باقر الصدر(ره) حول التغییر والتجدید في النبوة من کتاب أئمة أهل البیت؛ تنوع أدوار ووحدة هدف.

بمناسبة أروع ذكرى مرت في حياة الانسان، في يوم هو أشرف يوم في تاريخ الانسان سواء قيمنا الايام بما تشتمل عليه من احداث او بما تتمخض عنه من نتائج، فان هذا اليوم يبقى هو اليوم الاول في تاريخ الانسان، لانه اليوم الذي استطاع فيه الانسان ان يبلغ الذروة، التي رشحته لها عشرات الآلاف من الرسالات والنبوات، فاصبح قاب قوسين أو أدنى، متمثلاً في شخص النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم.

وكذلك اذا لاحظنا ما تمخض عنه هذا اليوم العظيم، يمكننا ان نتصور المقدار العظيم من الطاعات والعبادات والاعمال النبيلة الزاخرة، بكل معاني النبل والاخلاق، التي أوتي بها بعد هذا اليوم.

ويمكننا ان نتصور العروش التي حُطمت والجبابرة الذين قُضي عليهم، وعهود الظلم والطغيان، التي قوضت باسم هذا اليوم.

ويمكننا تصور الشخصيات العظيمة، و البطولات المستميتة في سبيل اقامة العدل على الأرض باسم هذا اليوم.

هذا اليوم هو اليوم الاول في تاريخ البشرية، سواء قيمنا على أساس ما حدث فيه أو على أساس ما نتج عنه، لانه يوم النبوة الخاتمة.

وبمناسبة النبوة الخاتمة، اريد ان اتحدث اليكم عن فكرة التغيير والتجديد في النبوة، فكرة التغيير والتجديد التي عاشتها ظاهرة النبوة في تاريخ الانسان على مر الزمن، حتى وضع لها الحد النهائي، على يد الرسالة الاسلامية الخاتمة.

والتغيير والتجديد في النبوة له اسباب عديدة معقولة يمكن ان يقوم على اساس أي واحد من هذه الاسباب، كما يمكن ان يقوم على اساس اكثر من سبب واحد من هذه الاسباب.

السبب الأول:

وهو فيما اذا كانت هذه النبوة قد استنفدت اغراضها، واستكملت اهدافها، وأنهت شوطها المرسوم لها ففي مثل هذه الحالة، لا بد لها وان تخلي الميدان لنبوة تحمل اهدافاً جديدة، وتحمل شوطاً جديداً لا بد ان تؤديه في خدمة الانسان، وتصعيده الى المستوى المطلوب.

واقصد بكون النبوة تستنفد اغراضها، ان تكون النبوة بالذات، وصفة لمرض طارئ في حياة البشرية.

هناك نقاط من الضعف، تطرأ بين حين وحين، في بعض الازمنة والامكنة، في بعض المجتمعات البشرية.

تطرأ بعض الامراض المعينة من الناحية الفكرية والروحية والاخلاقية وهذه الامراض تستفحل بموجب شروط معينة موضوعية خاصة، وتحتاج هذه الامراض الى نوع من العلاج يترفق المولى سبحانه وتعالى في انزال وحي معين لاجل بيانه.

وبطبيعة الحال سوف تكون الوصفة المقدمة من قبل هذه الرسالة لعلاج هذا المرض، قائمة على اساس هذا الحال الاستثنائي، المنحرف الذي يعيشه انسان عصر هذه النبوة، ومن المنطقي والمعقول ان لاتصح وصفة من هذا القبيل على كل زمان او مكان، فكل انسان منا قد يستعمل وصفة معينة في حالة مرضية، الا ان هذه الوصفة نفسها، لايمكن ان تصبح غذاء اعتيادياً للانسان في كل زمان او مكان.

فحينما تكون النبوة في طبيعة تركيبها قد جاءت لعلاج مرض معين طارئ في حياة الانسان، وتكون في طبيعة رسالتها قد صممت وفق هذه الحاجة فحينما تكون هذه النبوة هكذا، وتدخل شوط عملها وجهادها، وتحارب وتكافح في سبيل استئصال هذا المرض الاستثنائي، بعد هذا تكون النبوة قد

استنفدت اغراضها، لانها جاءت لمعركة جزئية محددة بظروف زمانية ومكانية خاصة، وهذه المعركة انتهت بانقضاء هذه الظروف.

فمثلاً ما يقال عن المسيحية، من انها كانت تتجه الى نزعة روحية مفرطة والتركيز على الجانب الطبيعي بدرجة اكبر بكثير من التركيز على أي جانب من جوانب الحياة المعاشة المحسوسة. يقال عادة: ان بعض التركيز على الجانب الغيبي اللامنظور، التركيز على جعل النفس منقطعة عن كل علائق الدنيا، هذا التركيز الذي قامت على اساسه بعد هذا، فكرة الرهبنة، هذا التركيز، كان علاجاً لمرض عاشه شعب بني اسرائيل، حينما ظهرت المسيحية في ذلك الوقت.

هذا المرض، الانغماس المطلق في الدنيا، وفي علائق الدنيا، هذه الحالة النفسية التي كانت تجعل الانسان اليهودي مشدوداً الى درهمه وديناره، ويومه وغده، هذه الحالة كانت بحاجة الى وصفة، هذه الوصفة تحاول ان تنشل هذا الانسان اليهودي من ضرورات يومه وغده، وتذكره بأمسه وربه، لهذا كان في المسيحية هذا النوع، من الافراط المناسب مع حالة موضعية زمانية معينة في التاريخ الطويل للإنسان.

اما هذا النوع من الافراط حينما يؤخذ كخط عام للإنسان، يعتبر شذوذاً وانحرافاً، لانه دواء للمريض وليس طعاماً للصحيح.

فمن هذه الاسباب التي تجعل التغيير في النبوة امراً معقولاً، هو ان النبوة تستنفد اغراضها وتستوفي اهدافها، باعتبارها رسالة صممت لعلاج حالة طارئة وقد استنفدت اغراض العلاج.

من جملة الاسباب المعقولة لتغيير النبوة هو ان لا يبقى منها تراث يمكن ان يقام على اساسه العمل والبناء...

اذا افترضنا، ان نبَّوة جاءت ومارست دورها في قيادة البشرية وهدايتها ووصلها بربها، وتطهيرها من شوائبها، الا ان هذه النبوة بعد ان مات شخص النبي، تولدت ظروف وانحرافات أكلت كل ذلك التراث الروحي والمفاهيمي الذي خلّفه ذلك النبي الذي قاد تلك المعركة، بقيت النبوة مجرد

رؤى تاريخية وشعار غامض غائم بارد، دون ان يكون معبراً عن أي كيان فكري مفاهيمي، محدد في اذهان القاعدة الشعبية المرتبطة بتلك النبوة، في مثل هذه الحالة، لا يمكن ان تواصل هذه الدفعة الالهية المتمثلة في تلك النبوة عملها، لان الدفعة الالهية لا يمكن ان تواصل عملها بدون مصباح منير وبدون كتاب منير، على ما يصطلح عليه القرآن الكريم، وهذا الكتاب المنير، عبارة عن ذاك التراث الفكري والمفاهيمي الذي يمثل القاعدة للعمل النبوي، ويمثل الاطار للحياة التي يقدمها النبي ويدعو اليها، فاذا ماتت تلك القاعدة وذلك الاطار باضمحلال ذلك التراث، وبقيت النبوة مجرد مسألة تاريخية لا يوجد بالفعل في حياة الناس ما يجسد مفهومها ومنظارها الى الحياة، ففي مثل ذلك، لا بد من دفعة جديدة، لكي يستأنف العمل ويستأنف الشوط في سبيل اعادة البشرية الى ربها، واقامة دعائم العدل والحق والتوحيد على وجه الأرض.

وأيضاً هذا السبب نجده الى درجة كبيرة في المسيحية بالذات. فالمسيحية بعد ان غادر السيد المسيح عليه السلام مسرح الدعوة والعمل، لم يبق من المسيحية شيء حقيقي يمكن ان يقام على اساسه العمل النبوي، الانجيل الذي يحدث عنه القرآن الكريم فقد نهائياً، لان الانجيل الذي يحدث عنه القرآن الكريم كتاب انزل على السيد المسيح (ع)، والاناجيل التي تعيش اليوم وكانت تعيش بالامس هي كتب الفَّها طلاب السيد المسيح (ع) على أفضل التقادير، فالرسالة المتمثلة في الكتاب السماوي قد انطفأت، والحواريون كانوا من حيث القلة والتشتت والاضطراب الذهني، ما يجعلهم غير قادرين على حماية التراث الباقي في أذهانهم من السيد المسيح (ع)، بدليل مراجعة هذه الاناجيل التي كتبوها، فان هذه الاناجيل لا تحمل في الحقيقة وفي مجملها الا سيرة السيد المسيح (ع). مع ابراز الجانب الغيبي والمعاجزي من هذه السيرة.

اذن لم يبق من السيد المسيح (ع) بعد انتهاء دوره على المسرح حصيلة مضيئة يمكن القيام على اساسها على الخط الطويل، العمل النبوي.

لم تبق الا فكرة غائمة غامضة عن انسان بات ليصلح، وقال، وعلّم،

ثم انتهى، اما ماذا قال؟ وكيف انتهى؟ وماذا خلّف؟ وما هي شريعته؟ كل هذا بقي غائماً غامضاً، ولهذا ملئ بالتدريج بأيد بشرية تزعمت بعد هذا، المسيحية، ملئت هذه الفراغات الكبيرة التي تركها السيد المسيح (ع)، خاصة بعد ان اصبحت المسيحية رومانية، ودخلت الامبراطورية الرومانية في الديانة المسيحية رسمياً اولاً وشعبيا ثانياً، في مثل هذه الحالة.

اذن هذه ايضاً من الاسباب المعقولة لتغيير النبوة، وهي ان لا يبقى من ذلك النبي تراث حي يمكن ان يقام على